من أسماء الله الحسنى: الغافر – الغفور – الغفار
أصل الغَفْر: التغطية والستر، غَفَر الله له ذُنوبه، أي: سَتَرها، وكذا غَفَرَ الشَّيب بالخِضَاب؛ وأغفَرَه، أي: سَتَره، والمَغفرة: التَّغْطية، والمِغْفر: هو حِلَق يتقنَّع به المُتَسلّح، يَقِيه ويَسْتره.
سمّى اللهُ نفسه بــ”الغفور” في إحدى وتسعين آية، وأما اسْمه”الغفار” فقد جاء في خمس آيات، فعُلِم أنَّ ورود”الغفور” في القرآن؛ أكثر بكثيرٍ من”الغفار”؛ و”الغفار” أبلغ من”الغفور”؛ وكلاهما مِنْ أبْنية المُبالغة.
قال تعالى: (أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الشورى: 5).
وقال سبحانه: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الحجر: 49).
وقال تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (البروج: 14).
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى: 23).
وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 28).
وأما الغفار ففي قوله تعالى: (أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر: 5).
وقوله عز وجل: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (ص: 66).
وقوله سبحانه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) (نوح: 10).
وأما الغافر: فقد ورد مرة واحدة في القرآن، وذلك في قوله تعالى: (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) (غافر: 3).
قال الزجاج: ومعنى الْغَفْرُ في حقِّ الله سبحانه، هو الذي يستُرُ ذنوبَ عباده، ويغطِّيهم بستره .
وقال الخطابي: فالغَفّار السَّتار لذُنوب عباده، والمُسْدل عليهم ثوب عطفه ورأفته، ومعنى الستر في هذا: أنّه لا يكشف أمر العبد لخَلْقه، ولا يَهْتك ستره بالعقوبة التي تشهرُهُ في عيونهم.
وقال ابن العربي في”الأمد”: المسألة الثالثة في ترتيب هذه الأسماء الثلاثة، وفي ذلك ثلاثة أقوال؛ أصحّها: أنَّ غافراً فاعل مِنْ غَفَر، وإنّ قولنا:”غفور” للمبالغة إذا تكرّر، وإنَّ”الغفار” أشدُّ مبالغةً منه.
وقال السعدي:”العفو ـ الغفور ـ الغفار”: الذي لم يزلْ ولا يزال بالعَفْو معروفاً، وبالغُفْران والصَّفح عن عباده مَوْصُوفا، كلّ أحدٍ مُضطرٌ إلى عفْوه ومغفرته، كما هو مُضْطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو؛ لمن أتى بأسْبابها، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه: 82).
1- وَصَفَ الله سبحانه نفسه بأنه غفَّار وغَفُور، للذُّنوب والخَطَايا والسّيئات، لصغيرها وكبيرها، وحتى الشَّرك إذا تاب منه الإنسان واسْتغفر ربه، قبل الله توبته وغفر له ذنبه، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر: 53).
وقال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً) (النساء: 110).
فمهما عَظُمت ذنوب هذا الإنسان، فإنّ مَغفرة الله ورحمته؛ أعظم من ذنوبه التي ارتكبها، قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) (النجم: 32). وقد تكفَّل الله سبحانه بالمغفرة لمن تاب وآمن، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه: 82).
بل مِنْ فَضْله وجُودِه وكرمه، أنْ تعهَّد بأن يبدّل سيئاتِ المُذْنبين إلى حَسَنات، قال تعالى عن التائبين: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الفرقان: 70).
2- ومع هذا؛ لا يجوز للمُسْلم أنْ يُسْرف في الخَطَايا والمعاصي والفَواحش، بحجة أنَّ الله غفور رحيم، فالمغفرة إنّما تكون للتائبين الأوّابين، قال تعالى: (إِنْ تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً) (الإسراء: 25). وقال سبحانه: (إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النمل: 11).
فاشترط تبدَّل الحال مِنْ عمل المعاصي والسيئات؛ إلى عمل الصالحات والحسنات، كي تتحقق المغفرة والرحمة. وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) (النساء: 48، 116). يُبين أنَّ المقيم على الشَّرك حتى الوفاة؛ لا غُفْران لذنوبه، لأنه لم يُبدّل حُسْناً بعد سُوء.
وكذا قوله تعالى عن المنافقين: (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) (المنافقون: 6). لأنهم لم يُخْلِصوا دينهم لله، ولم يُصلحوا مِنْ أحوالهم، وأما إذا حصل ذلك؛ فإنَّ المغفرة تحصل لهم مع المؤمنين، قال تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء: 146).
فلا بدّ مِنَ الأخذ بالأسباب المُؤدِّية إلى المغفرة، وأما إنْ ماتَ وهو مقيمٌ على الكبائر مِنْ غير أنْ يتوب، فإنَّ مذهبَ أهل السُّنة والجماعة: أنه ليس له عَهْدٌ عند الله بالمَغْفرة والرحمة، بل إنْ شاء غفرَ له وعفَا عنه بفضله، كما قال عز وجل: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) (النساء: 48، 116)، وإنْ شاء عذَّبه في النار بعَدْله، ثم يُخرجه منها برحمته؛ وشفاعة الشافعين مِنْ أهلِ طاعته، ثم يُدْخِله الجنة؛ وذلك للمُوحِّدين خاصة.
3- اتصافُ الله سُبحانه بأنه”غفَّار” للذنوب والسيئات، فضلٌ مِنَ الله ورحمةٌ عظيمة للعباد، لأنه غنيٌ عن العالمين، لا ينتفعُ بالمغفرة لهم، لأنّه سبحانه لا يضرُّه كفرُهم أصْلاً، ولا يَغْفر لهم خَوفاً منهم أيضاً، لأنه قويٌ عزيز، قد قَهَر كلَّ شيءٍ وغلبه؛ ولا يُعْجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء. وقد نبَّه الله عبادَه إلى هذا الأمر؛ في القرآن الكريم عدَّة مرات، باقتران اسمه” الغفور” مع”العزيز”؛ كقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 28). وقوله: (أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر: 5). فمع عزَّته وقَهْره، إلا أنه غفورٌ رحيم.
قال بعض العلماء: إنّ الغُفْران: سِتْرٌ لا يقعُ معه عقاب. والعفو إنما يكون بعد وجودِ عذابٍ وعتاب.
وقال العسكري في”الفُروق”:” الْفرق بَين الْعَفو والغفران:
أَن الغفران: يَقْتَضِي إِسْقَاط الْعقَاب، وإِسْقَاط الْعقَاب هو إِيجَاب الثَّوَاب؛ فلَا يسْتَحق الغفران إِلَّا المُؤمن المُسْتَحق للثَّواب. ولِهَذَا لَا يسْتَعْمل إِلَّا في الله، فَيُقَال: غفر الله لَك، ولَا يُقَال: غفر زيد لَك، إِلَّا شاذا قَلِيلا…
والعَفو: يَقْتَضِي إِسْقَاط اللوم والذم، ولَا يَقْتَضي إِيجَاب الثَّوَاب، ولِهَذَا يسْتَعْمل في العَبْد، فيُقال: عَفا زيد عن عَمْرو؛ وإِذا عَفا عنهُ: لم يجب عَلَيْهِ إثابته.
إِلَّا أَن العَفو والغفران: لما تقَارب معنياهما، تداخلا، واستعملا فِي صِفَات الله جلّ اسْمه على وَجه وَاحِد؛ فَيُقَال: عَفا الله عنه، وغفر له؛ بِمَعْنى واحِد.
وما تعدى بِهِ اللفظان يدل على مَا قُلْنَا، وذَلِكَ أَنَّك تَقول عَفا عَنهُ، فَيَقْتَضِي ذَلِك إِزَالَة شَيْء عَنهُ. وتقول: غفر لهُ فَيَقْتَضِي ذلك اثبات شَيْء له”. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:” العَفْوُ مُتَضَمِّنٌ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ قِبَلِهِمْ؛ ومُسَامَحَتِهِم به، والمَغْفرةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِوِقَايَتِهِم شَرَّ ذُنُوبِهِم، وإِقْبَالِهِ عليهم، ورِضَاهُ عنهم؛ بِخِلَافِ العَفْوِ المُجَرَّدِ؛ فَإِنَّ العَافِيَ قدْ يَعْفُو، ولا يُقْبِلُ على مَنْ عَفَا عنه، ولَا يَرْضَى عنه.
فالعَفْوُ تَرْكٌ مَحْضٌ، والمَغْفِرَةُ إحْسَانٌ وفَضْلٌ وجُودٌ” انتهى.
وبهذا يتبين أنَّ المغفرة أبلغ من العَفْو، على القول الراجح؛ لما تتضمنه مِنَ الإحْسان والعطاء.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.
اقرأ المزيد في هذه السلسلة:
- أسماء الله الحسنى وشرح معانيها
- من أسماء الله الحسنى: الله الاسم الأعظم للرب تبارك وتعالى
- من أسماء الله الحسنى: الرحمن – الرحيم
- من أسماء الله الحسنى: الملك – المالك – المليك
- من أسماء الله الحسنى: القدوس
- من أسماء الله الحسنى: السلام
- من أسماء الله الحسنى: المؤمن
- من أسماء الله الحسنى: المهيمن
- من أسماء الله الحسنى: العزيز
- من أسماء الله الحسنى: الجبار
- من أسماء الله الحسنى: المتكبر – الكبير
- من أسماء الله الحسنى: الخالق – الخلاق
- من أسماء الله الحسنى: البارئ
- من أسماء الله الحسنى: المصور
- من أسماء الله الحسنى: الغافر – الغفور – الغفار
- من أسماء الله الحسنى: القاهر – القهار
- من أسماء الله الحسنى: الوهاب
- من أسماء الله الحسنى: الرزاق – الرازق
- من أسماء الله الحسنى: الفتاح
- من أسماء الله الحسنى: العليم – العالم – العلام
- من أسماء الله الحسنى: السميع
- من أسماء الله الحسنى: البصير
- من أسماء الله الحسنى: اللطيف
- من أسماء الله الحسنى: الخبير
- من أسماء الله الحسنى: الحليم
- من أسماء الله الحسنى: العظيم
- من أسماء الله الحسنى: الشكور – الشاكر
- من أسماء الله الحسنى: العلي – الأعلى – المتعال
- من أسماء الله الحسنى: الحفيظ – الحافظ
- من أسماء الله الحسنى: المقيت
- من أسماء الله الحسنى: الحاسب – الحسيب
- من أسماء الله الحسنى: الكريم – الأكرم
- من أسماء الله الحسنى: الرقيب
- من أسماء الله الحسنى: المجيب
- من أسماء الله الحسنى: الواسع
- من أسماء الله الحسنى: الودود
- من أسماء الله الحسنى: المجيد
- من أسماء الله الحسنى: الشهيد
- من أسماء الله الحسنى: الحق
- من أسماء الله الحسنى: الوكيل – الكفيل
- من أسماء الله الحسنى: القوي – المتين
- من أسماء الله الحسنى: الولي – المولى
- من أسماء الله الحسنى: الحميد
- من أسماء الله الحسنى: الحي
- من أسماء الله الحسنى: القيوم
- من أسماء الله الحسنى: الواحد – الأحد
- من أسماء الله الحسنى: الصمد
- من أسماء الله الحسنى: القادر – القدير – المقتدر
- من أسماء الله الحسنى: الأول
- من أسماء الله الحسنى: الآخر
- من أسماء الله الحسنى: الظاهر
- من أسماء الله الحسنى: البر
- من أسماء الله الحسنى: التواب
- من أسماء الله الحسنى: العفو
- من أسماء الله الحسنى: الرؤوف
- من أسماء الله الحسنى: الغني
- من أسماء الله الحسنى: الباطن
- من أسماء الله الحسنى: النور
- من أسماء الله الحسنى: الهادي
- من أسماء الله الحسنى: البديع
- من أسماء الله الحسنى: الوارث
- من أسماء الله الحسنى: ذو الفضل
- من أسماء الله الحسنى: ذو الطول
- من أسماء الله الحسنى: ذو المعارج
- من أسماء الله الحسنى: المحيط
- من أسماء الله الحسنى: الغالب
- من أسماء الله الحسنى: الكافي
- من أسماء الله الحسنى: المستعان
- من أسماء الله الحسنى: الفاطر
- من أسماء الله الحسنى: الناصر – النصير
- من أسماء الله الحسنى: القريب
- من أسماء الله الحسنى: المبين
- من أسماء الله الحسنى: الرب
- من أسماء الله الحسنى: ذو الجلال والإكرام
- من أسماء الله الحسنى: الحكم – الحاكم – الحكيم
- من أسماء الله الحسنى: الشافي
- من أسماء الله الحسنى: الرفيق
- من أسماء الله الحسنى: السبوح
- من أسماء الله الحسنى: الجميل