معنى “الحي” في اللغة:

الحياةُ: ضدُّ الموت، والحيُّ، ضدّ الميت.
وأحياه الله؛ فحيي وحيَّ، والإدْغام أكثر.

اسم الله “الحي” في القرآن الكريم:

ورد هذا الاسم في خمس آيات من الكتاب العزيز، وهي:
قوله تعالى: (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) (البقرة: 255).
وقوله تعالى: (الم * اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (آل عمران: 1- 2).
وقوله تعالى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (طه:111).
وقوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) (الفرقان:58).
وقوله تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (غافر: 65).

معنى “الحي” في حق الله تبارك وتعالى:

قال الطبري: وأما قوله:”الحيّ” فإنه يعني الذي له الحياة الدائمة، والبَقاء الذي لا أوَّلَ له يُحَدُّ، ولا آخرَ له يُؤْمد، إذْ كان كلُّ ما سواه؛ فإنه وإنْ كان حيّاً فلحياتِه أولٌ مَحدود، وآخر مَأْمود، ينقطع بانقطاع أمَدها، وينقضي بانْقضاء غايتها.
وقال في آية آل عمران: وقال آخرون: معنى ذلك: أنّ له الحياةَ الدائمة؛ التي لم تزلْ صفة؛ ولا تزال كذلك، وقالوا: إنما وَصَفَ نفسه بالحياة لأنّ له حياةً، كما وَصَفها بالعلم؛ لأنّ لها عِلْما، وبالقُدرة؛ لأنّ لها قُدرة.
ومعنى ذلك عندي: أنه وَصَفَ نفسَه بالحياة الدائمة؛ التي لا فناءَ لها ولا انْقطاع، ونفى عنها ما هو حالٌّ بكلِّ ذي حياةٍ مِنْ خَلْقه، مِنَ الفناء وانقطاعِ الحياة عند مجيء أجله، فأخْبر عباده أنه المستوجب على خَلقه؛ العبادة والأُلوهة.
و”الحيُّ” الذي لا يموتُ ولا يَبيد، كما يموتُ كلُّ من اتُخِذَ مِن دونه رباً، ويَبِيد كلُّ مَنْ ادَّعى مِنْ دونه إلهاً، واحتج على خَلْقه بأنّ: مَنْ كان يبيدُ فيزول؛ ويموتُ فيفنى، فلا يكون إلهاً يستوجب أنْ يُعبد دون الإله الذي لا يبيدُ ولا يموت، وأنَّ الإله هو الدائم؛ الذي لا يموت ولا يبيد ولا يفنى، وذلك الله الذي لا إله إلا هو.
وقال الزجاج:” الحيُّ” يُفيدُ دوام الوجود، والله تعالى لم يَزلْ موجوداً، ولا يزال موجوداً.
وقال الزجاجي:” الحيُّ” في كلام العرب: خِلافُ الميت، والحيوان خلاف الموات.
فالله عزّ وجل الحي الباقي، الذي لا يجوزُ عليه الموتُ ولا الفناء؛ عزّ وجل؛ وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ولا تعرفُ العربُ عن الحيِّ والحياة؛ غير هذا.
وقال الخطّابي:” الحي” مِنْ صِفَة الله تعالى: هو الذي لم يَزْل موجوداً؛ وبالحياة مَوْصوفاً، لم تحدثْ له الحياة بعد موتٍ، ولا يعترضه الموتُ بعد الحياة، وسائر الأحياء يَعْتورُهُم الموتُ أو العدم؛ في أحد طَرَفي الحياة أوفيهما معاً، و (كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه) (القصص: 88).
وذكر البيهقي العبارة الأولى للخطّابي، ثم قال: فالحياةُ له صفةٌ قائمةٌ بذاته.
وقال ابن كثير:”الحي القيوم”: أيّ الحي في نفسه؛ الذي لا يموت أبداً، القيم لغيره.
ويأتي كلام السعدي وابن القيم عن هذا الاسم في معنى اسمه”القيوم”.

من آثار الإيمان باسم الله “الحي“:

1- إن الله تبارك وتعالى حيٌّ بحياة هي له صفة، حيٌّ أبداً لا يموت؛ والجنّ والإنس يموتون، بل كلُّ ما على الأرض، كما قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) (الرحمن: 26 – 27).
فهذا الاسم فيه إثباتُ صفة “الحياة” لله تعالى، وهي مِنَ الصِّفات الذاتية، فحياتُه سبحانه أكمل حياة وأتمها، ويستلزم ثبوت كلّ كمال؛ يُضَادُّ نفيه كمال الحياة.
وقد فرَّ الزمخشري المعتزلي من إثبات هذه الصفة؛ ففسرها بلازمها، فقال في كشافه:”الحيّ” الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء، وهو على اصْطِلاح المتكلمين الذي يَصحّ أنْ يَعْلم ويَقْدر.

2- وحياته جلّ وعلا مُنزهةٌ عنْ مُشابهة حَياة الخلق، فلا يجري عليها الموتُ أو الفناء، ولا تعتريها السِّنَة ولا النوم، والسِّنة هي: النُّعاس الذي يكون في العين ويَسْبق النوم، وكلاهما يُنافي كمال القدرة والحياة، لأنَّ النوم قاهرٌ للحَيّ منَّا؛ معطلٌ لحواسّه وقُدرته وعِلمه، ولا يصح أنْ يُوصفَ الله بذلك. وكيف يُتَصوّر جريان النوم عليه، ولا قيام للسَّماوات والأرض إلا به؟! قال سُبحانه: ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُورا ) (فاطر: 41).
وقال صلى الله عليه وسلم:” إنَّ اللهَ لا يَنَام، ولا يَنْبغي له أنْ يَنَام، يَرْفع القِسْط ويَخفضُهُ، ويُرفعُ إليه عملُ النّهار بالليل، وعملُ الليل بالنهار.

3- الله جلَّ شأنه هو الذي يَهَب أهل الجنة؛ تلك الحياة الدائمة الباقية، التي لا تفنى ولا تبيد، قال سبحانه: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) (العنكبوت: 64).
فحياتهم دائمةٌ بإدامة الله لها، لا أنَّ الدوام وصفٌ لازمٌ لها لذاتها، بخلاف حياة الربّ تعالى، وكذلك سائر صفاته، فصفات الخالق كما يليق به، وصفات المخلوق كما يليق به.
فالحياة الدنيا كالمنام، والحياة الآخرة كاليقظة.

4- كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول:”اللهمّ لكَ أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليكَ أنبتُ، وبك خَاصمتُ، اللهم إنّي أعوذُ بعزتك؛ لا إله إلا أنت؛ أنْ تُضلَّنِي، أنتَ الحيُّ الذي لا يَموتُ، والجنُّ والإنسُ يموتون.

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي