ماورد في الإسم الأعظم للرب تبارك وتعالى من الأحاديث الصحيحة:

وردت فيه عدة أحاديث صحيحة، وهي: 1- حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إنّي أسْألُك؛ أني أشْهدُ أنَّك أنتَ الله لا إلهَ إلا أنتَ، الأحدُ الصَّمد؛ الذي لم يَلد ولم يُولد، ولم يكن له كُفُواً أحد. فقال:” لقد سَألتَ الله بالاسْم الذي إذا سُئِل به أَعْطى، وإذا دُعِى به أجاب”.   وفي رواية فقال:” والذي نفْسي بيده؛ لقد سَأَل اللهَ باسْمه الأعظم، الذي إذا دُعِي به أجَاب؛ وإذا سُئِل به أَعْطى”.

2- حديث أنس رضي الله عنه  قال: كنتُ جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي، فقال: اللهمّ إني أسْألك بأنّ لك الحَمْد؛ لا إله إلا أنتَ، الحنّانُ المنّانُ؛ بديعُ السَّموات والأرض يا ذا الجَلال والإكْرام، يا حَيُّ يا قيّوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:” دَعَا الله باسْمهِ الأعْظم؛ الذي إذا دُعِيَ به أجَابَ، وإذا سُئل به أعْطى”.

3- حديث أبي أمامة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” اسْمُ اللهِ الأعْظم؛ في سُورٍ من القُرآن ثلاثٌ، في البقرة؛ وآل عمران؛ وطه”.                                                                                                     

ويلاحظ أنَّ الاسم الذي تكرَّر في هذه الأحاديث هو (الله) فقد ورد في الحديث الأول، وورد في الحديث الثاني بصيغة” اللهم”. وإنّما كان الأصل فيه” يا الله” فلما حَذفوا الياء من أول الحرف، زادوا الميم في آخره؛ ليرجع المعنى الذي في:”يا الله”.

أقوال العلماء في الإسم الأعظم للرب تبارك وتعالى:

اختار القول بأنَّ الاسْم الأعظم لله تعالى؛ هو” الله”: الطّحاوي، وكذا ابن القيم فقد قال – بعد أنْ بيّن لوازم أسْماء الله الحُسنى -: فاسم” الله” دالٌ على جميع الأسماء الحسنى؛ والصفات العليا؛ بالدلالات الثلاث، فإنه دالٌ على إلهيتـه؛ المتضمنة لثبوت صفات الإلهية؛ مع نفي أضدادها عنه. وصفات الإلهية: هي صفات الكمال، المُنزّهة عن التشبيه والمثال؛ وعن العيوب والنقائص، ولهذا يُضيف الله تعالى سائرَ الأسماء الحسنى؛ إلى هذا الاسْم العظيم، كقوله تعالى: (وللّه الأسْمَاء الحُسْنى) (الأعراف: 180).   

ويقال:”الرحمن والرحيم والقدوس والسلام والعزيز والحكيم” من أسْماء الله، ولا يُقال:”الله” من أسْماء الرحمن؛ ولا من أسْماء”العزيز” ونحو ذلك.                                                                                                  

“فعلم أنَّ اسمه” الله” مستلزمٌ لجميع معاني الأسْماء الحُسنى؛ دالٌ عليها بالإجْمال، والأسماء الحسنى تفصيلٌ وتبيينٌ لصفات الإلهية؛ التي اشتقَّ منها اسم” الله”، واسم”الله” دالٌ على كونه مألوهاً معبوداً، تألهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً، وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزمٌ لكمالِ ربوبيته ورحمته، المُتضمّن لكمال المُلك والحَمد، وإلهيته وربوبيته؛ ورحمانيته وملكه؛ مُسْتلزم لجَميع صفاتِ كماله، إذْ يَسْتحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحيّ، ولا سميع ولا بصير، ولا قادر ولا متكلم؛ ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.

وصفات الجلال والجمال أخص باسم”الله”. وصفات الفعل والقدرة، والتفرّد بالضّر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة: أخصّ باسْم”الرب”. وصفات الإحْسَان والجُود والبر، والحَنان والمنّة، والرأفة واللطف؛ أخصّ باسْم”الرحمن” وكرّر إيذاناً بثبوت الوصف وحصول أثره، و تعلقه بمتعلقاته”                                                                            

وقد ساق فخرُ الدين الرازي في كتابه”شرح أسْماء الله الحسنى” حُجج مَنْ قال:” إنَّ الاسم الأْعظم هو”الله”؛ فمنها:

1- إنَّ هذا الاسْم ما أُطْلق على غيرِ الله تعالى، فإنّ العربََ كانوا يُسمّون الأوثان آلهة؛ إلا هذا الاسْم، فإنهم ما كانوا يطلقونه على غيرِ الله سبحانه وتعالى، والدليل عليه قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (لقمان: 25).                                 وقال تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم: 65).                                                               

معناه: هل تعلم مَن اسْمه الله؛ سوى الله؟ فلما كان هذا الاسم في الاختصاص بالله تعالى على هذا الوجه، وجبَ أنْ يكونَ أشْرفَ أسْماءِ الله سُبحانه وتعالى.

2- إنَّ هذا الاسْم هو الأصْل في أسماء الله سبحانه وتعالى وسائر الأسماء مضافة إليه.                                         

قال تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (الأعراف: 180) فأضاف سائر الأسماء إليه، ولا محالة أنَّ الموصوفَ أشرفُ مِنَ الصفة، ولأنه يقال: الرحمن الرحيم الملك القدوس؛كلّها من أسْماء الله تعالى، ولا يُقال: اللهُ اسْم الرَّحمن الرحيم ! فدلّ هذا؛ على أنَّ هذا الاسْم هو الأصل في الأسماء.

3- قوله تعالى: (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ) (الإسراء: 110) خصّ هذين الاسمين بالذِّكر، وذلك يدلّ على أنهما أشْرفُ مِنْ غيرهما، ثم إنّ اسم”الله” أشرف من اسْم”الرحمن”.

أما أولاً: فلأنّه يقال: قدَّمَه في الذِّكر.

وأما ثانياً: فلأن اسْم”الرّحمن” يدلّ على كمال الرّحْمة، ولا يدلُّ على كمالِ القَهْر والغَلَبة؛ والعَظمة والعزّة، وأما اسْم الله؛ فإنه يدلُّ على كلِّ ذلك، فثبت أنَّ اسمَ”الله” تعالى أشْرف.

4- أنّ هذا الاسم له خاصيةٌ غير حاصلةٍ في سَائر الأسْماء، وهي أنّ سائرَ الأسْماء والصِّفات؛ إذا دخلَ عليه النّداء؛ أسقط عنه الألفَ واللام، ولهذا لا يجوز أنْ يقال: يا الرحمن يا الرحيم، بل يقال: يا رحمنُ يا رحيم، أما هذا الاسْم؛ فإنه يحتمل هذا المعنى؛ فيَصحُّ أنْ يُقال: يا الله. وذلك أنّ الألف واللام في هذا الاسْم؛ صار كالجُزء الذاتي، فلا جَرَم لا يَسقطان حالة النّداء، وفيه إشارةٌ لطيفة، وذلك لأنّ الألف واللام للتعريف؛ فعدم سقوطهما عن هذا الاسْم، يدلُّ على أنّ هذه المعرفة لا تزول أبداً البتة. اهـ باختصار.

أصلُ كلمة”الله” في اللغة:

قال ابن الأثير:”هو مأخوذٌ من إله؛ وتقديرها فعلانية، بالضم، تقول: إلهٌ بين الإلهية والأُلهانية، وأصله من ألِهَ يأْلهُ إذا تحيّر، يريد إذا وَقَع العبدُ في عَظَمة الله وجلاله، وغير ذلك من صفات الربوبية، وصَرَف همّه إليها، أبغضَ الناس؛ حتى لا يميل قلبُه إلى أحد”. اهـ

قال أبو الهيثم: فالله أصله إله، قال الله عز وجل: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ) (المؤمنون: 91).

قال: ولا يكون إلهاً حتى يكونَ معبوداً، وحتى يكون لعباده خَالقاً ورازقاً ومدبّراً، وعليه مُقْتدراً، فمَنْ لم يَكنْ كذلك؛ فليس بإلهٍ، وإنْ عُبد ظُلماً، بل هو مُخلوق ومُتعبدٍ.

قال ابن برّي: وكانت العربُ في الجاهلية؛ يَدْعون معبوداتهم من الأوثان والأصنام: آلهة، وهي جمع إلاهة. قال الله عز وجل: (ويَذَرَكَ وآلهَتَك) وهي أصْنامٌ عَبَدها قومُ فرعون معه، و”الله” أصله: إلاه، على فعال بمعنى مفعول؛ لأنه مَأْلوه، أي: معبودٌ، كقولنا: إمام فعال؛ بمعنى مفعول؛ لأنه مؤتّم به، فلما أُدخلتْ عليه الألف واللام؛ حُذفت الهمزة تَخفيفاً؛ لكثرتهِ في الكلام.

وقال الإمام ابن القيم: القولُ الصّحيح: أنّ”الله” أصله: الإله ،كما هو قول سيبويه؛ وجمهور أصحابه؛ إلا مَنْ شذّ منهم.

هل يُشْرع ذِكْر الله باسم الجلالة” الله” مفرداً:

لا يُشْرع ذِكْر الله باسم الجلالة” الله” مفرداً: وذلك أنَّ بعضَ الجَهَلة من المسلمين؛ يذكر الله باسم الجلالة مفرداً؟! فيَجْعلون لهم أوراداً يُردِّدون فيها لفظ الجلالة (الله) مرات عديدة؛ كألفٍ أو ألفين أو أكثر، وأحياناً يجتمعون على ذلك في حَلقاتٍ وهم جالسون، أو وهم واقفون، يتمايلون ذات اليمين وذات الشمال؟ ويقفزون بين الحين والآخر؟! ويُصاحب ذلك دقّات الطّبول وأصوات المزامير؟!! وتشتدُّ الأصوات حتى لا تسمع إلا: (هُو هُو هُو) أو (أه أه أه) أو (حع حع حع) ويزعمون بعد هذه البدعة النّكراء؟! والفِعْلة الشَّعناء؟! أنهم يَذْكرون الله؟!!! 

ومَنْ قال: إنه يُشْرع للمسلم أنْ يُردّد هذا الاسْم مفرداً؟! أو غيره من الأسماء؟!                                           

فإنَّ الأذكار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن على هذه الصورة أبداً، ولم يُسَنّ لهم ذلك في حديثٍ قط، بل كلُّ الأذْكار الصَّحيحة الواردة عنه، نَجدُ فيها أنّ لفظ الجلالة لا يُذكر مُفرداً، مِنْ ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:” مَنْ قال: سُبحانَ اللهِ وبحمده؛ في يومٍ مائة مرة، حُطَّت عنه خَطاياه، وإنْ كانت مثلَ زبد البحر”.                                                                                     

وقوله صلى الله عليه وسلم:”كلمتَانِ خَفيفتان على اللسانِ، ثَقِيلتانِ في الميزان، حَبيبتانِ إلى الرحمن: سُبحانَ اللهِ وبحمده، سُبحانَ الله العظيم”.                                                                                                 

وقوله صلى الله عليه وسلم:” أحبُّ الكلام إلى الله أربعٌ، لا يَضرّك بأيهن بَدَأت: سُبحان الله، والحَمد لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبر”.                                                                                                       

وهكذا سائر الأذكار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، ولم يأتِ في حديثٍ قط؛ أنه ردّد هذا الاسم”الله” مفردا ً.

أحبُّ الأسْماء إلى الله تعالى:

أحبُّ الأسْماء إلى الله تعالى: عبد الله وعبد الرحمن، كما جاء في الحديث الصحيح، وكَشَف عن سرِّ ذلك الإمامُ ابن القيم رحمه الله؛ في كلامه على”الأسماء والكنى” في كتابه المُمتع” زاد المَعاد” فقال: “ولما كان الاسم مقتضياً لمسمّاه، ومُؤثّراً فيه؛ كان أحبُّ الأسماء إلى الله؛ ما اقتضى أحبَّ الأوْصاف إليه، كعبدِ الله وعبدِ الرحمن، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن، أحبَّ إليه من إضافتها إلى غيرهما، كالقاهر والقادر، فعبدُ الرحمن أحبُّ إليه من عبدِ القادر، وعبد الله أحبُّ إليه من عبد ربّه، وهذا لأنّ التعلّق الذي بين العبد وبين الله؛ إنما هو العبوديةُ المَحْضة، والتعلقُ الذي بين الله وبين العبد؛ بالرحمة المَحْضة، فبرحمتِه كان وُجوده؛ وكمالُ وجوده، والغاية التي أوْجده لأجلها: أنْ يتألّه له وحْده؛ محبةً وخوفاً، ورجاءً وإجلالاً وتعظيماً، فيكون عبداً لله، وقد عبده لما في اسمِ الله من معنى الإلهية؛ التي يَستحيل أنْ تكونَ لغيره.

ولما غَلَبَت رحمتُه غضبَه، وكانت الرحمةُ أحبَّ إليه مِنَ الغَضَب، كان عبدُ الرحمن؛ أحبَّ إليه من عبد القاهر” 

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.