معنى “العفو” في اللغة:

عفوتُ عن الشيء، أعْفُو عنه، إذا تركته، وعَفَا عَنْ ذنبه؛ إذا تركَ العُقوبة عليه.
والعَفُوُّ: الكثير العفو.
وعفا الشَّعر والنبت وغيرهما: كَثُر، ومنه قوله تعالى: (حَتَّى عَفَواْ) (الأعراف: 95). أي: كثُروا.
وعَافاه الله وأعْفَاه بمعنى، والاسْم: العَافية، وهي دفاعُ الله عن العبد.

اسم الله “العفو” في القرآن الكريم:

ورد الاسم خمسَ مرات، وهي:
قوله تعالى: (فامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:43).
وقوله: (فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:99).
وقوله: (إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) (النساء: 149).
وقوله: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (المجادلة: 2).

معنى “العفو” في حق الله تبارك وتعالى:

قال ابن جرير: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء: 43): إنَّ الله لم يزل عفواً عن ذنوب عباده، وتركه العقوبة على كثيرٍ منها؛ ما لم يشركوا به.
وقال الزجاج بعد أنْ ذكر المعنى اللغوي: والله تعالى عفوٌّ عن الذنوب، تاركٌ العقوبة عليها.
وقال أبوجعفر النحاس: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً) أي: يقبل العفو، وهو السهل.
وقال الخطَّابي: والعفوُ: الصَّفحُ عن الذنوب، وتركُ مُجازاة المسيء. وقيل: إنَّ العفوَ مأخوذٌ من عَفت الرِّيح الأثر، إذا دَرستْه. فكأنَّ العافي عن الذّنب يَمحوه بصَفْحِه عنه.
وقال الحليمي: (العفو) ومعناه: الواضعُ عن عباده تَبِعات خَطَاياهم وآثارهم، فلا يَسْتوفيها منهم، وذلك إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجْهه أعظم مما فعلوا، فيكفّر عنهم ما فعلوا بما تركوا، أو بشفاعة من يشفع لهم، أو يجعل ذلك كرامة لذي حرّمة لهم به، وجزاء له بعلمه.
وقال السعدي: (العفُوُّ الغفور الغفَّار): الذي لم يزَلْ ولا يَزَال بالعَفْو معروفاً، وبالغُفران والصَّفح عن عباده مَوصوفاً، كلُّ أحدٍ مضطرٌّ إلى عفوه ومغفرته، كما هو مُضطرٌّ إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرةِ والعفو لمَن أتى بأسبابها، قال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه: 82).

من آثار الإيمان باسم الله “العفو”:

1- أنَّ الله سُبحانه هو (العَفْو) الذي له العَفْو الشامل، الذي وَسِع ما يَصْدر عنْ عباده من الذنوب، ولاسيما إذا أتوا بما يُوجب العَفْو عنهم مِنَ الاسْتغفار والتوبة؛ والإيمان والأعمال الصَّالحة، فهو سبحانه يَقْبل التوبة عن عباده؛ ويَعْفو عن السيئات.
وهو عفُوٌّ يحب العَفو، ويُحب مِنْ عباده أنْ يَسْعوا في تحصيل الأسْباب؛ التي ينالون بها عفوه من السّعي في مرضاته، والإحْسان إلى خَلْقه.
ومِنْ كمال عفوه: أنَّه مهما أسْرف العبدُ على نفسه،ثم تابَ إليه ورجع؛ غَفرَ له جميع جُرمه، كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
ولولا كمال عَفْوه، وسَعَة حِلْمه سبحانه، ما تركَ على ظَهْر الأرض مِنْ دَابةٍ تدبُّ، ولا نفس تَطْرُفُ (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل:61).

2- أنَّه تعالى: (عفُوٌّ غفور) مع قدرته على خَلْقه، وقَهْره لهم، وقد نبَّه خَلْقه إلى ذلك بقوله: (إنْ تُبدوا خيرا أو تُخفوه أو تعفوا عنْ سوءٍ فإنّ الله كان عَفُوا قديراً) (النساء: 149).
أي: إنْ تقولوا للناس حُسْناً وتُخفوا ذلك، أو تَصفّحوا لمنْ أساء إليكم وتعفوا عنه، فإنَّ الله تعالى لم يَزل يعفو عنكم ويصفح، مع قُدرته على عقابكم؛ والانتقام منكم.
أي: فاعْفوا أنتم أيضاً عن الناس، كما أنَّ الله يَعْفو عنكم ويغفر لكم. وقد حثَّ الله تعالى عباده على العَفْو والصّفح، وقَبول الأعْذار مِنْ رعاياهم؛ وأصدقائهم وأرحامهم؛ مرة بعد مرة.
فمن ذلك قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النور: 22).
وقد نزلت في الصديق رضي الله عنه؛ حين حَلَف ألا يُنفق على مِسْطح وهو من ذَوي رحمه، بعد أنْ خاضَ مع الخَائضين في حديث الإفْك، ونزل القرآن ببراءة الصِّدِّيقة رضي الله عنها.
وقال تعالى: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (البقرة: 237).
وقال: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (الشورى: 40).
وقال سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران: 159). وحثَّ على قبول العفو، فقال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف: 199).
ومَدَح بذلك عباده المؤمنين، فقال: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134).
وقال صلى الله عليه وسلم:” وما زادَ الله عبداً بعفوٍ؛ إلاَّ عِزًّا”.
قال النووي: “وما زادَ الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً “: فيه وجهان:
أحدهما: أنه على ظاهره، وأنّ مَنْ عُرفَ بالعفو والصّفح، سادَ وعَظُم في القلوب، وزاد عِزُّه وإكرامه.
والثاني: إنّ المراد أجْرُه في الآخرة، وعزُّه هناك.

3- تكرّر سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ربّه تعالى العفو والعافية، في أحاديث كثيرة، فمن ذلك: أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أمرَ رجلاً إذا أخذَ مضجعه؛ قال:” اللهمَّ خَلَقتَ نفْسَي وأنتَ تَوفَّاها، لك مَماتها ومحياها، إنْ أحْييتها فاحْفظها، وإنْ أمتَّها فاغفِرْ لها، اللهمَّ إنِّي أسْألكَ العافيةَ” فقال له رجلٌ: أسمعتَ هذا مِنْ عُمر؟ فقال: مِنْ خيرٍ مِنْ عُمر، مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعنه أيضاً: لم يكنْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَعُ هؤلاء الدعوات؛ حين يُصْبحُ؛ وحين يُمسي: “اللَّهمَّ إنِّي أسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ والْعَافِيَةَ في دِينِي وَدُنْيَايَ، وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهمَّ استُرْ عوراتي وآمِنْ روْعاتي، اللهمَّ احْفَظْنِي مِنْ بين يدي ومِنْ خلفي؛ وعن يميني وعن شمالي؛ ومن فوقي؛ وأعوذُ بعَظَمَتكَ أن أُغْتالَ مِن تحْتِي”. قال وكيع: يعني: الخسف.

وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَستعيذ بعفو الله تعالى مِنْ عقوبته وعذابه، كما جاء ذلك في دعائه في صلاة الليل:”اللهمَّ إنِّي أعُوذُ برضَاكَ مِنْ سخَطِكَ، وبِمعافاتِكَ مِنْ عقُوبَتكَ، وأعوذُ بكَ منكَ، لا أُحْصي ثناءً عليكَ؛ أنتَ كما أثنيتَ على نفسكَ “.
وسأله رجلٌ فقال: يا رسول الله ، كيف أقولُ حينَ أسأل ربِّي؟ قال:”قل: اللهمَّ اغْفِرْ لي وارحمْنِي وعافني وارزقْني – ويجمع أصابعه إلا الإبْهام – فإنَّ هؤلاء تجمعُ لكَ دنياكَ وآخرتِكَ”.

4- الفرق بين العفو والمغفرة:
قال في المقصد: (العفوُّ) هو الذي يَمحُو السَّيئات، ويَتَجاوزُ عن المعاصي، وهو قريبٌ مِنَ (الغَفُور) ولكنه أبلغُ منه، فإنّ الغُفران يُنبِئُ عن السِّتْر، والعفْوُ يُنبئُ عن المَحْو، والمحْو أبلغُ مِنَ السّتر.
وقال القرطبي: وقال بعضُ العلماء: والفَرق بين العَفْو والغُفران، أنّ الغُفْران: سِتْرٌ لا يقع معه عِقابٌ، والعفو إنما يكون بعدَ وجود عَذَاب وعِتاب.
وفيه نظر ؟! فإنّ العَفو فيه معنى تركِ العُقُوبة والصَّفح؛كما مرَّ آنفاً، فالفَارق الأول أقْرب. وفي”المفْردات” للراغب: وقولهم في الدُّعاء:” أسْألك العفو والعافية” أي: ترك العقوبة والسلامة.
وقال الخليل بن أحمد: كل مَنْ اسْتحق عقوبةً فتركته ولم تُعاقبه عليها، فقدْ عَفَوتُ عنه عفواً.
حكاه الزجاجي ثم قال: والعَفْو مُتعلقٌ بالمفعول، لا يكون إلا عَنْ مُذنبٍ موجودٍ؛ مُسْتحق للعقوبة، ويجوز أنْ يكون على مَذْهب أهل اللغة؛ العَفْو عن الذَّنْب: إذْهابهُ وإبْطاله، كما يقال: عَفَت الريحُ المنْزِل، أي: محَتْ مَعَالمه؛ ودَرَسَتْ آثاره.
فالعافي عن الذّنب؛ كأنه مُبْطلٌ له مُذْهِب، فإذا عفا عن الذّنب؛ فقد أبْطله وذَهبَ به، فيكون اشتقاقه من هذا.

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي