من كان يصوم صيام قضاء، وأفطر لعذر معين، كأن يكون دعي إلى طعام ، أو لسبب آخر ، فالواجب عليه قضاء ما أفطره دون إثم أو ذنب، فإن أفطر بلا عذر كان خلاف الأولى ، ولا يجب عليه إلا صيام يوم قضاء لليوم الذي أفطره ، وكذلك الحال فيمن أفطر وكان صائما صيام تطوع ، استحب له صيام يوم مكانه ، وقيل بالوجوب ، والاستحباب أظهر وأرجح.

جاء في كتاب نيل الأوطار:

عن أم هانئ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بشراب فشرب , ثم ناولها فشربت , فقالت : يا رسول الله أما إني كنت صائمة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الصائم المتطوع أمير نفسه , إن شاء صام , وإن شاء أفطر “، رواه أحمد والترمذي .

وفي رواية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا , فناولها لتشرب , فقالت : إني صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك , فقال : يعني: ” إن كان قضاء من رمضان فاقض يوما مكانه , وإن كان تطوعا , فإن شئت فاقض , وإن شئت فلا تقض “، رواه أحمد وأبو داود بمعناه .

وعن عائشة قالت: أهدي لحفصة طعام وكنا صائمتين فأفطرنا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله إنا أهديت لنا هدية واشتهيناها فأفطرنا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا عليكما صوما مكانه يوما آخر” ، رواه أبو داود وهذا أمر ندب بدليل قوله : ” لا عليكما ” .

يقول الشوكاني تعليقا على هذه الأحاديث :

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أنه يجوز لمن صام تطوعا أن يفطر لا سيما إذا كان في دعوة إلى طعام أحد من المسلمين . ويدل على أنه يستحب للمتطوع القضاء لذلك اليوم . وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من أهل العلم وحكى الترمذي عن قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا عليه القضاء إذا أفطر , قال : وهو قول مالك بن أنس , واستدلوا بحديث عائشة المذكور , وبحديث أبي سعيد في الباب وأجيب عن ذلك بما في حديث أم هانئ من التخيير , فيجمع بينه وبين حديث عائشة , وأبي سعيد بحمل القضاء على الندب . ويدل على جواز الإفطار وعدم وجوب القضاء حديث أبي جحيفة المتقدم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك ولم يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه . وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .

قال ابن المنير : ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى : { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } محمد:33، إلا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان , وقال ابن عبد البر : من احتج في هذا بقوله تعالى : . { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } فهو جاهل بأقوال أهل العلم , فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال : لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله . وقال آخرون : لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر , ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يفرض الله عليه , ولا أوجب على نفسه بنذر أو غيره لامتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك انتهى ولا يخفى أن الآية عامة الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول , فالصواب ما قال ابن المنير قوله : ( لا عليكما ) فيه دليل على أنه يجوز لمن كان صائما عن قضاء أن يفطر ولا إثم عليه ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هل الصوم قضاء أو تطوع ؟ ويؤيد ذلك قوله في حديث أم هانئ : ” إن كان قضاء من رمضان فاقض يوما مكانه ” قوله : ( يعني ) هذه اللفظة ليست في متن الحديث .انتهى .

وفي الموسوعة الفقهية في بيان مذهب الأحناف في القضاء لمن كان صائما متطوعا :

هل الضيافة عذر أو لا ؟ . قال في الدرالمختار : والضيافة عذر , إن كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد حضوره , ويتأذى بترك الإفطار , فيفطر , وإلا لا , هذا هو الصحيح من المذهب , حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث , أفطر ولو كان صومه قضاء , ولا يحنثه على المعتمد .