ينبغي على المسلم قضاء ما فاته من الصلوات فيقضي ما فاته منها حسب ما يتيسر له ، حتى يغلب على ظنه أنه قد قضى ما عليه من الفوائت، ولا يشترط الترتيب، ولا بد من التوبة الصادقة عن هذا الإثم العظيم .

وهذا تفصيل لفضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – :

إن الصلاة عمود الدين وهي ركن من أركان الإسلام ولا خلاف بين علماء المسلمين في كفر تارك الصلاة جحوداً وإنكاراً لها . وأما تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً فقد اختلف الفقهاء في حكمه :

فيرى الإمام أحمد في أصح الروايات عنه أن تاركها كسلاً وتهاوناً كافر خارج من ملة الإسلام ينبغي قتله إن لم يتب ويرجع إلى الإسلام واحتج الإمام أحمد ومن تبعه على ذلك بأدلة كثيرة منها :
1. قوله سبحانه تعالى :( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ) . ففي هذه الآية إشارة إلى أن الكفار هم الذين لا يصلون.
2. وقال سبحانه وتعـالى :(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) .
3. قوله سبحانه وتعالى :( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) .
4. وقول النبي صلى الله عليه وسلم :( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم .
5. وقولـه صلى الله عليه وسلم :( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه أصحاب السنن الربعة وأحمد وهو حديث صحيح .
6. وما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوماً فقال :( من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهاناً ولا نوراً ولا نجاةً وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف ) ، رواه بن حبان بسند صحيح رواه أحمد ورجال أحمد ثقات كما قال الهيثمي .
وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم كفر تارك الصلاة تهاوناً بل هو فاسق يقتل حداً عند الإمامين مالك والشافعي .
وأما الحنفية فقالوا إنه يحبس ويضرب ضرباً شديداً حتى يصلي ويتوب أو يبقى مسجوناً حتى يموت واحتجوا بأدلة كثيرة منها :
1. قوله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) .
2. قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والمارق من الدين التارك للجماعة » . متفق عليه .
3. عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان العمل ) متفق عليه .
4. عن أنس أيضـاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ومعاذ رديفه على الـرحل :( يا معاذ قال : لبيك يارسول الله وسعديك ثلاثاً فقال صلى الله عليه وسلم : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه على النار ) متفق عليه .
5. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصة من قلبه ) رواه البخاري .
6. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( خمس صلوات افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن وقد أكملهن ولم ينتقصهن استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن جاء بهن قد انتقصهن استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه ) رواه أحمد وابن حبان وهو حديث صحيح . وغير ذلك من الأدلة .
وعلى كل حال فلا يخفى على المسلم إذا امعن النظر أن تارك الصلاة على خطر عظيم بين الكفر والفسق والعياذ بالله .

وقضاء الصلاة لمن تركها تهاوناً وتكاسلاً ، فمن العلماء من يرى أن تارك الصلاة تهاوناً كافر لا يطالب بقضاء ما فاته من الصلوات إذا رجع وتاب لأنه رجع إلى الإسلام من جديد ، وهذا قول الحنابلة .

وأما جمهور الفقهاء : فيرون أن عليه قضاء ما فاته من الصلوات مع كونه آثماً ومذنباً ذنباً عظيماً لتركه لها وتأخيرها عن وقتها فيقضي ما فاته منها حسب ما يتيسر له فلا يشترط الترتيب فيها لأن في ذلك نوعاً من الحرج فيقضي حتى يغلب على ظنه أنه قد قضى ما عليه من الفوائت .
والتوبة الصادقة لا بد لها من شروط ثلاثة :

أولها : الإقلاع عن المعصية فلا توبة مع مباشرة الذنب واستمرار الوقوع في المعصية .

ثانيها : الندم على ما مضى وفات فمن لم يندم على ما صدر عنه من المعاصي والآثام فلا توبة له لأن عدم ندمه يدل على رضاه بما كان منه وإصراره عليه .

ثالثها : أن يعزم على عدم العودة إلى المعصية مستقبلاً وهذا العزم ينبغي أن يكون مؤكداً قوياً وعلى التائب أن يكثر من فعل الخيرات ليكسب الحسنات ( فإن الحسنات يذهبن السيئات ) .