معنى “الحيي” في اللغة:

استحياه واستحيا منه ، بمعنى ، من الحياء .
ويقال استحيت بياء واحدة ، وأصله استحييت مثل : استعييت ، فأعلّوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء ، وقال أبو الحسن الأخفش : استحى بياء واحدة : لغة تميم ، وبياءين لغة أهل الحجاز ، وهو الأصل .
قال الأزهري : والقرآن نزل بهذه اللغة الثانية ، في قوله عزوجل : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ) [ البقرة : 26] .
والحيا مقصور : المطر والخصب .
والحياء ممدود : الاستحياء .
ورجل حييّ ذو حياء ، بوزن فعيل .
وامرأة حييّة .
وعرف الراغب الحياء عند المخلوق بقوله : انقباض النفس عن القبائح وتركه لذلك .

اسم الله “الحيي” في السنة النبوية:

1ــ ورد في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه : أن رسول الله رأى رجلا يغتسل بالبراز بلا إزار ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ” إن الله عزوجل حييّ ستِّير يحب الحياء والسّتر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ” .
2ــ وفي حديث سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ” إن ربكم تبارك وتعالى حييّ كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفرا ” .
وقد ورد بصيغة الفعل في الكتاب العزيز في قوله عزوجل : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) [ البقرة : 26] .
1ــ وفي حديث أبي واقد الليثي أن رسول الله بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأقبل اثنان إلى رسول الله وذهب واحد ، قال : فوقفا على رسول الله فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله قال : ” ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله ، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ” .
2ــ وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : جاءت أم سليم إلى النبي فقالت : يا رسول الله ! إن الله لا يستحي من الحق ، فهل على المرأة من غسل إذا احتملت ؟ فقال رسول الله ” نعم إذا رأت الماء …” .

معنى “الحيي” في حق الله تبارك وتعالى:

قال ابن الجوازي : الحياء بالمد : الانقباض والاحتشام ، غير أن صفات الحق عز وجل لا يطلّع لها على ماهية ، وإنما تمرّ كما جاءت ، وقد قال النبي ” إن ربكم حيي كريم ” .
وقال ابن القيم :
وهو الحييّ فليس يفضح عبده عند التجاهـــر منه با لعصيان
لكنـــه يلقــي عليـــه ستـــــــــــره فهو السّتّير وصاحب الغفران
وقال المباركفوري : قوله : ” إن الله حيي ” فعيل من الحياء ، أي كثير الحياء .
ووصفه تعالى بالحياء يحمل على ما يليق له ، كسائر صفاته ، نؤمن بها ولا نكيفها .
وذكر ” الاستحياء” في صفات الله تعالى شيخ الحرمين : أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في كتابه الذي سماه ’ الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفضول ‘ وكان من أئمة الشافعية ، ونقله إقرارا له شيخ الإسلام ابن تيمية .

من آثار الإيمان باسم الله “الحيي”:

1ــ إثبات صفة الحياء لربنا تبارك وتعالى على ما يليق بجلاله وكماله ، إثباتا من غير تمثيل لها بخلقه .
قال الإمام أبو يعلى الفراء بعد أن ساق الأحاديث الواردة في صفة الحياء : اعلم أنه غير ممتنع وصف الله تعالى بالحياء ، لا على معنى ما يوصف به المخلوقين من الحياء الذي هو انقباض وتغير وخجل لاستحاله كونه جسما متغيرا تحله الحوادث .
لكن نطلق هذه الصفة كما أطلقنا وصفه سبحانه بالإرادة وإن خالفت إرادة المخلوقين ، لأن إرادته تقتضي وجوب المراد ، وإرادتنا لا تقتضي وجوبه .
وكذلك علمه يقتضي العلم بالمعدوم والموجود خلاف علمنا .
وقال الهراس : ورد في السنة وصفه تعالى بالحياء ، كقوله : ” إن الله حيي يستحي من عبده إذا مدّ يديه إليه أن يردهما صفرا ” . وكقوله عليه السلام في شأن النفر الثلاثة الذين وقفوا على مجلسه : ” أما أحدهم فأقبل فأقبل الله عليه ، وأما لآخر فاستحيا فاستحيا الله عز وجل منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عز وجل عنه” .
وحياؤه تعالى وصف يليق به ، ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم ، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته ، وكمال جوده وكرمه ، وعظيم عفوه وحمله .
فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه ، وأضعفه لديه ، ويستعين بنعمه على معصيته ، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه ، يستحي من هتك ستره وفضيحته ، فيستره بما يهيؤه له من أسباب السّتر ، ثم بعد ذلك يعفر عنه ويغفر ، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما : ” إن الله عز وجل يذني المؤمن فيضع عليه كنفه ثم يسأله فيما بينه وبينه : ألم تفعل كذا يوم كذا ؟ حتى إذا قرّره بذنوبه ، وأيقن أنه قد هلك ، قال له : سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم” .
وكذلك يستحي سبحانه من ذي الشيبة في لإسلام أن يعذبه .
ويستحي ممن يدعوه ويمده إليه يديه أن يردهما خاليتين .
وهو من أجل أنه حييّ ستير : يحب أهل الحياء والسّتر من عباده ، فمن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ويكره المجاهرة بالفسوق والإعلان بالفاحشة ، وإن من أمقت الناس عنده من بات على معصية والله يستره ، ثم يصبح فيكشف ستر الله عليه .
وقد توعّد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنو بأن لهم عذابا أليما في الدنيا والآخرة .
وفي الحديث : ” كلّ أمتي معافي إلا المجاهرين ” .

2ــ أول كثير من العلماء صفة الحياء الثابتة له سبحانه في الأحاديث الصحيحة المقدمة : با لترك تارة وبالكراهية تارة ، وبالرحمة تارة ، وعدم الصحيحة المقدمة : بالترك تارة وبالكراهية تارة ، وبالرحمة تارة ، وعدم العقاب والعذاب أخرى ، وكلها من لوازم الحياء .
أــ منهم الحليمي في قوله : ” إنّ الله حييُ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا ” .
قال : ومعناه أنه يكره ! أن يردّ العبد إذا دعاه فسأله ما لا يمتنع في الحكمة إعطاؤه إياه ، وإجابته إليه ، فهو لا يفعل ذلك ، إلا أنه لا يخاف من فعله ذماّ ، كما يخافه الناس فيكفرهون لذلك فعل أمور وترك أمور ، فإنّ الخوف غير جائز عليه .
ب ــ والبيهقي في قوله : ” فاستحيا فستحيا الله منه ” قال : أي جازاه على استحيائه بأن ترك عقوبته على ذنوبه .
جـ ــ والنووي في قوله : ” وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه …” الحديث .
قال : أي رحمه ولم يحذّبه ، بل غفر ذنوبه .
وقيل : جازاه بالثواب .
د ــ والحافظ ابن حجر في الحديث نفسه قال : أي رحمه ولم يعاقبة .
هـ ــ والأقليش إذ يقول : وأما وصف الله تعالى بأنه ” حيي ” فوزنه فعيل من الحياء ، وهذا الوصف في حق الله تعلى متأوّل !!
إذ العبد هو الموصوف بالحياء ، لأنها حالة يجدها العبد في نفسه ، تحمله على إجلال المستحيا منه .
ولما كان الله تعالى متكرّما على سائله ، وقاضيا حوائج داعيه ، لا يردهم بكرمه ، وصف نفسه بالحياء الذي يوصف به من كرمت نفسه ، وكانت له سجية حييه ، فإنه من أوصاف المدح في الخلق ، وكل وصف كان للمخلوق حسنا فلله منه الحظ الأكمل ، وإن كان فيه إيهام فإنه في حقه متأول .
وقد وصف نفسه بأنه يستحي من العبد ، ووصف نفسه بأنه لا يستحيي من الحق ، فحياؤه من عبده يرجع إلى قضاء حاجته ، بصفة كرمه ، وكونه لا يستحيي من الحق يرجع إلى صفة عدله ، القاضية بجريان الحق على أهله ، ولكل صفة مقام ، وكيف ، فكان هذا الوصف من أوصاف الأفعال ، لأنه عبارة عن إظهار كرمه ، وإدرار نعمه.
وــ والسندي قال : ” حيي” بكسر أولى الياءين مخففة ، ورفع الثانية مشددة ، أي : الله تعالى تارك للقبائح ، ساتر للعيوب والفضائح ، يحب الستر من العبد ، ليكون متخلّقا بأخلاقه تعالى !! فهو تعريض للعباد ، وحث لهم على تحري الحياء .
وغيرهم ممن أخطأ في هذا الباب ، عفا الله عنا وعنهم بمنّه وكرمه .

3 ــ ولما كان الله تعالى موصوفا بالحياء ، فإنه يحب أهله والمتّصفين به من عباده ، كما ذكرنا سابقا أنه تعالى عليم يحب العلماء ، كريم يحب الكرماء ، حليم يحب الحلماء ، جميل يحب الجمال .
وقال أبو موسى رضي الله عنه : اللهم إنك مؤمن تحب المؤمن ، ومهيمن تحب المهيمن ، سلام تحب السّلام ، صادق تحب الصادق .
بل قد جعله رسول الهدى شعبة من شعب الإيمان ، ورخصلة من خصال عباد الرحمن .
فقال : ” الإيمان بضع وستون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان ” .
ومر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء ـ وفي رواية : يقول : إنك لتستحي حتى كأنه يقول : قد أضر بك ـ فقال رسول : ” دعه ، فإن الحياء من الإيمان : .
وكان هو من أشد الناس حياء ، كما وصفه أصحابه ، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : كان النبي أشد حياء من العذراء في خدرها ” .
أي أشد حياء من الكبار إذا دخل عليها في خلوتها .
فإن قيل : الحياء من الغرئر ، فكيف جعل شعبة من الإيمان ؟
أجيب بأنه : قد يكون غريزة وقد يكون تخلقا ، ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية ، فهو من الإيمان لهذا . ولو كونه باعثا على فعل الطاعة وحجزا عن فعل المعصية .
ولا يقال : رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير ، لأن ذالك ليس شرعيا .
فإن قيل : لم أفرده با لذكر هنا ؟
أجيب بأنه : كالداعي إلى باقي الشعب ، إذ الحي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة ، فيتأمر وينزجر .

4 ــ اعلم ــ رحمني الله وإياك ــ أن أعظم الحياء ينبغي أن يكون من الله تعالى ، الذي نتقلب في نعمه وإحسانه الليل والنهار ، ولا نستغني عنه طرفة عين ، ونحن تحت سمعه وبصره ، لا يغيب عنه من حالنا وقولنا وفعلنا شيء ، كما قال عز وجل : (وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍۢ وَمَا تَتْلُوا۟ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍۢ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَـٰبٍۢ مُّبِينٍ ) [ يونس : 61] .
وقال بعض السلف : علمت أن الله تعالى مطلع على فاستجييت أن يراني على معصية
وقد أحسن من قال :
وإذا خلـوات بريبــة في ظلمــة والنفس داعية إلى العصيان
فاستحي من نظر الإله وقل لهـا إن الذي خلق الظلام يراني
وحكي عن بعض السلف : خف الله على قدر قدرته عليك ،واستحي منه على قدر قربه منك .
قال الراغب : والذي يستحي منهم الإنسان ثلاثة :
البشر : وهو أكثر ما يستحي منه .
ثم نفسه .
ثم الله عز وجل .
ومن استحيا من الناس ولم يستحي من نفسه ، فنفسه أخس عنده من غيره .
ومن استحيا منهما ولم يستحي من الله عز وجل ، فلعدم معرفته به . فإن الإنسان يستحي ممن يعظمه ويعلمه أنه يراه ، ويسمع نجواه ، ومن لا يعرف الله فكيف يستعظمه ؟ وكيف يعلم أنه مطلع عليه ؟
وقوله : ” استحيوا من الله حق الحياء ” في ضمت حث على معرفته .
وقال عز وجل : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [ العلق : 14 ] تنبيها على أن العبد إذا علم أن ربه يراه استحيا من ارتكاب الذنب .
وسئل الجنيد عما يولد الحياء من الله تعالى ، فقال : رؤية العبد آلآء الله عليه ، ورؤية تقصيره عن شكره .
قال القرطبي : فيجب على كل مكلف أن يستحي من خالقه ، وذلك بأن لا يراه حيث نهاه ، وذلك أن المؤمن يقتضي تعظيم من آمن به ، فينزجر عن القبائح حياء من نظره إليه ، حتى كان بعضهم لا يغتسل إلا وعليه مئزر يستره ، ولا يقوم قائما منتصبا بل يتضام ما استطاع في غسله . وكان موسى عليه السلام حييا ستيرا يغتسل بناحية من قومه .
وروى الترمذي : عن عبد الله بن مسعود قال : رسول الله : ” استحيوا من الله حق الحياء ” قال فقلنا : إنا نستحي والحمد لله ، قال : ” ليس ذالك ! ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ، أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ” .
قال : حديث غريب .
فمن كثر من الله حياؤه انقبضت نفسه عن مجاهرته بالعصيان ، إذ علمه معه في كل مكان فمن عصاه فقد جاهره ، ثم مهما أفشى معصيته في الخلق فعلا وقولا فقد أعظم المجاهرة ، إذ من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله ، ولذلك كان الحياء الغريزي محمودا في العبد لكونه منقبضا به عن مجاهرة الخلق فيما ينكرونه من الفعل .
وفي البخاري عن أبي مسعود قال : النبي : ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ” .
وعن ابن عمر مر النبي على رجل وهو يعاتب في الحياء ، يقول : إنك تستحي حتى كأنه يقول : قد أضر بك ، قال رسول الله ” دعه ! فإن الحياء من الإيمان ” .

5 ــ والوقاحة مذمومة بكل إنسان ، إذ هي انسلاح من الإنسانية .
وحقيقتها : لحاج النفس في تعاطي القبيح .
واشتقاقه : من حفر وقاح ، أي : صلب .
وبهذه المناسبة قال الشاعر :
يا ليت لي من جلد وجهك رقعة فأقــد منها حافــرا للأشهــب
وما أصدق قول الشاعر :
صلابة الوجه لم تغلب على أحد إلا تكامل فيه الشر واجتمـعا .

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي