معنى “الناصر” “النصير” في اللغة:

نَصَرهُ يَنصُرُهُ نَصْراً؛ إذا أعانه على عَدُوِّه. والنَّصيرُ: النَّاصر، والجمع: الأنْصار.

واسْتَنصَرهُ على عدوِّه، أي: سأله أنْ ينصُره عليه.

وانْتصر منه: انتقم. وقال الراغب: النَّصْرُ والنُّصرة: العَوْنُ.

اسم الله “الناصر” و”النصير” في القرآن الكريم:

ورد اسمه (النَّاصر) مرة واحدة بصيغة الجمع، في قوله تعالى: (بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) (آل عمران: 150).

أما اسمه (النَّصير) فقد ورد أربع مرات، هي:

قوله تعالى: (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الأنفال: 40).

وقوله تعالى: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً) (النساء: 45).

وقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78).

وقوله تعالى: (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً) (الفرقان: 31).

معنى “الناصر” و”النصير” في حق الله تبارك وتعالى:

قال ابن جرير: (بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ) وليُّكم وناصركم؛ على أعْدَائه الذين كفروا (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) لا مَنْ فررتم إليه؛ مِنَ اليهود وأهل الكفر بالله !! فبالله الذي هو ناصِركم ومولاكُمْ فاعْتصِموا، وإياه فاسْتنصروا، دون غيره ممن يَبْغيكم الغوائل، ويرصدكم بالمكاره. وقال في قوله: (وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً): وحَسبكم بالله ناصراً لكم على أعدائِكم؛ وأعداء دينكم، وعلى من بغاكم الغَوائل، وبَغَى دينكم العِوج. وقال: (وَنِعْمَ النَّصِيرُ): وهو النَّاصر. وقال: (نَصِيراً) يقول: ناصراً لك على أعدائك، يقول: فلا يَهُولَنَّكَ أعْداؤك مِنَ المشركين، فإني ناصرُك عليهم فاصْبر لأمْري، وامْضِ لتبليغ رسَالتي إليهم.

وقال الحليمي: (النّاصر) هو المُيَسِّرُ للغلبة. و(النَّصير): وهو الموثوقُ منه؛ بأنْ لا يُسلم وليَّه؛ ولا يَخْذله.

وقال القرطبي: وله معانٍ منها: العَوْن، يقال: نَصَره الله على عَدُوه؛ يَنْصره نصراً، فهو ناصرٌ ونصير للمبالغة، والاسم: النُّصْرة، والنَّصير: النَّاصر.

وقال الأصْبهاني:”النَّصير والنَّاصر” بمعنى، ومعناه: ينصرُ المؤمنين على أعْدائهم، ويُثبِّتُ أقْدَامهم عند لقاء عَدُوهم، ويُلقي الرُّعبَ في قلوب عدوهم.

وقال ابن كثير: (فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ): يعني نِعْم الولي، ونعم النَّاصر مِنَ الأعداء.

من آثار الإيمان باسم الله “الناصر” و”النصير”:

1- إنَّ الله تعالى هو (النَّصير) الذي يَنْصر رُسَله وأنبياءه؛ وأتباعهم مِنَ المؤمنين، وأنه تعالى مَصْدر النّصْر الحقيقي، فالمنْصور: مَنْ نصَرَه، والمَخْذول المهزوم: مَنْ خَذَله.

قال القرطبي: فيجبُ على كلِّ مُكلف، أنْ يعتقد أنَّ النَّصر على الإطلاق إنما هو لله تعالى، كما قال: (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران: 16). وأنَّ الخُذلان منه. ولا يجوز أنْ يُقال منها: خَاذل، لأنه لم يَرِد به إذنٌ. والنَّصْرُ يَسْتدعي ناصراً ومَنْصُوراً ومنصُوراً عليه، فتأييد اللهُ أولياءه المؤمنين بالملائكة؛ نصرٌ لهم على أعْدَائهم، كما نصرَ نبيه عليه السلام وصحبه يوم بدر بالملائكة، فيكون المَلَكُ على هذا منصوراً على أعداء المؤمنين، وأعداءُ المؤمنين أعداءٌ لله ولملائكته، وقد يكون نصرُ الله للمَلكِ عونه على عبادته وطاعته، إذْ ليس له عدوٌ في مقابلته؛ لأنه نورٌ كلُّه؛ فلا ظُلمة تجاذبُه ! فهذه النُّصْرة لا تَسْتدعي منصوراً عليه، والإنْسَان يُجاذبه عدُوه: إبليس والهوى، فإذا نَصَره الله نَصْراً باطناً؛ فعلى هؤلاء يَنْصره، وإذا نَصَره نصْراً ظاهراً؛ فَيَنصره على أعْدائه الكافرين، وجميع الظالمين، فإنْ أصابَ فهل يعي هذا المسلمون!! فيتركوا الالتجاء إلى الشرق والغرب – طلباً للنصر والقوة والعزة – ويلجاؤوا إلى المولى النصير سبحانه وتعالى، ويصطلحوا معه بدلاً من الاصْطلاح مع أعدائه؟!! الظَّفر بالعدو الظاهر؛ فهو المنصور، وإنْ ثبتَ على دين الله وصبر؛ فكان للكافر الظفر؛ فالمؤمن أيضاً مَنْصور، لأنَّ صبره على قتال عدوه؛ وثبات نفسه في دفع الهوى – الذي مِنْ طبعه الخِذلان – هو النصر، إلا أنَّ هذا نصرٌ باطنٌ، وثوابٌ عليه قائم، وقد حصلَ له النَّصر مِنَ الله على عدوه إبليس؛ الذي يَرومُ خذلان الإنسان.

2- فهذه نُصْرة الله لعباده، أما نُصرة العبد لربِّه؛ فهي: عبادته والقيام بحقوقه، ورعاية عُهُوده، واجتناب نهيه، قال تعالى: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).

قال القرطبي: فإنْ قيل:كيف قال تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) والنَّصر هو العَون، والله سبحانه لا يجوز عونه قولاً؛ ولا يُتصوَّر فعلاً ؟ فالجواب: من أوجه:

أحدها: إنْ تَنْصُروا دينَ الله بالجهاد عنه، يَنصركم.

الثاني: إنْ تَنْصروا أولياءَ اللهِ بالدعاء.

الثالث: إنْ تَنْصروا نبيَّ الله، وأضافَ النصرَ إلى الله؛ تشريفاً للنبي صلى الله عليه وسلم وأوليائه وللدّين، كما قال تعالى: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً) (البقرة: 245) فأضافَ القَرضَ إليه؛ تسليةً للفقير. وجاء فعلُ “النَّصر” في مواضعَ كثيرة – صفات الأفعال – مضافاً إلى مَنْ خَصَّهُ اللهُ بالنُّصرةِ؛ وهم: الملائكة والمؤمنون لا غير، فإنَّ حقيقة النَّصر: المعونة بطريق التَّولّي والمحبة، والمعونة على الشر لا تُسمى نَصْراً، ولذلك لا يقال في الكافر إذا ظَفرَ بالمؤمن: إنه منصورٌ عليه، بل يقال: هو مُسَلَّطٌ عليه، ومنه قوله تعالى: ( ولَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) (النساء: 90).

وقوله صلى الله عليه وسلم إذْ ذكر أئمَّة الجَوْر في آخر الزمان”وينْصرُّون على ذلك”، أراد أنهم ينْصرون على الكافرين، ويكون نصرُ الله تعالى لدينه راجعاً له، وإبْقاءً لكلمته، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله يُؤيّدُ هذا الدِّينَ؛ بالرَّجُل الفَاجر”.

ولو وردت لفظة”النَّصر” للكافر، لكان معناه: التَّسليط؛ والعون البشري، وإنما حقيقة النَّصر؛ ما ذكرناه أولاً. وقال الأصبهاني: فينبغي لكلِّ أحدٍ إذا رأى معروفاً أن يأمرَ به، وإذا رأى منكراً أنْ ينهى عنه، ويعتقد أنَّ الله يَنْصره، قال تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) (محمد: 7) .

وكلُّ مَنْ يريد بقوله وعمله رضا الله ، ينصره الله ويُعينه، فينبغي إذا رأى مُنْكراً أنْ يُغيره بيده إنْ قوِي، وإلا بلسانه إنْ ضَعُفَ، فإنْ عجزَ عن الأمرين أنْكر بقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان.

والله تعالى قادرٌ على نصرة دينه، فإنه نصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزَمَ الأحزاب وحده، فإنه القوي القادر على كل شيء، ولكنه ابتلى عباده بذلك، ليظهر من ينصر دينه وشرعه ممن يتولى عن نصرته، قال سبحانه: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) (محمد: 4). وقال: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ) (التوبة: 40).

3- أوْضَح الله تعالى لعباده: أنه لا ناصرَ لهم دُونه، ولا معينَ لهم سواه، وذلك في آياتٍ كثيرة، لتتوجه قلوبُهم له، وأكفُّهم بالضَّراعة إليه. قال سبحانه: (ومَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) (البقرة: 107)، وقد تكرّرت في القرآن تأكيداً لهذا المعنى. وقال سبحانه: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ) (الملك: 20). وقال: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126).

وأيقن بذلك عباده المؤمنون؛ فقال نوحٌ عليه السلام لقومه، حين عابوا عليه اتباع الفقراء والضُّعفاء لدَعْوته، وأمروه بطردهم: (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) (هود: 30).

وقال صالح عليه السلام: (فمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ) (هود: 63).

وقال الرجل المؤمن مِنْ قوم فرعون، مُذكِّراً قومه بعاقبة كُفْرهم، وإعْراضهم عن الإيمان بالله ورسوله: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا) (غافر: 29).

وقال تعالى عن قوم نوح عليه السلام: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً) (نوح: 25).

ولما خَسَف الله تعالى بقارون؛ المخْتَال الفَخُور الكفور، قال: (فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) (القصص: 81). وكذا لمّا أحاطَ الله عزّ وجل بمال الرجل؛ الذي كَفَر بربّه وبالبعث، وأتلفَ بستانه (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) (الكهف: 42). ثم قال تعالى: (وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً) (الكهف: 43).

4- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غَزَا قال: “اللهمَّ أنتَ عَضُدِي ونصيري، بكَ أحولُ، وبكَ أَصُولُ، وبكَ أُقاتلُ”. قال الترمذي: قوله:”عَضُدي”: يعني عَوني. وقال الخطابي: قوله” أحُولُ” معناه أحْتَال. وقال ابن الأنباري: “الحَوْل” معناه في كلام العرب: الحِيلة، يقال: ما للرجل حولٌ؛ وما له مَحالة، قال: ومنه قولك: لا حَولَ ولا قوةَ إلا بالله، أي: لا حيلةَ في دَفْع سُوءٍ، ولا قوةَ في دَرْك خيرٍ ؛ إلا بالله. وفيه وجهٌ آخر: وهو أنْ يكونَ معناه: المنْعُ والدَّفْع، مِنْ قولك: حالَ بين الشَّيئين، إذا منَعَ أحدهما عن الآخر، يقول: لا أمْنَع، ولا أدْفع إلا بك.

5- وكان يقولُ في دُعائه صلى الله عليه وسلم: “لا إله إلا اللهُ وحْده، أعزَّ جُنْده، ونَصَرَ عبْده، وغَلبَ الأحْزابَ وحدَه، فلا شيءَ بعده”. ولما ثَقُلت على أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شروط”الحُدَيْبية”؛ قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: فأتيتُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم؛ فقلتُ: ألسْتَ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قلتُ: ألسْنا على الحقِّ؛ وعدُونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنيَّة في دِيننا إذاً ؟! قال: “إنِّي رسولُ الله، ولسْتُ أعْصِيه، وهو نَاصِري…”.

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.