معنى “الرؤوف” في اللغة:

الرَّأفة: أشدُّ الرَّحمة.
وقال الزجاج: يُقال إنّ الرأفة والرَّحمة واحدٌ، وقد فرَّقوا بينهما أيضاً، وذلك أنَّ الرأفةَ هي المنزلةُ الثانية، يقال: فلانٌ رَحِيم، فإذا اشتدَّت رحمته، فهو رَؤُوفٌ.

اسم الله “الرؤوف” في القرآن الكريم:

ورد الاسمُ عشرَ مرات في كتاب الله تعالى، منها:
قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 143).
وقوله تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) (آل عمران: 30).
وقوله: (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (النحل: 7).
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحج: 65).
وقوله: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحديد: 9).

من آثار الإيمان باسم الله “الرؤوف”:

قال ابن جرير: (إنَّ الله بالنَّاس لَرءُوف رَّحيمِ): إنَّ اللهَ بجميعِ عبِادِه ذُو رأفة، والرأفة أعْلى معاني الرحمة، وهي عامةٌ لجميع الخلق في الدنيا، ولبعضهم في الآخرة.
وقال الخطابي: (الرَّؤوف) هو الرَّحيم العاطِفُ برأفته على عباده. وقال بعضهم: الرأفةُ أبلغُ الرَّحْمة وأرقُّها.
ويقال: إنّ الرأفة أخَصُّ، والرَّحمة أعمُّ، وقد تكون الرحمة في الكراهة للمَصْلحة، ولا تكادُ الرأفة تكون في الكراهة، فهذا موضعُ الفرق بينهما.
وقال الحليمي: (الرؤوف) ومعناه المتساهل على عباده، لأنَّه لم يُحملهم مالا يُطيقون، بل حمَّلهم أقل مما يُطيقون بدرجات كثيرة. ومع ذلك غلَّظ فرائضه في حال شدَّة القوة، وخفَّفها في حال الضعف ونقصان القوة، وأخذ المُقيم بما لم يأخذْ به المسافر، والصحيح بما لم يأخذ به المريض. وهذا كله رأفة ورحمة.
* الفرق بين الرأفة والرحمة:

قال أبو عبيدة: (رؤوف) فَعُولٌ مِنَ الرأفة؛ وهي أرقُّ الرَّحمة. تقدّم في هذا كلام ابن جرير والزَّجاج والخطابي؛ أنهم ذكروا فُروقاً بينهما.
وقال في”المقصد”: (الرؤوف) ذو الرأفة، والرأفة: شِدَّة الرّحمة، فهو بمعنى الرَّحيم مع المبالغة.
وجاء في”الأسْنى” للقرطبي: إنَّ الرأفة نِعْمة مُلذَّةٌ مِنْ جميع الوُجوه، والرّحمة قد تكون مُؤلمة في الحال، ويكون في عُقْباها لذَّة.
ولذلك قال: (ولَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) (النور: 2) ولم يقل: رَحْمة، فإنَّ ضَرْب العُصَاة على عِصْيانهم رَحمةٌ لهم؛ لا رأفة، فإنَّ صِفَةَ الرأفة إذا انْسَدلت على مَخلوق؛ لم يَلْحقه مَكروه.
فلذلك تقول؛ لمنْ أصَابه بلاءٌ في الدنيا، وفي ضِمْنه خيرٌ في الأخرى: إنَّ الله قدْ رحِمه بهذا البَلاء.
وتقول لمنْ أصابَه عافيةٌ في الدنيا، في ضِمْنها خيرٌ في الأخْرى؛ واتَّصلت له العافية أولاً وآخِراً، وظاهراً وباطناً: إنَّ الله قد رَأَفَ به.
فيتحصّل في التَّفريق بين الرأفة والرحمة:
أ ـ أنَّ الرأفة أشدُّ الرّحمة وأبلغها.
ب ـ أنَّ الرأفة أعمّ مِنَ الرّحمة، إذْ الرّحمة قد تكون بِشيءٍ مَكروه، أو عقيبَ بلاء، والرأفة خيرٌ منْ كلِّ وجه

1- إثباتُ وَصْفُ الله تعالى بالرأفة؛ وهي أشَدُّ الرَّحمة، ومِنْ مظاهر تلك الرأفة:
أ ـ أنه لا يُضيع لعباده طاعةً أطاعوه بها؛ فلا يُثِيبهم عليها: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 143). وقد نزلت لبيان أنَّ مَنْ صَلَّى إلى”بيتِ المقدس” قبل تحويل القبلة؛ صلاته تلك؛ لم يضعْ أجرها وثوابها عند الله تعالى؛ وكذا صلاة مَنْ مات قبل تحويل القبلة.
ب ـ أنه حّذَّرنا نفْسَه سبحانه وتعالى، وخَوّفنا مِنْ عُقُوبته وعَذابه، ونهانا عَنْ معصيته، قبل أنْ يلقاه العبدُ يوم القيامة، ليَسْتعدَّ للقائه، ويتجنَّب سَخَطه وغضبه؛ قال عز وجل: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) (آل عمران: 30).
ومِنْ أجل ذلك: أرْسلَ رُسُله؛ وأنزلَ كُتَبه التي تُبيّن شَرْعه، لينقذَ الناسَ مِنْ ظُلُمات الشِّرك والجاهلية؛ إلى نُوُر التوحيد والهداية؛ كما قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحديد: 9). فمِنْ رحمته ورأفته؛ فَعَلَ ذلك.
جـ ـ أنه سُبحانه يَقْبل تَوبات التَّائبين، ولا يرُدُّ عن بابه العَاصين المُنِيبين، مَهْما كثُرتْ سيئاتُهم، وتعاظمت خَطيئاتهم؛ قال تعالى: (ثمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 117).
د ـ تَسْخيره لما في السَّموات وما في الأرْض؛ لمصلحةِ الإنْسان ومَنْفعته، وخَلْقه الأنْعَام ليَركبَ على ظَهْرها؛ فتحمله المسافات الشّاسعة، هو ومتاعه وزاده، ولولا ذلك لأصَابه الجهدُ العظيم؛ والمشقةُ البالغة؛ قال سبحانه: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (النحل: 7).
وتأمَّل هذه الآيات التي تَلَت الآية السابقة؛ وما فيها مِنْ مظاهر رأفة (الرؤوف الرحيم)سبحانه وتعالى:
قال جلّ شأنه: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النحل: 8 – 18).

2- سمَّى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الاسْم؛ في قوله: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128).
ومعنى (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) أي: يشقّ عليه الأمر الذي يَشقّ عليكم (حَرِيصٌ عَلَيْكُم) فيُحبُّ لكم الخير، ويَسعى جُهده في إيصاله إليكم، ويَحرص على هِدَايتكم إلى الإيمان، ويَكره لكم الشرَّ، ويسعى جُهده في تنفيركم عنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) أي: شديد الرَّأفة والرحمة بهم، أرْحمُ بهم من والديهم، ولهذا كان حقّه مقدماً على سائر حُقُوق الخَلق، وواجبٌ على الأمة الإيمان به؛ وتعظيمه وتَوْقيره وتَعْزيره.
وكان مِنْ رأفته صلى الله عليه وسلم بأمّته أنه: ما خُيِّر بينَ أمرين؛ إلا اختارَ أيْسرهما؛ ما لم يكنْ إثماً، فإنْ كان إثْماً ؛كان أبعدَ الناسِ منه، وما انْتَقم لنفسه؛ إلا أنْ تنْتهك حُرْمة الله عز وجل.
وكان يدخل في الصّلاة؛ وهو يُريد أنْ يُطوِّل فيها، فيَسْمع بُكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته، كراهية أنْ يشقَّ على أُمّه.

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي