معنى “السلام” في اللغة:

السَّلامُ والسلامة: البراءة، وتسلَّم منه: تبرأ. وقوله تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) (الفرقان: 63) معناه: تسلّماً وبراءة، والسَّلام في الأصل: السَّلامة، يقال: سَلِمَ يَسْلَم سَلاماً وسَلامةً. ومنه قيل للجنَّة: دارُ السَّلام، لأنها دارُ السَّلامة مِنَ الآفات.

وقوله عزّ وجل: (وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) (طه: 47) معناه: أنّ مَن اتبع هُدَى الله، سَلِمَ مِنْ عَذَابه وسَخطه.

وقال الرازي: وأيضاً: الصواب مِنَ القول سُمِّي: سلاماً، قال تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) وذلك لسلامته من العَيْب والإثم. وإذا قال المُسْلم للمُسلم: السلامُ عليكم، فكأنه يُخْبره بالسَّلامة مِنْ جانبه، ويُؤمنه من شرّه وغائلته؛ وأنه سلْمٌ له لا حَربٌ عليه.

اسم الله “السلام” في القرآن الكريم:

ورد مرةً واحدة: في قوله تعالى: (المَلِك القُدُّوس السَّلام المُؤمن…) (الحشر: 23).

معنى “السلام” في حق الله تبارك وتعالى:

قال ابن كثير: السَّلام: أي مِنْ جميع العُيوب والنَّقائص، لكمَاله في ذاته وصفاته وأفعاله.

وقال البيهقي: السَّلام: هو الذي سَلِم مِنْ كلّ عيبٍ، وبَرِئ مِنْ كلّ آفةٍ، وهذه صفةٌ يستحقُّها بذاته. وقيل: هو الذي سَلِم المُؤْمنون مِنْ عُقوبته.

وقال ابن العربي: قوله: اتفقّ العُلماء رحمة الله عليهم: على أنَّ معنى قولنا في الله:” السَّلام” النِّسبة، تقديره: ذُو السلامة، ثم اخْتلفوا في ترجمة النِّسبة؛ على ثلاثة أقوال:

الأول: معناه الذي سَلِم مِنْ كلّ عيبٍ؛ وبَرِيء مِنْ كلّ نقصٍ.

الثاني: معناه ذُو السَّلام، أي: المُسلّم على عباده في الجَنة، كما قال: (سلامٌ قولاً من رَبٍ رحيم) (يس: 58).

الثالث: أنّ معناه: الذي سَلِم الخَلْق مِنْ ظلمه.

وقال ابن القيم في”النُّونية”: وهُو السّلامُ على الحَقِيقةِ؛ سَالمٌ منْ كلِّ تَمْثيلٍ ومِنْ نُقصان.

من آثار الإيمان باسم الله “السلام”:

1-اللهُ سبحانه وتعالى هو”السَّلام” أيّ: السَّالم من كلّ نقصٍ وآفةٍ وعيبٍ، فمعناه قريب من القُدُوس. وقيل: إنّ القُدوس: إشارة إلى برائته عن جميع العيوب؛ في الماضي والحاضر، والسلام: إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيءٌ من العُيوب في الزمان المُستقبل، فإنَّ الذي يَطرأ عليه شيءٌ من العُيوب؛ تَزولُ سَلَامته؛ ولا يَبْقى سَليماً.

2- الله سبحانه هو المُسَلِّم على عباده وأوليائه في الجنّة، قال تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) (إبراهيم: 23). وقال سبحانه: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) (الأحزاب: 44). وقال: (سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) (يس: 58). فالله تعالى يُحَيي عباده في الجنّة؛ بالسّلام عليهم، والجنّة هي دارُ السَّلام، والسّلامة من المَوْت والمَرَض وسائر الآفات. قال تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ) (الأنعام: 127). وقال: (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ) (يونس: 25).

3- والله تعالى هو المُسَلِّم على أنبيائه ورُسله، لإيمانهم وإحْسَانهم وطَاعتِهم له، وتَحمّلهم في سبيله أعظمَ الشّدائد، فيُؤمّنهم في الآخرة؛ فلا يَخَافون ولا يَفْزعون. وقيل: سَلّم الله تعالى عليهم؛ ليَقتدي بذلك البَشَر، فلا يَذْكرهم أَحَدٌ بسُوء. قال تعالى: (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) (الصافات: 79). قال: (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الصافات: 109). وقال: (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) (الصافات: 120). وقال: (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) (الصافات: 130). وقال: (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (الصافات: 181). وقال سبحانه: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (النمل: 59). وكذا عباده المُؤمنين، فإنَّ المَلائكة تُسلِّم عليهم عندَ قَبْضِ أرْواحهم؛ وتطمئنهم وتُؤمِّنهم. قال تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل: 32). فالمَلائكة تُبشّرهم بالفوز بالجَنّة، والنَّجَاة مِن عِقَاب الله والنار.

4- الأمر بإفْشَاء هذا الاسْم؛ وأنه سَبَبٌ في دخول الجنة: وقد ورد الأمر بإفْشاء السّلام بين المسلمين، كما جاء في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تدخلون الجَنّة حتى تُؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ على شيءٍ؛ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفْشُوا السّلام بينكم”. قال النووي:” وفيه الحثُّ العظيم على إفشاء السّلام، وبذْله للمُسلمين كلّهم، مَنْ عرفت؛ ومَنْ لم تَعرف”. وقال: والسّلام أولُ أسباب التآلف، ومفتاح اسْتجلاب المودّة، وفي إفشائه تمكُّن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المُميّز لهم؛ عنْ غيرهم من أهلِ الملل، مع ما فيه من رياضة النّفس، ولزوم التواضع، وإعظام حُرمات المُسلمين” اهـ. وإفشاء السّلام؛ من شعائر الإسلام العظيمة، التي يتهاون فيها كثيرٌ من المسلمين؛ وهي من أوائل ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم عند ما وَصل إلى المدينة، فعنْ عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: أولُ ما قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ انْجَفل الناس إليه، فكنتُ فيمن جاءه، فلما تأمّلتُ وجْهه واسْتَثبته؛ علمتُ أنّ وجْهه ليسَ بوَجْه كذَّاب. قال: وكان أول ما سمعتُ مِنْ كلامه؛ أنْ قال:” أيُّها الناسُ، أفْشُوا السَّلام، وأطْعِموا الطَّعام، وصَلُّوا بالليل والناسُ نيامٌ، تَدْخُلوا الجَنَّة بسَلام”.

5- لا يُقال: السَّلام على الله: جاءَ ذلك في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نُصَلّي خلفَ النّبي صلى الله عليه وسلم فنقول: السَّلام على الله! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:” إنَّ اللهَ هُو السَّلامُ، ولكنْ قُولوا: التَّحيّاتُ لله والصَّلواتُ والطّيباتُ، السَّلامُ عليكَ أيُّها النَّبيُّ ورحمةُ الله وبركاته، السَّلامُ علينا؛ وعلى عبادِ الله الصَّالحين، أشْهدُ أنْ لا إله إلا الله؛ وأشْهدُ أنَّ مُحَمداً عبده ورسوله”. قال البيضاوي ما حاصله: أنّه صلى الله عليه وسلم أنْكرَ التَّسليمَ على الله، وبيّن أنّ ذلك عكس ما يجبُ أنْ يُقال، فإنّ كلَّ سلامٍ ورَحْمةٍ له ومنْه، وهو مَالكها ومُعْطيها. وقال الخطابي: المراد أنّ اللهَ هو ذُو السّلام، فلا تَقُولوا: السّلامُ على الله، فإنّ السّلامَ منه بدأ؛ وإليه يَعُود. ولذلك أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المُسْلمين أنْ يقُولوا: التَّحياتُ لله. قال ابنُ حجر: التَّحيات جمعُ تحية؛ ومعناها السّلام. وقيل: البقاء. وقيل: العَظمة. وقيل: السَّلامة مِنَ الآفات والنّقص. وقيل: المُلك. وقال ابن قتيبة: لم يكنْ يُحيّا إلا المَلِك خاصة، وكان لكلّ ملكٍ تحية تخصّه؛ فلهذا جُمعت، فكان المعنى: التحياتُ التي كانوا يُسلّمون بها على المُلُوك؛ كلها مُسْتحقةٌ لله. وقال المحبُّ الطبري: يحتمل أنْ يكونَ لفظ التحية مشتركاً بين المعاني المقدّم ذكرها، وكونها بمعنى السَّلام؛ أنسبُ هنا. – وجاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال جبريلُ للنبي صلى الله عليه وسلم إنّ اللهَ يُقرئ خديجةَ السلام، يعني فأخبرها. قالت: إنَّ اللهَ هو السَّلام، وعلى جبريل السَّلام، وعليك يا رسول الله؛ السلامُ ورحمة الله وبركاته. قال العلماء: في هذه القصة دليلٌ على وُفُور فِقْهها، لأنها لم تَقل:” وعليه السّلام” كما وقع لبعض الصحابة، حيث كانوا يقولون في التَّشهد:”السلامُ على الله”! فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعرفتْ خديجةُ رضي الله عنها؛ لصحّة فهمها، أنَّ الله لا يُردُّ عليه السّلام؛ كما يُرد على المَخْلوقين، لأنَّ السَّلام اسمٌ مِنْ أسْماء الله تعالى. فتأمل !

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.