معنى “القدوس” في اللغة :

وله معنيان في اللغـة:
الأول: أنَّ”القُدُوس” فعول من القُدس؛ وهو الطَّهارة، وجاء في التنزيل: (نحن نسّبحُ بِحْمدك ونقدّس لك) (البقرة: 30).
قال الزجاج: معنى (نقدّسُ لك) أي: نطهِّر أنفْسَنا لك.
ولهذا قيل: بيت المقْدس، أي: البيت المُطهّر، أو المَكان الذي يُتطهَّر به من الذّنوب.
والمعنى الثاني: أنّ القُدْس: البركة، والأرض المقدّسة أي: المُباركة، ويقويه أنّ الله تعالى قد بيّن أنّ الأرضَ المقدَّسة مباركة، وذلك في قوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (الإسراء: 1).
وقوله سبحانه: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 71). وهي الأرض المقدَّسة.

معنى “القدوس” في حقّ الله تبارك وتعالى:

قال قتادة: القدُّوس أي: المُبَارك.

وقال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (البقرة: 30):”ونحن نُسبِّح بحمْدك: ننزّهك ونبرّئك؛ مما يُضيفه إليك أهلُ الشّرك بك؛ ونصلّي لك، ونقدّس لك: نَنْسبك إلى ما هو مِنْ صِفاتك؛ من الطّهارة من الأدْناس، وما أضافَ إليك؛ أهلُ الكفر بك” اهـ

وقال البيـهقي:”القُدُوس” هو الطّاهر من العُيوب، المنزّه عن الأولاد والأنْداد، وهذه صفةٌ يَسْتحقّها بذاته. وقال ابن كثير في معنى القُدوس: أي المُنزّه عن النَّقائص؛ المَوصوف بصفاتِ الكمال. وبنحوه قال الشوكاني.

من آثار الإيمان باسم الله “القدوس”:

1- تَقْديس اللهِ سُبحانه وتنزيهه عن النَّقائص؛ وأنه مَوصوف بكلِّ كمال، وصفات الكمال هي ما وَصَفَ به نفسَه سبحانه في كتابه؛ أو ما وَصَفه به رسولُه صلى الله عليه وسلم. وليس معنى التَّنـْزيه؛ هو تعطيلُ صفات الله؛ ونَفْي معاني أسْمائه الحُسنى، كما ظنّه الجهمية والمعتزلة؛ ومن شابههم من الفِرق الضالة !! التي حرّفت كلام الله؟! وإنّما هو تَنْزيهه عن مُشابهة الخَلْق، كما قال تعالى: (ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى: 11). فتنزيه أهلُ السُّنة ليس فيه تعطيلٌ، وإثباتهم ليس فيه تَشبيهٌ، والآية السابقة فيها تنزيهٌ وإثبات، وكل تنزيهٍ ونفيٍ في الكتاب، فإنما هو لثُبُوت كمالِ ضدّه، فمثلاً نَفَى اللهُ عنْ نفسه الظُّلم؛ بقوله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (فصلت: 46) وذلك لثبُوت كمال العَدْل له سبحانه؛ ونَفَى عن نفسه السِّنة والنَّوم؛ فقال: (لا تأخذُه سِنةٌ ولا نومٌ) البقرة: 255. لكمالِ حَياته وقَيّوميته. وهكذا.
وأما النَّفي المَحْض فلا كمالَ فيه، وهو مَذْمومٌ.

2- وكما أنه مُنزهٌ عن النَّقائص في صفاته وأسْمائه الحُسْنى، فهو أيضاً مُنزهٌ عن النَّقص في أقواله وأفعاله.
فقوله الصّدْق، وخَبَره الحَقُّ، قال سبحانه: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً) (النساء:87).
وقال: (وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) (النساء: 122). وفعله منزهٌ عن الخَطأ والنِّسيان وغيرهما من الآفات، قال سبحانه: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنعام: 115). أي: صِدْقاً فيما قالَ وأخْبر ووَعد، وعدلاً فيما حَكَمَ وشَرَع مِنْ أحْكام. وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون: 115- 116). أي: تعالى وتقدّس وتنزه؛ عن أنْ يَخْلق شَيئاً عبثاً؛ أو سَفهاً.

3- وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكثر مِنْ ذِكْر هذا الاسْم؛ في ركُوعه وسُجوده.
فعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يقولُ في رُكوعه وسُجوده:”سبُّوحٌ قُدُوس؛ ربُّ المَلائكة والرُّوح”. وكان يُسبح الله به بعد فراغه مِنَ الوتر، كما جاء في حديث أُبَي بن كعب رضي الله عنه قال:” كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرأ في الوُتر: بــ: (سبّح اسم ربك الأعلى)، و(قلْ يا أيها الكافرون)، و(قلْ هُو اللهُ أَحَد)، فإذا سلَّم قال: سُبْحان المَلِك القُدُوس؛ ثلاث مرات”.

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.