معنى “المقيت” في اللغة: قال الزجاج: قال أهل اللغة: إن المُقيتَ المقتدر على الشيء. وكذا قال الزجاجي. وفي اللسان: قال الزجاج: إن”المقيت” بمعنى الحَافظ والحفيظ، لأنه مشتقٌ من القوت، أي: مأخوذ من قولهم: قتُّ الرجل أقوته، إذا حفظتَ نفسه بما يقوته، والقُوت: اسم الشيء الذي يحفظ نفسه. اسم الله “المقيت” في القرآن الكريم: ورد مرةً واحدة في قوله تعالى: (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً) (النساء: 85). معنى “المقيت” في حق الله تبارك وتعالى: قال ابن جرير رحمه الله: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً) (النساء: 85). فقال بعضهم تأويله: وكان الله على كلِّ شيء حفيظاً وشهيداً. وقال آخرون: معنى ذلك: القائم على كلّ شيء بالتدبير. وقال آخرون: هو القدير. ثم قال: والصواب من هذه الأقوال، قول مَنْ قال: معنى المقيت، القدير، وذلك أنّ ذلك فيما يذكر كذلك بلغة قريش. وقد قيل: إن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم:” كفى بالمرء إثماً؛ أنْ يُضيّع مَنْ يَقِيت”، وفي رواية من رواها”يقيت” يعني: من هو تحت يديه، وفي سلطانه من أهله وعياله، فيقدر له قوته، يقال منه: أقات فلان الشيء يقيته إقاتةً، وقاته يقوته قياتةً، والقوت الاسم . واختار أن معنى”المقيت”: القدير، الفرّاء ، والخطابي ، وابن قتيبة ، والكسائي . وقال ابن العربي: وعلى القول بأنه” القادر” يكون من صفات الذات. وإنْ قلنا: إنه اسم للذي يُعطي القوت؛ فهو اسمٌ للوهَّاب والرزاق، ويكون من صفات الأفعال اهـ . وقال القرطبي بعد أنْ ذكر المعنى اللغوي: فالمعنى أنّ الله تعالى يُعطي كلّ إنسان وحيوان قوته؛ على ممر الأوقات، شيئاً بعد شيء، فهو يُمدها في كلّ وقتٍ بما جعله قواماً لها، إلى أنْ يُريد إبطال شيء منها فيحبس عنه ما جعله مادةً لبقائه فيهلك. اهـ . وقال في التفسير: وقال أبو عبيدة: المقيت الحافظ. وقال النحاس: وقول أبي عبيدة أولى؛ لأنه مُشْتقٌ من القُوت، والقُوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان. وفي المقصد: المقيت معناه خالق الأقوات، وموصلها إلى الأبْدان وهي الأطعمة، وإلى القلوب وهي المعرفة، فيكون بمعنى”الرزاق” إلا أنه أخصّ منه؛ إذْ الرزق يتناول القوت؛ وغير القوت، والقوت ما يُكتفى به في قوام البدن. وأما أنْ يكون بمعنى المستولي على الشيء، القادر عليه، والاسْتيلاء يتمُّ بالقدرة والعلم، وعليه يدل قوله تعالى: (وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً) (النساء: 85)، أي: مُطّلعاً قادراً، فيكون معناه راجعاً إلى القدرة والعلم، أما العلم فقد سبق، وأما القُدرة فستأتي، ويكون بهذا المعنى وصفه بـ”المقيت” أتم من صفته بالقادر وحده؛ وبالعلم وحده، لأنه دالٌ على اجتماع المعنيين، وبذلك يخرج هذا الاسم عن الترادف، اهـ . وقال عبد الرحمن السعدي رحمه الله: المقيتُ الذي أَوْصلَ إلى كلّ موجودٍ ما به يُقتات، وأوصلَ إليها أرزاقها، وصرّفها كيف يشاءُ بحكمتِه وحمده. من آثار الإيمان باسم الله “المقيت”: 1- إنّ الله هو” المقيت” أي: القدير على كلّ شيء، ويأتي بسط الكلام على ذلك في اسم الله”القدير”. 2- إنَّ الله سبحانه هو المُعطي لأقوات الخلق كلّهم؛ صغيرهم وكبيرهم، قويهم وضعيفهم، غنيّهم وفقيرهم، قال تعالى: (ومَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (هود: 6). وقد قدَّر الله ذلك كلّه؛ عند خَلقه للأرض، قال تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ) (فصلت: 10). قال ابن كثير: وقدَّر فيها أقواتها، وهو ما يحتاج أهلها إليه؛ من الأرزاق، والأماكن التي تُزرع وتغرس . وقال القرطبي: معنى (قدَّر فيها أقواتها) أي: أرزاق أهلها؛ وما يصلح لمعايشهم، من التجارات والأشجار والمنافع في كلّ بلدة، ما لم يجعله في الأخرى، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار؛ من بلد إلى بلد . 3- وقال القرطبي في” الأسْنى”: وقد يقوت الأرواح إدامة المشاهدة، ولذيذ المؤانسة، قال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (يونس: 9). وإلى هذا أحد أوجه قوله عليه الصلاة والسلام:”إني لستُ كهَيئتكم، إني أَبِيتُ يُطْعمني ربّي ويَسْقيني”. وأنْشدوا: فقوتُ الرُّوحِ أرواحُ المعاني وليسَ بأنْ طعمتَ وأنْ شَربتا فلكل مخلوقٍ قوت، فالأبدان قوتها المأكول والمشروب، والأرواح قوتها العلوم، وقوت الملائكة التسبيح، والشاهدُ لأحوالهم، وبالجملة فالله سبحانه هو المقيتُ لعباده، الحافظ لهم، والشاهد لأحوالهم، والمطّلع عليهم، وقد تضمّن هذا الاسم جميع الصفات. فيجبُ على كل مكلّف؛ أنْ يعلم أنَّ لا قائم بمصالح العباد؛ إلا الله سبحانه، وأنَّه الذي يقوتهم ويرزقهم. وأفضل رزق يرزقه الله: العقل، فمن رزقه العقل أكرمه، ومَن حرمه ذلك؛ فقد أهانه، اهـ . من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.