معنى الحليم في اللغة:

الحِلْم بالكسر: الأناةُ والعَقْلُ، ورجلٌ حليمٌ؛ من قومٍ أحلامٍ وحُلماء. والحِلْمُ: نقيضُ السَّفَهِ.

وقال الراغب: الحِلم ضَبطُ النَّفس والطَّبع عنْ هيجان الغَضَب، وجَمْعه أحلامٌ. قال تعالى: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم) (الطور: 32)، قيل معناه: عُقولهم، وليس الحِلْم في الحقيقة هو العقل، لكن فسَّروه بذلك؛ لكونه من مُسبَّبَات العقل.

والحَليم اسم الفاعل مِنَ حَلُمَ.

اسم الله “الحليم” في القرآن الكريم:

ورد الاسْم في القرآن إحدى عشرة مرة؛ منها:

قوله تعالى: (واعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة: 235).

وقوله: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة: 263).

وقوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) (الأحزاب: 51).

وقوله: (إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (فاطر: 41).

معنى “الحليم” في حق الله تبارك وتعالى:

قال ابن جرير رحمه الله:”حليم” يعني أنه ذُو أناة، لا يَعْجل على عباده بعقُوبتهم على ذُنوبهم. وقال في موضع: حَليماً عمَّن أشْرك وكفرَ به مِنْ خَلْقه، في تركه تعجيلُ عذابه له.

قال الخطّابي: هو ذُو الصَّفح والأناة، الذي لا يستفزُّه غَضبٌ، ولا يَستخِفُّه الصَّافح – مع العجز – اسم الحِلْم، إنّما الحليمُ هو الصَّفُوحُ مع القُدْرة، والمتأنّي الذي لا يَعجلُ بالعقوبة.

قال ابن الحصّار: فإنْ قيل: فكيف يتضمّن الحِلْم الأناة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشجّ عبد القيس:” إنَّ فيك لخَصْلتين؛ يُحبُّهما الله: الحِلْمُ والأناة”. فعدّدهما؟ فاعلم أنَّ الأناة قد تكون مع عدمِ الحلم، ولا يصحّ الحلمُ أبداً إلا مع الأنَاة، والأناة تركُ العَجلة، فقد تكون لعارضٍ يعرض، ولا يكون الحلمُ أبداً إلا مُشتملاً على الأناة، فتأمّله ! وكذلك لا يكون الحليم إلا حكيماً، واضعاً للأُمور مواضيعها، عالماً قادراً، إنْ لم يكنْ قادراً كان حِلْمه متلبّساً بالعجز والوهن والضعف، وإنْ لم يكن عالماً (كان) تركه الانْتقام للجَهل، وإنْ لم يكنْ حِكيماً؛ ربّما كان حِلْمه مِنَ السَّفه؛ وتتبع أمثال هذا.

وقال الأصْبهاني:”حليم” عمّن عَصَاه، لأنه لو أرادَ أخْذه في وقته أخَذَه؛ فهو يَحْلم عنه؛ ويؤخّره إلى أجله. وهذا الاسْم – وإنْ كان مُشْتركاً يُوصف به المَخْلوق – فحِلم المَخلوقين حِلْمٌ لم يكنْ في الصِّغَر؛ ثم كان في الكِبَر. وقد يتغيّر بالمَرض والغَضَب والأسْباب الحادثة، ويفنى حِلْمه بفنائه، وحِلْم الله عزّ وجل لم يزَلْ ولا يَزُول. والمَخْلوق يَحْلمُ عنْ شيءٍ؛ ولا يَحْلمُ عن غيره، ويَحْلم عمّن لا يَقْدر عليه، والله تعالى حليمٌ مع القُدْرة.

وقال السِّعدي:”الحليم”: الذي يَدرُّ على خَلْقه النِّعم الظّاهرة والباطنة، مع معاصيهم وكثرةِ زلاتهم، فيَحْلم عن مُقابلة العَاصين بعصيانهم، ويَسْتعتبهم كي يُتُوبوا، ويُمهلهم كي يُنيبوا.

من آثار الإيمان باسم الله “الحليم”:

1- إثباتُ صِفة”الحلم” لله عزّ وجل، وهو الصّفح عن العُصُاة من العباد، وتأجيل عقوبتهم؛ رجاءَ توبتهم عنْ مَعَاصيهم.

2- وحِلْمُ اللهِ سُبحانه عن عباده، وتركه المُعَاجلة لهم بالعُقوبة، مِنْ صفات كماله سبحانه وتعالى، فحلْمه ليس لعَجْزه عنهم، وإنّما هو صَفْحٍ وعفوٍ عنهم، أو إمْهالٍ لهم مع القُدْرة عليهم، فإنّ الله لا يُعْجزه شيء. قال سبحانه: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر: 44). وحِلْمه أيضاً: ليس عَنْ عدم عِلْمه بما يعملُ عباده من أعمال، بل هو العَلِيمُ الحَليمُ؛ الذي يَعْلم خائنةَ الأعْين؛ وما تَخْفى الصّدور. قال سبحانه: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) (الأحزاب: 51). وحِلْمه عنْ خلقه ليس لحاجته إليهم، إذْ هو سُبْحانه يَحْلم عنهم؛ ويَصْفح ويغفر، مع اسْتغنائه عنهم، قال سبحانه: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة: 235).

3- حِلْم اللهِ عظيم، يَتَجلّى في صَبْره سُبحانه على خَلْقه، والصّبرُ داخل تحتَ الحِلْم، إذْ كلُّ حليمٍ صابر، وقد جاءَ في السُّنة وَصْفُ اللهِ عزّ وجل بالصّبر، كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: عنْ النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ليسَ أحْدٌ – أو ليسَ شيءٌ – أصْبرُ على أذىً سَمِعهُ مِنَ الله، إنّهم ليَدْعون له وَلداً؛ وإنّه ليُعَافِيهم ويَرزقُهُم”. قال الحُليمي في معنى”الحليم”: الذي لا يَحْبس أنْعَامَه وأفْضَاله عنْ عباده لأجْل ذُنُوبهم، ولكن يَرزْق العاصي كما يَرْزق المطيع، ويبقيه وهو مُنْهمكٌ في مَعاصيه، كما يُبقي البر التّقي، وقد يقيه الآفات والبلايا؛ وهو غافلٌ لا يَذْكره، فَضْلاً عن أنْ يَدعوه، كما يقيها النَّاسك الذي يسأله؛ وربّما شغلته العبادة عن المسألة. وقد أخْبرَ تعالى عن تَأخيره لعقاب مَنْ أذنبَ مِنْ عباده في الدنيا، وأنّه لو كان يُؤاخذهم بذُنوبهم أولاً بأوّل، لما بقي على ظَهْر الأرض أحد. قال سبحانه: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل: 61). وقال: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً) (الكهف: 58).

قال ابن جرير:” ولو يُؤَاخذُ اللهُ عُصَاة بني آدم بمَعَاصيهم (مَا تَرَكَ عَلَيْها) يعني: الأرض مِنْ دَابة تَدبُّ عليها (ولكنْ يُؤَخِّرُهُم) يقول: ولكن بِحلْمه يُؤخِّر هؤلاء الظَّلمة، فلا يعالجهم بالعقوبة، (إلى أجَلٍ مُسْمّى) يقول: إلى وقْتِهم الذي وقّتَ لهَلاكِهم، لا يَسْتأخرون عن الهَلاك سَاعة فيُمْهلُون، ولا يَسْتقدمون قَبْله حتى يَسْتوفوا آجَالهم” اهـ . فتأخيرُ العذابِ عنهم؛ إنّما هو رحمةٌ بهم. ولكنّ النّاسَ يغترّون بالإمْهال، فلا تَسْشعر قلوبهم رحمةَ الله وحِكْمته، حتى يَأخذَهم سبحانه بعَدْله وقُوّته، عندما يأتي أجْلهم الذي ضَربَ لهم. ومِنَ العَجَب!! أنْ يُريدُ اللهُ للنّاس الرّحمة والإمْهال، ويرفض الجهّال منهم والأجلاف؛ تلك الرحمة وذلك الإمْهال، حين يَسْألون الله أنْ يُعَجّل لهم العذابَ والنِّقْمة؟! قال تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) (يونس: 11). وقال: (وقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) (ص: 16). وقال عن كفّار مكة: (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (الأنفال: 32). وأمثال ذلك مما وقع من المسرفين السفهاء.

* تنبيه: تأخيرُ العذابِ عن الكفار؛ إنّما هو في الدنيا فقط، وأما في الآخرة؛ فلا يخفّفُ عنهم العذاب ولا هُم ينظرون. قال الأقْليشي: أما تأخير العَذَاب في الدنيا عن الكَفَرة والفَجَرة؛ مِنْ أهل العَصيان، فمشاهدٌ بالعيان؛ لأنّا نراهم يَكْفرون ويَعْصون، وهم مُعافون في نِعَم الله يتقلّبون.

وأما رفعُ العُقوبة في الأخرى، فلا يكون مرفوعاً إلا عن بعض مَنْ اسْتوجبها مِنْ عُصاة المُوحّدين. وأما الكفار فلا مَدْخَلَ لهم في هذا القِسم، ولا لهم في الآخرة حظٌّ مِنْ هذا الاسم، وهذا معروفٌ بقواطع الآثار، ومجمعٌ عليه عند أُولي الاسْتبصار” اهـ .

4- يَجوزُ إطْلاق صِفة الحِلْم على الخلق، فقد وَصَف الله عزّ وجل أنبياءه بذلك، قال عزّ من قائل: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 114). وقال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) (هود: 75). وقال حِكايةً عن قومِ شُعيب عليه السلام: (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (هود:87). وقال: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) (الصافات: 101) يعني بذلك: إسْحاق عليه السلام.

5- والحِلْمُ مِنْ الخِصال العظيمة التي يُريد اللهُ مِنْ عباده؛ أنْ يتخلّقوا بها، وهي خَصْلةٌ يُحبها الله ورسوله كما مرَّ آنفاً في حديث أشج عبد القيس. قال القرطبي رحمه الله:”فمِنَ الواجبِ على مَنْ عَرَفَ أنّ ربَّه حليمٌ على مَنْ عَصَاه، أنْ يَحلم هو على مَنْ خالف أمره، فذاك به أولى؛ حتى يكونَ حليماً؛ فينال مِنْ هذا الوصف بمقدار ما يَكسر سَوْرة غَضَبه؛ ويرفع الانتقام عمّن أسَاء إليه، بل يَتَعوّد الصَّفح؛ حتى يعودَ الحِلم له سَجيّة. وكما تُحب أنْ يُحلم عنك مالُكك، فاحْلم أنتَ عمّن تَمْلك، لأنك مُتعبدٌ بالحلم، مثابٌ عليه، قال الله تعالى: (وجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (الشورى: 40). وقال: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى: 43).

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي