معنى “الودود” في اللغة: الوُدُّ مصدرُ المودَّة. قال ابن سيده: الودُّ : الحبُّ يكون في جميع مداخل الخير. وَددْتُ الشيء أوَدُّ، وهو من الأُمنية. قال الجوهري: وَدِدْتُ الرجل أوَدُّهُ وُدّاً، إذا أحببته، والوُدُّ والوَدُّ والوِدُّ: المودَّةُ، تقول: بوُدِّي أنْ يكون كذا. والوَدُودُ المحبُّ. قال ابن العربي: اتفق أهل اللغة على أن المودَّة هي: المحبة. وجمع بين المعنيين الراغب فقال: الودُّ محبة الشيء وتمنّي كونه، ويستعمل في كل واحدٍ من المعنيين، على أن التمني يتضمَّن معنى الوُد، لأنّ التمنِّي؛ هو تشهي حصول ما تودُّه. اسم الله “الودود” في القرآن الكريم: ورد اسم الله الودود مرتين: الأولى في قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود: 90). والثانية في قوله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (البروج: 13- 14). معنى “الودود” في حق الله تبارك وتعالى: قال ابن جرير:”ودود” يقول: ذو محبةٍ لمن أناب وتاب إليه، يودّه ويحبه. وقال في قوله: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) يقول تعالى ذكره: وهو ذُو المغفرة؛ لمن تاب إليه من ذنوبه، وذو المحبة له. قال الزجاجي: فيه قولان: أحدهما: أنه يودُّ عباده الصالحين ويُحبهم. والودُّ والمودة والمحبة في المعنى سواء. فالله عز وجل ودودٌ لأوليائه، والصالحين من عباده؛ وهو مُحبٌ لهم. والقول الآخر: أنه عز وجل مودود، أي: يَوده عباده ويحبونه. وهما وجهان جيدان . وبنحوه قال الخطابي، وزاد: وقد يكون معناه أن يُودِّدَهم إلى خَلْقه، كقوله جل وعز: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) (مريم: 96). وقال الحليمي: وقد قيل: هو الوادّ لأهل طاعته، أي: الراضي عنهم بأعمالهم، والمُحْسن إليهم لأجلها؛ والمادح لهم بها. وقد قيل: هو الودُود بكثرة إحسانه، أي: المستحق لأنْ يود؛ فيُعبد ويحمد. قال السّعدي:”الودود” الذي يُحب أنبياءه ورسله وأتباعهم، ويحبونه فهو أحبُّ إليهم من كل شيءٍ، قد امتلأت قلوبهم من محبته، ولهجتْ ألسنتهم بالثناء عليه، وانْجذبت أفئدتهم إليه؛ وداً وإخلاصاً وإنابةً؛ من جميع الوجوه. من آثار الإيمان باسم الله “الودود”: 1- قال القرطبي: فيجبُ على كلّ مُكَلّف؛ أنْ يَعلم أنّ الله سُبحانه هو”الوَدُود” على الإطْلاق، المحب لخلقه، والمثني عليهم؛ والمحسِن إليهم اهـ . فالله سبحانه وتعالى يُحبُّ مَنْ أطاعه؛ ويُبْغض مَنْ عصاه. يُحبُّ: التوَّابين والمتَطهرين والصَّابرين والمتوكّلين والمقسطين والمؤمنين والمتقين والمحسنين، وجميع الطائعين. ويُبْغض ويكره: المعتدين والمفْسدين والمسرفين والخائنين والمستكبرين والفاسقين والظالمين والكافرين، ولا يحبُّ كلَّ مختال فخورٍ، ولا كلَّ خَوانٍ كفور، وهذا كله في كتابه العزيز. فيجبُ على العبد أنْ يتبع ما يحبه الله ويرضاه، ويتجنّب ما يبغضه ولا يحبه. يقول القرطبي في تتمة كلامه السابق: ثم يجبُ عليه أنْ يتودّد إلى ربّه؛ بامتثال أمره ونهيه، كما تودّد إليه بإدرار نِعَمه وفضله، ويُحبه كما أحبّه. ومِنْ حبّ العبد لله؛ رضاهُ بما قضاه وقدَّره، وحبّ القرآن والقيام به، وحبّ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وحب سُنَّته؛ والقيام بها؛ والدعاء إليها، قال الله العظيم: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) (آل عمران: 31). فمن اتّبع رسوله فيما جاء به، وصدق في اتباعه، فذلك الذي أحب الله وأحبه الله سبحانه. واعلم أن مثال محبة الله تعالى بترك المناهي، أكثر من مثالها بسواها من أعمال الطاعات، فالأعمال الصالحة قد يعملها البرُّ والفاجر، والانتهاء عن المعاصي لا تكون إلا بالكمال، وإلا من مصدق. قلت (القرطبي): وعلى هذا الحذو – والله أعلم – يترتّب حبُّ الله تعالى للعبد؛ وحُبُّ الناس له، وعليه يُخرَّج الحديث: الذي خرَّجه مالك والبخاري ومسلم وغيرهم واللفظ لمسلم: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إنَّ الله إذا أحبّ عبداً؛ دعا جبريل؛ فقال: إنّي أحبُّ فلاناً فأحبه، قال: فيُحبه جبريل ثم يُنادي في السماء؛ فيقول: إنّ الله يحبُّ فلاناً فأحبُّوه، فيُحبه أهل السماء، ثم يُوضع له القَبُول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً؛ دعا جبريل؛ فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه؛ فيُبغضه جبريل، ثم يُنادي في أهل السّماء: إنّ الله يُبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم تُوضع له البَغضاء في الأرض”. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو سبحانه يُحب عباده الذين يحبونه، والمحبوب لغيره أولى أنْ يكون محبوباً. فإذا كنّا إذا أحببنا شيئاً لله، كان الله هو المحبوب في الحقيقة، وحببنا لذلك بطريق التبع، وكنّا نحبُّ مَنْ يحب الله؛ لأنه يُحب الله، فالله تعالى يُحب الذين يُحبونه، فهو المستحق أنْ يكون هو المحبوب المَأْلوه المعبود، وأنْ يكون غاية كل حبّ. 2- أنَّ المستحق أن يُحب لذاته؛ هو الله سبحانه وتعالى، وكل محبةٍ يجب أنْ تكون لله؛ وفي الله، فإذا أحبّ العبد أحب لله، وإذا أبغضَ أبغض لله، وإذا أعْطى أعطى لله، وإذا منَعَ منع لله، وإذا والى والى في الله، وإذا عادى عادى في الله، وهكذا كل أعماله يجب أن تكون فيما يحبه الله ويرضاه. وكذا فإنه لا يجوز للعبد أنْ يبغض مَن أحبه الله تعالى، من الأنبياء والمرسلين؛ والأولياء والصالحين، ولا يُحب من أبغضه الله، من الفسّاق والعاصين والمكذبين والمحاربين لله بأموالهم وأنفسهم، مهما كانت قرابتهم له. فعن الأول: يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:” إن الله قال: مَنْ عادَى لي ولياً؛ فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّبَ إلي عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتَقَرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به؛ وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأعطينه، ولئنْ استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن نفسِ المؤمن، يكرهُ الموتَ وأنا أكره مساءته”. فالحديث يدل على أنّ معاداة أولياء الله؛ إنما هي في الحقيقة معاداة الله، ومَنْ ذا الذي يطيق أنْ يُعادي الله تعالى شأنه أو يُحاربه، ويدلّ أيضاً على أنّ الفرائض؛ منْ أحب ما يتقرّب به إلى الله تعالى، ويليها النّوافل. وأما عن الثاني: وهي أنّ لا يُحب مَنْ عصى الله، يقول تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة: 22). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:” وليس ما يستحق أنْ يكون هو المحبوب لذاته، المراد لذاته، المطلوب لذاته، المعبود لذاته، إلا الله، كما أنه ليس ما هو بنفسه مبدع خالق إلا الله، فكما أنه لا ربَّ غيره، فلا إله إلا هو، فليس في المخلوقات ما يستقل بإبداع شيء؛ حتى يكون ربّاً له، ولكن ثمَّ أسباب متعاونة؛ ولها فاعل هو سببها. وكذلك ليس في المخلوقات؛ ما هو مستحقٌ لأنْ يكون المستقل؛ بأنْ يكون هو المعبود المقصود المراد بجميع الأعمال، بل إذا استحق أنْ يُحب ويُراد، فإنما يراد لغيره، وله ما شاركه في أنْ يحب معه، وكلاهما يجب أنْ يحب لله، لا يُحب واحدٌ منهما لذاته، إذْ ليست ذاته هي التي يحصل بها كمال النفوس وصلاحها وانتفاعها، إذا كانت هي الغاية المطلوبة. والله فطر عباده على ذلك، وهو أعظم من كونه فطرهم على حب الأغذية التي تصلحهم، فإذا تناولوا غيرها أفسدتهم…”. قال:”ولهذا وجب التفريق بين الحب مع الله، والحب لله، فالأول شركٌ، والثاني إيمان. قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ) (البقرة: 135). وقال: (أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) (التوبة: 24). فليس لأحدٍ أنْ يحب شيئاً مع الله. وأما الحبُّ لله فقال صلى الله عليه وسلم في الصحيح:” ثلاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، ومنْ كان يُحب المرء لا يحبه إلا لله، ومَنْ كان يكره أنْ يَرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أنْ يلقى في النار”. اهـ . 3- حبُّ الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم يَقوى بقوة العلم الشرعي، وكلما كان المسلم عالماً بدين الله وأحكامه وشرائعه، عاملاً به، كان حُبُّهُ أقوى من غيره من الجاهلين، وإنْ كانت محبة الله سبحانه تُوجد في الفطر، ولكنها تقوى بالعلم، وتخبو وتضعف بالشهوات والشبهات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكذلك حبُّ الله ورسوله؛ حاصلٌ لكل مؤمن، ويظهر ذلك بما إذا خُيِّر المؤمن بين أهله؛ وبين الله ورسوله، فإنه يختار الله ورسوله. والمؤمنون متفاضلون في هذه المحبة، ولكن المنافقون – الذين أظهروا الإسلام ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم – ليسوا من هؤلاء، وما من مؤمنٍ إلا وهو إذا ذُكر له رؤية الله، اشتاق إلى ذلك شوقاً؛ لا يكاد يشتاقه إلى شيء. وقد قال الحسن البصري: لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم في الآخرة، لذابتْ أنفسُهم في الدنيا. والحبُّ لله يَقْوى بسبب قوة المعرفة؛ وسلامة الفطرة، ونقصها من نقص المعرفة، ومِنْ خُبث الفطرة بالأهواء الفاسدة. ولا ريب أنّ النفوس تحب اللذة بالأكل والشرب والنكاح، وقد تشتغل النفوس بأدنى المحبوبَيْن عن أعلاهما، لقوة حاجته العاجلة إليه، كالجائع الشديد الجوع، فإنّ ألمه بالجوع؛ قد يشغله عن لذة مناجاته لله في الصلاة. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:” لا يُصَلِّين أحدُكم بحَضَرةِ طعامٍ، ولا هو يدافع الأخبثين”. وإنْ كانت الصلاة قُرة عين العارفين، والإنسان إنما يشتاق؛ إلى ما يشعر به من المحبوبات، فأما ما لم يشعر به؛ فهو لا يشتاق إليه، وإنْ كان لو شعر به؛ لكان شوقه إليه أشد؛ من شوقه إلى غيره اهـ . من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.