معنى “الأول” في اللغة: الأوَّلُ نقيضُ الآخِر. وقال الراغب: الأول هو الذي يترتب عليه غيرُه، ويستعمل على أوجه: الثاني: المتقدم بالرياسة في الشيء، وكون غيره مُحتذياً به، نحو: الأمير أولاً ثم الوزير. الثالث: المتقدِّم بالوضع والنِّسبة، كقولك للخارج من العراق: القادسية أولاً ثم فيدُ، وتقول للخارج من مكة: فيدُ أولاً ثم القادسية. الرابع: المتقدم بالنظام الصِّناعي، نحو أنْ يقال: الأساسُ أولاً؛ ثم البناء. اسم الله “الأول” في القرآن الكريم: ورد مرةً واحدةً، في قوله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد: 3). معنى “الأول” في حق الله تبارك وتعالى: قال الفرَّاء: قوله عز وجل (هُوَ الْأَوَّلُ): يريد قَبْل كلّ شيء، (والآخرُ): بعد كلّ شيء. وقال ابن جرير: هو (الأول) قبل شيء بغير حدٍّ، و (الآخر) بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيء موجوداً سواه، وهو كائنٌ بعد فناء الأشياء كلِّها، كما قال جلَّ ثناؤه (كلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ). وقال الزجَّاج: (الأول) هو موضوع التَّقدُّم والسَّبْق. ومعنى وصفناه الله تعالى بأنه” أول”: هو متقدم للحوادث بأوقاتٍ لا نهاية لها، فالأشياءُ كلُّها وُجدت بعده، وقد سبقها كلَّها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:” أنتَ الأولُ فليس قبلك شيءٌ، وأنتَ الآخر فليس بعدك شيء”. وقال الخطَّابي: (الأول) هو السابق للأشياء كلِّها، الكائن الذي لم يزل قبل وجود الخلق، فاستحقَّ الأولية إذْ كان موجوداً؛ ولا شيء قبله ولا معه. ثم ذكر الحديث. وقال البيهقي: (الأول) هو الذي لا ابتداء لوجوده. من آثار الإيمان باسم الله “الأول”: 1- بادئ ذي بدء نقول: إنَّ خيرَ ما يُفسَّر به هذا الاسم؛ والأسماء الثلاثة التي تليه: هو تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو أعلم الخلق بالله تعالى؛ وذلك ما رواه أبو هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُنا إذا أخذنا مَضْجعنا أنْ نقول:”اللهم ربَّ السموات؛ وربَّ الأرض؛ وربَّ العرش العظيم، ربَّنا وربَّ كلِّ شيء، فالقَ الحبِّ والنَّوى؛ ومُنزِّل التَّوراةِ والإنجيل والفُرْقان، أعوذُ بك مِنْ شرِّ كلّ شيء أنتَ آخذٌ بنَاصِيته، اللهمّ أنتَ الأولُ فليس قَبْلك شيءٌ، وأنتَ الآخرُ فليسَ بعدَكَ شيءٌ، وأنتَ الظاهرُ فليس فوقك شيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليس دونكَ شيءٌ، اقضِ عنّا الدّينَ، واغْننا مِنَ الفَقْر”. فالله تعالى هو “الأولُ” الذي ليس قبْله شيءٌ من الموجودات، فهو المتقدِّم على كلّ شيء، ولم يكنْ معه شيء، كما جاء ذلك: في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” كان اللهُ ولم يَكنْ شيءٌ غيرُه، وكان عرشُه على الماء، وكتبَ في الذِّكر كلَّ شيء، وخَلَقَ السَّموات والأرض”. قال الطّحاوي في عقيدته:” قديمٌ بلا ابتداء، دائمٌ بلا انتهاء”. وشرحه ابن أبي العز بقوله: فقول الشّيخ: قديمٌ بلا ابتداء، دائمٌ بلا انتهاء، هو معنى اسْمه الأول والآخر، والعلم بثبوت هذين الوصفين مستقرٌّ في الفِطَر، فإنَّ الموجودات لا بدّ أنْ تَنْتهي إلى واجبِ الوُجود لذاته، قطعاً للتّسلسل، فإنَّا نشاهد حُدُوث الحيوان والنبات والمعادن، وحَوادث الجو كالسَّحاب والمطر وغير ذلك، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة؛ فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبةَ الوجود بنفسها، فإنّ واجبَ الوجود بنفسه لا يَقْبل العدَم، وهذه كانت مَعدومة ثم وُجِدت، فعَدمها ينفي وجوبها، ووجُودها ينفي امتناعها، وما كان قابلاً للوجود والعَدم، لم يكنْ وُجُوده بنفسه، كما قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور: 35) يقول سبحانه: أحْدثوا مِنْ غير مُحْدث، أم هم أحْدثوا أنفسهم ؟! ومعلوم أنَّ الشيء المحدث لا يُوجِدُ نفسه. 2- جرى على ألْسنة كثيرٍ من المتكلمين – وأهل السُّنة أحياناً – تسمية الربّ تعالى بـــ (القديم) وليس من أسماء الله الحسنى، والتزام تسميته بـــ (الأول) هو الموافق للكتاب والسنة واللغة، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن، هو: المتقدم على غيره، فيقال: هذا قديم، للعتيق، وهذا حديث للجديد، ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره، لا فيما لم يسبقه عدم، كما قال تعالى: (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يس: 39) والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول: قديم، وقال تعالى: (وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (الأحقاف: 11) أي: متقدم في الزمان. ولذا فقد أنكر كثير من السلف والخَلف منهم – ابن حزم – تسمية الربّ تعالى بذلك. والصواب أنْ يُسْتعاض عن هذا الاسم؛ بالتسمية الواردة، وهي (الأول) واتباع ما جاءت به النصوص، أولى من اتباع ألفاظ أهل الكلام. من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي