من أسماء الله الحسنى: البارئ
قال ابن الأعرابي: برئ إذا تَخَلّصَ، وبرئ إذا تَنزَّه وتَبَاعد، وبَرئ إذا أعْذَر وأنذر.
وأصْبح بارئاً مِنْ مَرضه وبريئاً؛ كقولك صحيحاً وصِحَاحا، وقد أبْرأه الله مِنْ مرضه إبراءً.
وقال الأخفش: يقال برئت العُود وبروته، إذا قطعته وبَريت القَلم بغير همز؛ إذا قطعته وأصلحته.
والبريّة: الخَلق، وأصْلها الهمز؛ وقد تركت العرب همزها.
وقال الفرّاء: وإذا أخَذْتَ البرَّية من البَري؛ وهو التُّراب، فأصْلها غيرُ الهمز.
وقد وردت في القرآن كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البينة: 7).
ورد هذا الاسم ثلاث مرات في القرآن، مرةً في قوله تعالى: (هو الله الخَالق البَارئ) (الحشر: 24).
ومرتين في قوله تعالى: (فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ) (البقرة:54).
قال ابن جرير:”البارئ” الذي بَرأ الخَلق؛ فأوجدهم بقدرته.
وقال الزجاج:”البارئ” يقال: برأ الله الخلق، فهو يبرؤهم برءاً: إذا فَطَرهم.
والبرءُ: خَلقٌ على صفة، فكل مبروء مخلوق، وليس كلُّ مخلوقٍ مُبْرُوءاً، وذلك لأنَّ البَرء من تبرئة الشيء مِنَ الشيء، مِنْ قولهم: برأتُ مِنَ المرض، وبرئت من الدَّين أبرأُ منه، فبعض الخَلْق إذا فُصل من بعض؛ سُمّي فاعله: بارئاً.
وقال الشوكاني: البارئ الخالق، وقيل إنَّ”البارئ” هو: المُبْدِع المُحدِث. وقال الخطابي: البارئ هو الخَالق. ثم قال: إلا أنّ لهذه اللفظة مِنْ الاختصاص بالحيوان؛ ما ليس لها بغيره مِنْ الخَلق، وقلّما يستعمل في خَلق السموات والأرض والجبال، فيقال: برأ الله السماء؛ كما يقال: برأ الله الإنسان؛ وبرأ النَّسَم. وقال ابن كثير: الخَلْق هو التقدير، والبرء هو الفَري، وهو التنفيذ؛ وإبْراز ما قدّره وقرّره إلى الوجود، وليس كلُّ من قدّر شيئاً ورتبه؛ يقدر على تنفيذه وإيجاده، سِوى الله عز وجل.
وقال الحليمي رحمه الله: وهذا الاسم يحتمل معنيين: أحدهما: المُوجِد لما كان في معلومه من أصناف الخلائق. وهذا هو الذي يُشير إليه جلّ وعزّ: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) (الحديد: 22).
ولا شك أنَّ إثبات الإبْداع والاعتراف به للباري جل وعز، ليس يكون على أنه أبْدع قبل أنْ يُبدع، فكما وجبَ له عند الإبداع اسم البديع، وجبَ له اسم”البارئ”. والآخر: أنّ المرادَ بالبارئ: قالبُ الأعْيان، أي: أنه أبْدع الماءَ والتراب؛ والنّار والهواء لا من شيء، ثم خَلَق منها الأجْسام المُختلفة؛كما قال عز وجل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (الأنبياء:30) .
وقال: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ) (ص: 71).
وقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ) (الروم: 20).
وقال: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ) (النحل: 4) .
وقال: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) (الرحمن: 14-15).
وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 12 – 14).
فيكون هذا من قولهم: برأ القوّاسُ القوسَ، إذا صَنَعها مِن موادها التي كانت لها؛ فجاءتْ منها لا كهيئتها، والاعتراف لله عز وجل بالإبْداع؛ يقتضي الاعتراف له بالبرء، إذْ كان المعترف يعلم به نفسه أنه منقول من حال إلى حال، إلى أنْ صار ممن يقدر على الاعتقاد والاعتراف”.
ويمكن أنْ نُلخص القول في معنى”البارئ” على وجوه:
1- أنّ”البارئ” هو المُوجد والمُبْدع، مَن: برأ اللهُ الخلقَ إذا خَلَقهم. وبهذا يكون الاسمُ مشابهاً ومرادفاً لـ”الخالق”.
2-“البارئ” هو الذي فَصَل بعضَ الخَلْق عن بعض، أي: ميّز بعضَه عن بعض، وأنّ أصْله من البرء، الذي هو القَطْع والفَصْل.
3- أنَّ”البارئ” يدلُّ على أنّه تعالى خَلَق الإنسانَ مِنَ التراب، كما قال: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً) (طه: 55)، وأنّ أصْله من: البري والتُّراب.
4- أن”البارئ” قالب الأعيان، فخلق من الطين بشراً، وأوجد من الماء كل شيء حي.
5- وهناك معنى خامس: ذكره الزمخشري فقال:” البارئ” هو الذي خَلَقَ الخَلْقَ بريئاً من التفاوت: (مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ) (الملك:3).
أي: خَلَقهم خَلْقاً مستوياً، ليس فيه اختلافٌ ولا تنافر، ولا نَقْصٌ ولا عَيبٌ ولا خللٌ، أبرياء من ذلك كلّه.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.
اقرأ المزيد في هذه السلسلة:
- أسماء الله الحسنى وشرح معانيها
- من أسماء الله الحسنى: الله الاسم الأعظم للرب تبارك وتعالى
- من أسماء الله الحسنى: الرحمن – الرحيم
- من أسماء الله الحسنى: الملك – المالك – المليك
- من أسماء الله الحسنى: القدوس
- من أسماء الله الحسنى: السلام
- من أسماء الله الحسنى: المؤمن
- من أسماء الله الحسنى: المهيمن
- من أسماء الله الحسنى: العزيز
- من أسماء الله الحسنى: الجبار
- من أسماء الله الحسنى: المتكبر – الكبير
- من أسماء الله الحسنى: الخالق – الخلاق
- من أسماء الله الحسنى: البارئ
- من أسماء الله الحسنى: المصور
- من أسماء الله الحسنى: الغافر – الغفور – الغفار
- من أسماء الله الحسنى: القاهر – القهار
- من أسماء الله الحسنى: الوهاب
- من أسماء الله الحسنى: الرزاق – الرازق
- من أسماء الله الحسنى: الفتاح
- من أسماء الله الحسنى: العليم – العالم – العلام
- من أسماء الله الحسنى: السميع
- من أسماء الله الحسنى: البصير
- من أسماء الله الحسنى: اللطيف
- من أسماء الله الحسنى: الخبير
- من أسماء الله الحسنى: الحليم
- من أسماء الله الحسنى: العظيم
- من أسماء الله الحسنى: الشكور – الشاكر
- من أسماء الله الحسنى: العلي – الأعلى – المتعال
- من أسماء الله الحسنى: الحفيظ – الحافظ
- من أسماء الله الحسنى: المقيت
- من أسماء الله الحسنى: الحاسب – الحسيب
- من أسماء الله الحسنى: الكريم – الأكرم
- من أسماء الله الحسنى: الرقيب
- من أسماء الله الحسنى: المجيب
- من أسماء الله الحسنى: الواسع
- من أسماء الله الحسنى: الودود
- من أسماء الله الحسنى: المجيد
- من أسماء الله الحسنى: الشهيد
- من أسماء الله الحسنى: الحق
- من أسماء الله الحسنى: الوكيل – الكفيل
- من أسماء الله الحسنى: القوي – المتين
- من أسماء الله الحسنى: الولي – المولى
- من أسماء الله الحسنى: الحميد
- من أسماء الله الحسنى: الحي
- من أسماء الله الحسنى: القيوم
- من أسماء الله الحسنى: الواحد – الأحد
- من أسماء الله الحسنى: الصمد
- من أسماء الله الحسنى: القادر – القدير – المقتدر
- من أسماء الله الحسنى: الأول
- من أسماء الله الحسنى: الآخر
- من أسماء الله الحسنى: الظاهر
- من أسماء الله الحسنى: البر
- من أسماء الله الحسنى: التواب
- من أسماء الله الحسنى: العفو
- من أسماء الله الحسنى: الرؤوف
- من أسماء الله الحسنى: الغني
- من أسماء الله الحسنى: الباطن
- من أسماء الله الحسنى: النور
- من أسماء الله الحسنى: الهادي
- من أسماء الله الحسنى: البديع
- من أسماء الله الحسنى: الوارث
- من أسماء الله الحسنى: ذو الفضل
- من أسماء الله الحسنى: ذو الطول
- من أسماء الله الحسنى: ذو المعارج
- من أسماء الله الحسنى: المحيط
- من أسماء الله الحسنى: الغالب
- من أسماء الله الحسنى: الكافي
- من أسماء الله الحسنى: المستعان
- من أسماء الله الحسنى: الفاطر
- من أسماء الله الحسنى: الناصر – النصير
- من أسماء الله الحسنى: القريب
- من أسماء الله الحسنى: المبين
- من أسماء الله الحسنى: الرب
- من أسماء الله الحسنى: ذو الجلال والإكرام
- من أسماء الله الحسنى: الحكم – الحاكم – الحكيم
- من أسماء الله الحسنى: الشافي
- من أسماء الله الحسنى: الرفيق
- من أسماء الله الحسنى: السبوح
- من أسماء الله الحسنى: الجميل