معنى “الوارث” في اللغة:

تقول: أورَثه الشَّيء أبوه، وهم ورَثة فلان.
وورَّثهُ توريثاً، أي: أدْخَله في ماله على ورثته.
وتوارثوه كَابِراً عن كابر.
وقال الزَّجاج: (الوارث) كلُّ باقٍ بعدَ ذَاهبٍ؛ فهو وارث.

اسم الله “الوارث” في القرآن الكريم:

ورد ثلاثَ مرات؛ كلُّها بصيغة الجمع؛ وهي:
قوله تعالى: (وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) (الحجر: 23)
وقوله تعالى: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) (الأنبياء: 89).
وقوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) (القصص: 58).
وورد مرةً واحدةً بصيغة الفعل:
وقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (مريم: 40).

معنى “الوارث” في حق الله تبارك وتعالى:

قال ابن جرير: (ونحنُ الوَارِثُون) يقول: ونحنُ نرثُ الأرض ومَنْ عليها، بأنْ نميت جميعهم؛ فلا يبقى حيٌّ سِوانا، إذا جاء ذلك الأجل. وقال في آية القصص: (وكنَّا نحْنُ الوارثين) يقول: ولم يكنْ لمَا خرَّبنا مِنْ مَسَاكنهم؛ منهم وارثٌ، وعادت كما كانت قبل سُكْناهم فيها، لا مالكَ لها إلا الله؛ الذي له مِيراثُ السَّموات والأرض.
وقال الزجاجي: اللهُ عزَّ وجلّ وارثُ الخَلْق أجْمعين، لأنّه الباقي بعدَهم وهم الفانون، كما قال عزّ وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (مريم: 40).
وقال الخطَّابي: (الوارث) هو الباقي بعد فناء الخلق، والمُستردُّ أملاكهم وموارثهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقياً؛ مالكاً لأصُول الأشْياء كلها، يُورِّثُها مَنْ يشاء؛ ويَسْتخلف فيها مَنْ أحبَّ.
وقال الحُليمي: (الوارث) ومعناه الباقي بعد ذهاب غيره.
وربُّنا جلَّ ثناؤه بهذه الصفة، لأنَّه يبقى بعد ذهاب المُلاَّك الذين أمتعهم في هذه الدنيا بما آتاهم، لأنَّ وجودهم ووجود الأملاك كان به، ووجوده ليس بغيره.

من آثار الإيمان باسم الله “الوارث”:

1- الله جلَّ شأنه هو الوارث الباقي بعد فناء خلقه، الحي الذي لا يموت، الدائم الذي لا ينقطع، وإليه مرجع كل شيء ومصيره.
فإذا ماتَ جميع الخلائق، وزالَ عنهم مُلكهم، كان الله تعالى هو الباقي الحقّ؛ المالك لكلّ المملوكات وحْده، وهو القائل إذْ ذاك (لمَنْ المُلْك اليَوْم) وهو المُجيب لنفسه (لله الوَاحِد القهار) (غافر: 16).
فكثيرٌ من الناس؛ يَظنُون أنَّ لهم مُلْكاً حقيقياً، فينكشف لهم ذلك اليوم حقيقة الحال.
” وهذا النّداء – لمِن المُلْكُ اليوم – عبارةٌ عنْ حقيقة ما يَنْكشف لهم في ذلك الوقْت.
فأمَّا أربابُ البَصَائر؛ فإنهم أبداً مُشاهدونَ لمعنى هذا النّداء، سامعون له؛ مِنْ غيرِ صوتٍ ولا حَرْف، يُوقنون بأنَّ المُلك لله الواحِد القهَّار، في كلِّ يومٍ؛ وفي كلِّ ساعةٍ؛ وفي كلِّ لحظة، وكذلك كان أزلاً وأبداً “.

2- بيَّن الله تعالى لعباده: أنه هو الوارثُ لما أهلكَ من القُرى الظَّالمة، التي كانت تعيش في أمنٍ ودَعَة؛ وخفضِ العيش، حتى أصابهم الأشَرُ والبطر، فلم يقوموا بحقِّ النعمة، ولم يَشْكروا ربهم الذي وَهَبهم، قال سبحانه: (وكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) (القصص: 58).
وقوله: (لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي: إلا زماناً قليلاً، إذْ لا يسكنها إلا المارة؛ يوماً أو بعض يومٍ، وبقيتْ شاهدةً على مَصْرع أهلها وفنائهم، وعبرةً لمَن كان له قلبٌ.
وقوله: (وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) أي: منهم؛ إذْ لم يَخْلُفهم أحدٌ يتصرَّف تصرُّفهم في ديارهم؛ وسائر ذاتِ أيديهم، بل كان الله وحْده الوارث؛ لديارهم وأموالهم؛ (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (مريم: 40).

3- حثَّ الله تعالى عباده المؤمنين على النَّفقة في سَبيله، وذكَّرهم أنّهم مُستخلَفون فيما عندهم من الأموال، مُخَولون التصرّف فيها بما شَرَع سبحانه، لا يَملكون حقيقة، فقال سبحانه: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد: 7) .
ثم بيَّن لهم أنهم إنْ لم ينفقوا في حياتهم في سبيل الله؛ فإنها صائرةٌ إلى الله تعالى إذا ماتوا، لأنَّ له ميراثُ السّموات والأرض، فقال عزَّ من قائل: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الحديد: 10).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول االله صلى الله عليه وسلم قال:” يقولُ العَبدُ: مَالي مَالي، إنَّما له مِنْ مَاله ثَلاثٌ: ما أَكلَ فأفْنَى، أو لَبِسَ فأبْلَى، أو أعْطَى فاقْتنَى، وما سِوَى ذلك؛ فهو ذَاهِبٌ وتاركُه للنَّاس”.

4- دعا زكريا عليه السلام ربَّه؛ أنْ يَهبه ولداً يكون مِنْ بعده نبياً، وكان قد بلغ من الكبر عتيّاً؛ وكانت امرأتُه عاقراً، وقد حكى الله ذلك في كتابه بقوله: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء: 89 – 90).
أي: ارزقني وارثاً مِنْ آلِ يَعْقوب يَرثني. وقوله: (وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) دعاءٌ وثناءٌ؛ مُناسبٌ للمَسْألة.

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي