معنى “المتكبر” و”الكبير” في اللغة:
يقال : كَبُر بالضَّم يكْبُر؛ أي: عَظُمَ فهو كبير.
قال ابن سيده: الكبْر: نقيضُ الصِّغر، وكبّر الأمْر: جعله كبيراً، والتكبير: التَّعْظيم، والتَّكبّر والاستكبار: التَّعظُّم، والكِبْر: الرِّفعة في الشَّرف، والكبرياء: المُلْك، كقوله تعالى: (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ) (يونس: 78).
والكبرياء أيضاً: العَظَمة والتَّجبر.
والتاء التي في”المتكبر” ليست تاء التَّعَاطي والتكلُّف، كما يقال: فلان يتعظَّم وليس بعظيم، ويَتَسخَّى وليس بسَخي، وإنما هي تاء التفَرُّد والتَّخَصُّص.
اسم الله “المتكبر” و”الكبير” في القرآن الكريم:
سمّى الله سبحانه وتعالى نفسه بـــ”المُتَكبّر” في آيةٍ واحدة من القرآن الكريم؛ في قوله: (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) (الحشر: 23).
وأما اسمه”الكبير” فقد ورد في ستةِ مواضع من القرآن الكريم؛ منها: قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) (الرعد: 9).
وقوله: (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج: 62)، وقد جاء مقترناً باسمه”العلي” و”المتعال”.
معنى “المتكبر” و”الكبير” في حق الله تبارك وتعالى:
قال قتادة:”المُتَكبّر” أي: تكبَّر عن كلِّ شرٍّ.
وقيل:”المتكبر”: هو الذي تكبَّر عن ظُلمِ عباده. وهو يرجع إلى الأول.
وقال الخطابي: هو المُتَعال عن صفات الخَلْق، ويقال: هو الذي يَتَكبّر على عُتَاة خَلقه؛ إذا نازعوه العَظَمة.
وقال النَّسَفي: هو البَليغُ الكِبْرياء والعَظَمة.
• وأما ما قاله العلماء في معنى اسمه” الكبير”؛ فإنه مُشابه لما ذكرنا من معنى”المتكبر. قال ابن جرير:” الكبير” يعني العظيم؛ الذي كل شيءٍ دُونه، ولا شيءَ أعظمُ منه.
وقال الخطابي:” الكبير” هو: المَوصوف بالجَلال؛ وكِبَر الشّأن، فصَغر دون جلاله كلّ كبير، ويقال: هو الذي كبُر عن شَبَه المخلوقين.
وعلى هذا يكون معنى”المتكبر” و”الكبير”:
1- الذي تكبّر عن كل سُوءٍ وشرٍّ وظلم.
2- الذي تكبّر وتعالى عن صفات الخَلق فلا شيءَ مثله.
3- الذي كبّر وعظم؛ فكلّ شيءٍ دُون جلاله صغيرٍ وحقير.
4- الذي له الكِبْرياء في السّموات والأرض؛ أي: السّلطان والعَظَمة.
من آثار الإيمانِ باسم الله “المتكبر” و”الكبير”:
1- إنَّ الله أكبرُ مِنْ كلّ شيء، وأكبرُ من أنْ يُعرف كُنه كبريائه وعَظَمته؛ وأكبر مِنْ أنْ نُحيط به علماً. قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (طه: 110)، فالله جلّت عظمتُه أكبر مِنْ أنْ نعرف كيفية ذاته أوصفاته، ولذلك نُهينا عن التَّفكر في الله؛ لأننا لنْ نُدْرك ذلك بعقولنا الصغيرة القاصرة المَحْدودة، فقد قال ﷺ:” تَفَكّرُوا في آلاءِ اللهِ، ولا تَفَكروا في اللهِ عزّ وجل.
وقد وقع الفلاسفة في ذلك؛ وحاولوا أنْ يُدركوا كيفية وماهية ربّهم؟! وأسْمائه وصفاته بعقولهم؟! فتاهوا وضلُّوا ضلالاً بعيداً، ولم يجنوا سِوى الحَيْرة والتخبط؛ والتناقض فيما سَطَروه من الأقوال والمعتقدات.
ومَنْ أرادَ معرفة ربّه وصِفَاته؛ فعليه بطريق الرسول ﷺ؛ لأنه أعلمُ الخلق بالله وصفاته، فعليه أُنْزل الكتاب العزيز، الذي لا تكاد الآية منه؛ تخلو من صفةٍ لله سبحانه، سواء كانت ذاتيةً أو فعلية أو اسْماً مِنْ أسْمائه الحسنى، وعليه أيضاً أُنزلت السُّنة الشارحة والمفصّلة للكتاب، فطريقه ﷺ هو الطريقُ الأسْلم؛ ومنْهجُه هو المَنْهج الأقوم، فمن اتّبعه كان من النَّاجين. وفي الحَديث الصحيح: أنّ الفرقة النَّاجِية هي:” ما كانَ عليه هو وأصْحابه” رضوان الله عليهم أجمعين؛ في المُعْتقد والعِبَادة والسُّلوك.
2- إنَّ التَّكبّر لا يَليقُ إلا به سبحانه وتعالى، فصفة السّيد: التكبر والترفع، وأما العبد فصفته: التذلل والخشوع والخضوع. وقد توعّدَ الله سبحانه المُتَكبرين بأشدّ العذاب يوم القيامة، قال تعالى: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) (الأحقاف: 20). وقال: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ) (الزمر: 60). واسْتكبارهم هذا: هو رفْضُهم الانقياد لله ولأوامره، ورفْضهم عبادةَ ربهم، كما قال تعالى: (إنَّهٍمً كّانٍوا إذّا قٌيلّ لّهٍمً لا إلّهّ إلاَّ الله يّسًتّكًبٌرٍونّ) (الصافات: 35)، فرفضوا الإذْعان لكلمة التوحيد وقوله سبحانه: (أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ) (الجاثية: 31). يُبيّن أنهم رفضوا الحق الذي جاءت به الرسل؛ وردّوه ولم يَقْبلوه.
وقوله سبحانه: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (الشعراء: 111). يُبيّن أنهم احْتقروا أتباع الرسل؛ لكونهم مِنْ ضَعَفة الناس وفُقرائهم، فلم يَدْخلوا في جماعتهم، ولم يشاركوهم في الإيمان بما جاءت به الرسل. وكان الكِبْر سبباً للطّبع على قلوبهم؛ فلم تعدْ تَعْرف معروفاً، ولا تُنْكر منكراً. قال تعالى:(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر: 35). فالحاصل أنَّ الكِبر كان سَبباً في هلاك الأمم السابقة، بل كان السبب في هلاك إبليس عليه لعنة الله؛ وطَرْده مِنْ رحمة الله؛ فإنه أبَى أنْ يَسْجد لآدم عليه السلام، واسْتكبرَ على أمْرِ ربّه سبحانه، قال تعالى: (إلا إبْليسَ أبى وّاسًتّكًبّرّ وّكّانّ مٌنّ الكّافٌرٌينّ) (البقرة: 34).
3- ولا يكادُ يَخْلو طاغيةٌ في الأرض؛ ومتمرِّد على أمر الله؛ من هذا المَرض العُضال، الذي كثرت فيه الآيات والأحاديث المُحذِّرة منه، والآمرة بالتَّواضع. ودواؤُه أنْ يتذكّر العبد دوماً؛ أنه: لا حولَ له ولا قُوة إلا بربّه، وأنَّ الله هو الكبيرُ المُتَعال على الخلق أجمعين، القادرُ على الانْتقام مِنَ الأقْوياء للضُّعفاء والمساكين؛ كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء: 34).
أي: والنِّساء اللاتي تَتَخوّفون أنْ يَعْصينَ أزواجهن؛ فذكِّروهنَّ بالله وعقابه، فإنْ هي رجعت وإلا هَجَرها، فإنْ أقبلتْ؛ وإلا ضَربها ضَرَباً غير مُبَرِّح، قوله: (إنَّ اللَّهّ كّانّ عّلٌيْا كّبٌيرْا) تهديدٌ للرجال؛ إذا بَغَوا على النساء مِنْ غير سببٍ، فإنّ الله العليّ الكبير وليّهن، وهو مُنْتقم مِمن ظلمهن؛ وبَغَى عليهن.
فذكّر الله الرجال بأنه هو العَلِي الكبير؛ ليُحذّرهم مِنَ الظُّلم والتَّكبر والطغيان؛ على المرأة الضعيفة.
4- والكِبْر يمنع أيضاً من طلب العلم والسُّؤال عنه، لأنّ المُتكبّر يَترفّع عن الجلوس بين يدي العالم للتعلّم؛ ويرى أنّ في ذلك مَهانةً له، ويُؤثر البقاء على الجهل؛ فيجمع بين الكبر والجهل، بل قد يُجادل ويناقش ويخوض في المَسَائل بدون علم، حتى لا يُقال: إنه لا يعلم؛ فيصغر عند الناس، قال تعالى ذكره: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) (الحج:9).
أي: ومَنْ الناس مَنْ يُجادل في الله بغير عِلْم صحيحٍ؛ ولا نقلٍ صَريح، بل بمجرّد الرأي والهَوى، وإذا دُعي إلى الحق ثنى عطفه، أي: لوى رقبته مُستكبراً عما يُدْعى إليه من الحقّ؛ كقوله تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) (لقمان: 18).
فأخبر تعالى أنّ له في الدنيا الخِزْي، وهو الإهْانة والذُّل، لأنه اسْتكبر عن آيات الله، فجُوزي بنقيض قَصْده، وله في الآخرة عذابُ النَّار المُحْرقة. ونحوه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (غافر: 56).
وقد ذمَّ السَّلفُ الكِبْر في العِلم؛ فمن أقوالهم: مَنْ أُعْجِبَ برأيه ضلّ، ومَنْ اسْتَغْنى بعَقله زلَّ، ومَنْ تكبَّر على الناسِ ذَلَّ، ومَنْ خَالطَ الأنْذال حَقُر، ومَنْ جَالسَ العُلماء وَقُر.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سألتُ الفضيل بن عياض عن التّواضع؟ فقال: أنْ تَخْضعَ للحقّ؛ وتَنْقادَ له مِمْن سمعتَه منه، ولو كان أجْهل الناس؛ لَزِمك أنْ تقبله منه. وقال سعيد بن جبير: لا يزالُ الرجلُ عالماً ما تعلَّم، فإذا ترك التَّعلم، وظنّ أنه قد اسْتغنى، واكتفى بما عنده؛ فهو أجْهل ما يكون ! ونبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، لم تَمْنعه منزلةُ النُّبوة؛ مِنْ أنْ يطلب العلم مِمن هو دُونه، فقال للخَضِر عليه الصلاة والسلام: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (الكهف: 66).
ولم يزلْ علماء السلف يَسْتفيدون مِنْ طَلَبتِهم؛ ما ليس عندهم. قال الحُميدي وهو تلميذُ الشافعي: صحبتُ الشافعي من مكة إلى مصر؛ فكنتُ أستفيدُ منه المسائل، وكان يستفيدُ منِّي الحديث. وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي: أنتم أعلمُ بالحديث منّي، فإذا صحَّ عندكم الحديث، فقُولوا لنا؛ حتى آخذ به.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.