معنى “ذو الفضل” في اللغة:
الفَضْلُ والفضيلةُ: خلاف النقص والنَّقيصة. والإفضال: الإحسان. وأفضلَ عليه وتفضَّل، بمعنى. والفواضلُ: الأيادي الجميلة. وقال الراغب الأصبهاني: الفضل: الزيادةُ عن الاقتصار.
اسم الله “ذو الفضل” في القرآن الكريم:
ورد اثنتي عشرة مرةً في الكتاب، منها: قوله سبحانه: (وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة: 105). وقوله: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال: 29).
معنى “ذو الفضل” في حق الله تبارك وتعالى:
قال ابن جرير: وأما قوله: (وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال: 29): فإنه خبرٌ من الله جلَّ ثناؤه؛ عنْ أنَّ كلَّ خيرٍ ناله عباده؛ في دينهم ودنياهم، فإنه مِنْ عنده ابتداءً وتفضُّلاً منه عليهم، من غير استحقاق منهم ذلك عليه، وفي قوله: (وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة: 105) تعريضٌ من الله تعالى ذكره بأهل الكتاب، أنَّ الذي آتى نبيه محمداً ﷺ؛ والمؤمنين به من الهداية: تفضلاً منه، وأنَّ نِعَمَه لا تُدْرك بالأماني، ولكنها مواهب منه؛ يختصُّ بها مَنْ يشاء مِنْ خَلقه.
وقال الحُليمي: ومنها (ذو الفضل): وهو المُنْعِم عما لا يلزمه.
وقال القرطبي بعد ذكره لمعنى الاسم لغة: فالله سُبحانه ذو الفضل العظيم، والإحسان العميم، أعطى خَلقه مالا يلزمه، وتفضَّل عليهم بما لا يجب عليه، فسبحانه مِنْ كريمٍ رؤوفٍ رحيم، تفضَّل على جميع خَلْقه بنعمته، وعلى المؤمنين بدار كرامته (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) (إبراهيم: 34).
من آثار الإيمان باسم الله “ذو الطول” و”ذو الفضل”:
1- إنَّ الله تعالى موصوفٌ بالطَّول والفَضْل والإحْسَان إلى عباده، والقُدرة على ذلك، لا يمنعه مانع من إيصال فضله ونعمته إلى مَنْ يشاء (وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس: 107)؛ وقال: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر: 2). بل الفضل كلُّه بيده سبحانه؛ يعطي من يشاء فضلاً، ويَمْنع من يشاء عدلاً: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (آل عمران: 73- 74 ). وقال: (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد: 29).
2- إن الله تبارك وتعالى مُتفضِّلٌ على عباده بأنواع النِّعَم، مِن غير سؤالٍ منهم، ولا اسْتحقاق لها، بل كلُّ ما عندهم من نِعَم الدّين والدُّنيا، فهو مِنْ الله تعالى فضلٌ وكرمٌ وإحسانٌ، حتى الكافر يتقلَّب في فضل الله ورحمته في الدنيا، قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251).
فمِن فضله على عباده المؤمنين؛ أنه يُنجّيهم مِنْ أعدائهم وكيدهم ومكرهم، إذا توكَّلوا عليه، ووثقوا بقُوته وقُدْرته ونصره، كما حَصَل للنبي ﷺ وأصحابه؛ لما خوَّفهم الناس بالمشركين وعددهم؛ فقالوا: (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: 173). قال تعالى بعد ذلك: (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: 174).
ومِنْ فضله على عباده: تثبيته لهم على هذا الدِّين، وعِصمته لهم من الزَّيغ والخذلان؛ واتباع الشيطان، قال سبحانه: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء: 83). وقال لنبيه ﷺ: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (النساء: 113).
ومِنْ فضله على عباده: تركه مُعاجلة العصاة؛ والكفار والمنافقين؛ بالعقوبة في الدنيا، وإمْهالهم إلى يوم القيامة، وبهذا فسَّر ابن جرير هذه الآية: (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ) (يونس: 60). وقال سبحانه عن الذين خاضوا في حديث الإفك: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور: 14).
ومِنْ فضله: تنوير بصائر مَنْ اتقاه، وتكفيره لسيئاته؛ ومغفرته لذنوبه؛ وتزكيته لنفسه، قال سبحانه: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال: 29). وقال: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور: 21). وإعطاؤهم فوق ما يستحقون من ثواب؛ زيادةً وفضلاً (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) (النساء: 173). وقال: (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ) (النور: 38).
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي