معنى “الملك” “المالك” “المليك”:
المُلك: معـروف، وهو يذكر ويؤنث كالسُّلطان، ومُلك الله تعالى وملكوته: سُلطانه وعظمته وعزته.
والْمَلْك والْمَلِك والْمَليك والْمَالك: ذو المُلك.
قال ابن سيده: المَلك المُلك والمِلك: احتواء الشيء؛ والقُدرة على الاسْتبداد به.
والملكوت مختص بمِلك الله تعالى، وهو مصدر مَلَك؛ أدخلت فيه التاء نحو جبروت ورهبوت ورحموت، قال تعالى:(أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (الأعراف: 185).
اسم الله “الملك” و”المالك” و”المليك” في القرآن العظيم:
ورد”المَلك” في القرآن خمسَ مرات؛ منها:
قوله تعالى:(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) (طه: 114).
وقوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ) (الحشر: 23).
وقوله تعالى: (مَلِكِ النَّاسِ) (الناس: 2).
ورود المالك مرتين:
في قوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة: 4).
وقوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) (آل عمران: 26).
وأما المليك: فلم يرد إلا مرةً واحدة:
في قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (القمر: 54 – 55).
معنى “الملك” “المالك” “المليك” في حَقّ الله تبارك وتعالى:
قال الزجاج:” وقال أصحاب المعاني: المَلك، النافذ الأمر في مُلْكه، إذْ ليس كلُّ مالكٍ يَنْفذ أمرُه؛ أو تَصرّفه فيما يملكه.
فالمَلِك أعمُّ من المَالك، والله تعالى مالك المَالكين كلِّهم، وإنّما اسْتفادوا التصرّف في أملاكهم من جهته تعالى” اهـ .
وقال ابن جرير: المَلِكُ الذي لا مَلكَ فوقه؛ ولا شيءَ إلا دونه.
قال ابن كثير: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ) (الحشر: 23). أي: المَالكُ لجميع الأشياء؛ المُتصرّفُ فيها بلا ممانعةٍ ولا مدافعة.
وما ذكروه مِنْ ثُبُوت الملكية المُطلقة لله وحده لا شريك له، وأنّ له كمال التَّصرّف والقُدْرة في ملكه؛ ظاهر جداً في القرآن، كقوله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الشورى: 49). وقوله: (قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الزمر: 44). وقوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك: 1). وقوله: (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحديد: 2).
فذكر ملكه العظيم الشاسع، ثم ذكر قُدرته التامّة في مُلْكه، وأنه لا يُعْجزه شيء. وكقوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255) أي: لا يثْقلُ عليه، ولا يعجزه حِفْظ هذا الملك العظيم. أما الناسُ؛ فقد تَمْلكُ مع العَجْز عن التصرّف، كأن يكون المَالك صَبياً أو مجنوناً، ووليّهما لا مُلك له؛ مع أنَّ التصرّف ثابتٌ له.
أيهما أبْلغُ : المَلِكُ، أو المَالك ؟
قال الشَّوكاني: وقد اختلفَ العلماء: أيهما أبْلغ مَلِك أو مالك؟ فقيل: إنّ مَلك أعمّ وأبلغ، إذْ كلُّ مَلِكٍ مالكٌ، وليس كلّ مالكٍ مَلِك، ولأنّ أمر المَلك نافذٌ على المالك في مُلكه؛ حتى لا يَتَصرّف إلا عن تدْبير المَلك. قاله أبو عُبيد والمبرد، ورجّحه الزمخشري.
وقيل: مالكٌ أبْلغ؛ لأنّه يكون مالكاً للناس وغيرهم، فالمَالك أبلغ في مَدْح الخَالق من مَلك، ومَلِك أبلغ في مَدْح المَخلوقين مِنْ مالك، لأنّ المَالك مِنَ المخلوقين؛ قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مَالكاً كان مَلِكا. واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي.
ثم قال الشوكاني:”والحقّ أنَّ لكلِّ واحدٍ من الوصفين؛ نوع أخصيّة لا يوجد في الآخر، فالمالك يَقْدر على مالا يقدر عليه المَلِك من التصرّفات، بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها، والمَلِك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك؛ مِنَ التصرفات العائدة إلى تدبير المُلك وحياطته، ورعاية مصالح الرعية، فالمَالك أقْوى من الملك في بعض الأمور، والمَلِك أقوى من المالك في بعض الأمور، والفَرْق بين الوصفين بالنسبة إلى الربّ سبحانه: أنّ الملك صفة لذاته، والمالك صفة لفعله. اهـ
من آثارُ الإيمان باسم الله “الملك” و “المالك” و “المليك”:
1- إن المُلْك الحقيقي لله وحده؛ لا يشركه فيه أحدٌ، وكلّ مَنْ مَلَكَ شيئاً؛ فإنما هو بتمليك الله له، كما قال ﷺ:” لا مَالك إلا الله”؛ وفي رواية:” لا مَلِك إلا الله”. وقد يُسمى بعض المخلوقين مَلكاً، إذا اتّسع ملكه، إلا أنّ الذي يستحقّ هذا الاسم؛ هو الله جل وعزّ لأنه مالك الملك، وليس ذلك لأحدٍ غيره، يُؤتى المُلك مَنْ يشاء، وينزع المُلك ممن يشاء، ويعز مَن يشاء؛ ويذلُّ مَنْ يشاء بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. فالمخلوقات لا تملك شيئاً، وقد أنكر تعالى على المشركين؛ الذين عبدوا هذه المخلوقات؛ التي هي مثلهم في الضعف والعبودية لله تعالى، وأنَّها لا تَمْلك من السماوات والأرض شيئاً، ولا مثقال ذرّة، ولا تنفع أحداً ولا تضرّه. قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ) (النحل: 73). وقال سبحانه: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (المائدة: 76).
وقال سبحانه: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ) (سبأ: 22). وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) (فاطر: 13). فالله تبارك وتعالى هو المَالك لخَزائن السّماوات والأرض، بيدِه الخير، يَرزق مَن يشاء، وهو المَالك للموت والحياة والنُّشُور، والنّفع والضّر؛ وإليه يرجع الأمر كلّه، فهو المَالك لجميع الممالك، العُلوية والسُّفلية، وجميع مَنْ فيهما مَماليك لله؛ فقراء مُدبّرون.
وهو سبحانه كلّ يومٍ هو في شأن؛ يتصرّف في ملكوته كيف يشاء، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: عن النَّبي ﷺ في قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن: 29). قال:” مِنْ شَأنِه أنْ يَغفر ذنباً، ويُفرّج َكرباً، ويَرفعَ قوماً، ويَخْفضَ قوماً آخرين”.
وقال تعالى: (يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 247). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:” لا تَسُبّوا الدَّهْر، فإنَّ الله عزّ وجلّ قال: أنا الدَّهْر، الأيامُ والليالي لي، أُجَدّدها وأبْلِيها، وآتي بمُلوكٍ بعدَ ملوك”.
ولكنْ مِنَ الناس مَنْ يطغى؛ ويظنّ أنه المَالك الحقيقي، ويَنسى أنه مُستخلف فقط؛ فيما آتاه الله من مُلكٍ ومال وجاه وعقار، فيتكبّر ويتجبّر؛ ويظلم الناسَ بغير حقّ،كما حكى الله سبحانه عن فرعون عليه لعنة الله، الذي نَسَى نفْسه وضعفها، وزعم لنفسه المُلك بل والألوهية؟! قال تعالى عنه: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الزخرف: 51). وهذا كقوله تعالى: (فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (النازعات: 23-24).
ودعا قومه إلى هذه الضّلالة الكبْرى؛ فاسْتجابوا له فعاقبهم اللهُ جميعاً، قال تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (الزخرف: 54 – 56). وقال:(إنَّ في ذلكَ لعِبرةً لمنْ يَخْشى) (النازعات: 26). فإهْلاك اللهِ سبحانه لفرعون وقومه؛ عبرةٌ لكل ظالمٍ مُتكبّر مِنْ ملوك الأرض، تفرعن على الناس فيما آتاه الله من مُلك، وظنّ أنه مُخلّد، ونَسِي أنّ مُلْكه زائلٌ؛ وأنّ إقامته في مُلكه مُؤقتة، وأنّ الموت مُدْركه لا مَحَالة، قال تعالى مُنَبّهاً عباده إلى ذلك: (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ٍ) (المائدة: 18).
2- وإذا كان المُلك المُطْلق؛ إنما هو لله وحْده لا شريكَ له، فالطاعة المُطْلقة؛ إنما هي له وَحْده لا شريك له، لأنّ مَنْ سُواه مِنْ ملوك الأرض؛ إنما هم عبيدٌ له؛ وتحتَ إمرته. فلا بدّ من تقديم طاعة المَلِك الحقّ؛ على طاعةِ مَنْ سواه، وتقديم حُكمه على حُكم غيره، لأنّ طاعته سبحانه أوجب مِنْ طاعة غيره، بل لا طاعةَ لأحدٍ إلا في حُدود طاعته، أما في معصيته؛ فلا سمعَ ولا طاعة.
3- حُرْمة التّسمّي بــ” مَلِك المُلـوك”:
وقد ورد ذلك في الحديث المتفق عليه: حديث سفيان بن عينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:” أخْنَعُ اسمٍ عندَ الله – وقال سفيان غير مرة: أخْنعُ الأسْماء عند الله – رجلٌ تسمّى بمَلِك الأمْلاك. وفي رواية:” أخْنَى الأسْماء يوم القيامة…
قال سفيان: يقول غيره – أي غير أبي الزناد – تفسيره: شَاهَان شاه.
ومعنى” أخْنَع”: أوْضع اسم، وأذلّه. قال أبو عبيد: الخانع الذَّليل، وخَنَع الرجل ذلّ. قال ابنُ بطّال: وإذا كان الاسمُ أذلّ الأسْماء، كان مَنْ تسمّى به؛ أشدّ ذُلاً. ومعنى أخْنَى: أي أفْحَش اسمٍ، مِنَ الخَنَا؛ وهو الفُحْش في القول. وجاء في رواية مسلم:” أغيظُ رجلٍ على الله يومَ القيامةِ، وأخْبثُه وأغْيظه عليه”.
قال الحافظ ابن حجر: واسْتُدلّ بهذا الحديث؛ على تحريم التَّسمّي بهذا الاسْم، لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه؛ مثل: خَالق الخَلْق، وأحْكم الحاكمين، وسُلطان السّلاطين، وأمير الأمراء.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده: من حديث أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله ﷺ:” اشْتدَّ غَضَبُ الله؛ على مَنْ زعمَ أنه: ملكُ الأمْلاك، لا ملك إلا الله”. قال المُناوي في شرحه:” أي مَنْ تسمّى بذلك؛ ودُعي به؛ وإنْ لم يَعتقده؛ فإنّه لا ملك في الحقيقة إلا الله، وغيره وإنْ سُمي مَلكاً أو مالكاً؛ فإنما هو بطريق التجوّز، وإنما اشتدّ غضبُه عليه لمنازعته لله في رُبوبيته وألوهيته، فهو حَقيقٌ بأنْ يمقته عليه؛ فيُهينه غايةَ الهوان، ويُذله غايةَ الذّل، ويجعله تحتَ أقدام خَلْقه، لجُرأته وعدم حَيائه في تشبّهه به؛ في الاسْم الذي لا ينبغي إلا له، فهو مَلِكُ المُلوك وحْده؛ حاكم الحُكّام وحده، فهو الذي يَحكم عليهم كلّهم لا غيره” اهـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ولما كان المُلك الحقّ لله وحْده، ولا مَلكَ على الحقيقة سواه، كان أخْنَع اسمٍ وأوْضعه عند الله، وأغْضبه له اسم” شَاهان شاه” أي: ملكُ الملوك، وسُلْطان السلاطين، فإنَّ ذلك ليس لأحدٍ غير الله، فتَسميةُ غيره بهذا مِنْ أبطلِ الباطل، والله لا يحبُّ الباطل.
وقد ألْحَقَ بعضُ أهل العلم بهذا:” قَاضي القُضاة”؛ وقال: ليس قاضي القضاة؛ إلا مَنْ يقضي الحقَّ، وهو خيرُ الفَاصلين، الذي إذا قَضَى أمراً؛ فإنّما يقول له: كُنْ فيكون.
4- الله سُبحانه مالك يوم الدين وملكـه:
فالمُلك في ذلك اليوم العظيم لله وحده، لا يُنازعه فيه أحدٌ من ملوك الأرض وجبابرتهـا، قال تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة: 4).
وقال تعالى: (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ) (الأنعام: 73). وقال تعالى: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) (الحج: 56). وقال تعالى: (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (غافر: 16).
- وقد جاء ما يبين ذلك من السُّنة الشّريفة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسولُ الله ﷺ:” يَقْبضُ اللهُ تبارك وتعالى الأرضَ يومَ القيامةِ؛ ويَطْوي السَّماءَ بيمينه؛ ثم يقول: أنا المَلِكُ، أين مُلوك الأرْض”.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:” يَطْوي اللهُ عزّ وجل السَّماوات يومَ القيامة؛ ثم يَأخذُهنّ بيدِه اليُمنى؛ ثم يقول: أنا المَلكُ؛ أين الجبَّارون؟ أين المُتَكبرُون؟ ثم يَطْوي الأرْضين بشَماله؛ ثم يقول: أنا المَلِكُ، أين الجبَّارُون؟ أين المُتكبرُون؟. فهل يُجيبه أحدٌ من طُغاة الأرض وفراعنتها؟ كلا؛ بل الجميعُ خَاشعُون خَاضعون صامتون؛ قال سبحانه: (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (طه: 108). ومِنَ الرَّحمة للخَلق، أنّ الله سبحانه هو الملك الوحيد يوم القيامة، لأنّه الذي يُحَاسب بالعَدل؛ ولا يَظلم ولا يجور (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (فصلت: 46). وقال: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) (الأنبياء: 47).
وقال: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) (الفرقان: 26). فلما أثبتَ لنَفْسه المُلك، أرْدفه بأنْ وَصَفَ نفْسه بكونه رحْماناً، ليدلّ على زوال الخَوف؛ وحُصُول الرحمة. ” وهذه الآيات: دالةٌ على أنّ الـمُلْك لا يَحسُن؛ ولا يكمل إلا مع الإحْسان والرحمة، فيا أيها الملوك اسْمعوا هذه الآيات، وارْحَموا هؤلاء المَساكين، ولا تَطْلبوا مرتبةً زائدة في المُلك؛ على ملك الله تعالى” اهـ
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.