معنى “الجميل” في اللغة:
الجمال : الحُسُنُ . والجمال : مصدر الجميل ، والفعل : جَمُلَ .
وقوله عز وجل : ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل : 6] أي : بهاءٌ وحسن .
قال ابن سيده : الجمال : الحسن ، يكون في الفعل والخَلْق وقد جَمُل الرجل بالضم جمالاً فهو جميل وجُمَالٌ وجُمَّال .
اسم الله “الجميل” في السنة النبوية:
روى عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال :” لا يَدْخلُ الجنَّة مَنْ كان في قلبه مِثْقالَ ذرَّةٍ من كِبْرٍ” قال رجل : إنَّ الرجل يُحب أن يكون ثوبهُ حَسَنًا ونَعْله حسنًا ، قال : ” إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال ، الكِبر بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس ” .
معنى “الجميل” في حق الله تبارك وتعالى:
قال النووي : وقوله ﷺ : ” إن الله جميل يحب الجمال ” اختلفوا في معناه ، فقيل إن معناه : أن كلَّ أمره سبحانه وتعالى حسن جميل ، وله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال . وقيل : جميل بمعنى : مُجْمِل ، ككريم وسميع بمعنى : مكرم ومسمع .
وقال الإمام أبو القاسم القشيري رحمه الله : معناه : جليل وحكى الإمام أبو سليمان الخطابي أنه بمعنى : ذي النور والبهجة أي مالكهما . وقيل معناه : جميل الأفعال بكم باللُّطفِ والنَّظر إليكم ، يُكلّفكم اليسير من العمل و يعين عليه ، ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه .
وأول كلام الخطابي : الجميل هو المُجْمِل المُحْسِن ، فعيل بمعنى مفعل . وقال الحليمي : ومنها : الجميل : وهذا الاسم في بعض الأخبار عن النبي ﷺ ومعناه : ذو الأسماء الحسنى ، لأن القبائح إذا لم تَلِقْ به ، لم يجز أن يشتق اسمه من أسمائها ، وإنما تشتق أسماؤه من صفاته التي كلها مدائح ، والأفعال التي أجمعها حكمه .
وقال ابن الأثير : ( إن الله تعالى جميل ) أي حسن الأفعال ، كامل الأوصاف .
وقال ابن القيم : وهو الجميلُ على الحقيقةِ كيف لا وجـــــــــــمال سائر هذه الأكوان من بعض آثـــار الجميل فربهــــــا أَولى وأجـــــدر عند ذي العرفان فجماله بالذات والأوصاف وال أفعـــال والأسمــــاء بالبرهـــــــان لا شيء يشبه ذاتـــــه وصفاتـــــه سبحانـــه عن إفـــك ذي البهتـان.
من آثار الإيمان باسم الله “الجميل”:
1- أن الله تعالى هو الجميل على الحقيقة بلا كيف نعلمه ، وجماله بالذات والأوصاف والأسماء والأفعال ، لاشيء يماثله في ذلك كما قال سبحانه عن نفسه : ﴿ لَيسَ كَمِثْلِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى : 11] وقال سبحانه :﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾[ مريم : 65] قال القاضي أبو يعلى الفراء رحمه الله تعالى بعد أن ذكر حديث ابن مسعود السابق “إن الله جميل” : اعلم أنه غير ممتنع وصفه تعالى بالجمال وأن- ذلك صفة راجعة إلى الذات ، لأن الجمال في معنى الحسن ، وقد تقدم في أول الكتاب قوله : “رأيتُ ربِّي في أحسن صورة” وبينا أن ذلك صفة راجعة إلى الذات كذلك هاهنا ، ولأنه ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه لأن طريقه الكمال والمدح ، ولأنه لو لم يوصف بالجمال جاز أن يوصف بضده وهو القبح ، ولما لم يَجز أن يُصف بضده ؛ جاز أن يوصف به ، ألا ترى أناَّ وصفناه بالعلم والقدرة والكلام لأن في نفيها إثبات أضدادها وذلك مستحيل عليه ، كذلك ها هنا .
فإن قيل : قوله : ’جميل‘ بمعنى : مجمل من شاء من خلقه ، لأن فعيل قد يجيء على معنى : مفعل ، ومنه قولنا : حكيم والمراد محكم لما فعله .
قيل : هذا غلط ، لأن الخبر ورد على سبب ، وهو الحث لهم على التجمل في صفاتهم لا على معنى التجميل في غيرهم فكان مقتضى الخير: إنّ الله جميل في ذاته يحب أن تتجملوا في صفاتكم ، فإذا حمل الخير على فعل التجميل في الغير ، عدل بالخير عماّ قصد به .
فإن قيل : معنى الجمال ها هنا الإحسان والإفضال ،فيكون معناه : هو المظهر النعمة والفضل على من شاء من خلقه برحمته .
قيل : هذا غلط لأنه قد ذكر الجمال والإحسان والإفضال فقال : ” جميل يحب الجمال ، وجواد يحب الجود ، وكريم يحب الكرماء ” فإذا حملنا الجمال على ذلك حمل اللفظ على التكرار وعلى ما لا يفيد .
وجواب آخر : وهو أن نعم الله ظاهرة ، فحمل الخير على هذا يسقط فائدة التخصيص بالجمال . فهو سبحانه الأجمل والأحسن في سائر صفات الكمال ، وصفاته كلها كمال جل وعلا .
قال ابن جرير في قوله تعالى : ( وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى ) [ النحل: 60] : وهو الأفضل والأطيب والأحسن والأجمل ، وذلك التحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره .
2- الله تبارك وتعالى هو مجمل من شاء من خلقه ، واهب الجمال والحسن لمن شاء ، كما مر معنا قول ابن القيم رحمه الله إذ يقول : وهو الجميل على الحقيقة كيف لا وجمال ســـائر هذه الأكــــوان مـــن بعض آثـــار الجميل فربهــــا أولى وأجدر عند ذي العرفان وقد نبه الله تعالى النــاس إلى ذلك في آيات كثيــرة ، فقــال سبحانه : ( أمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) ، [ النمل : 60] وقال سبحانه : ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) [ الكهف : 7] . فالله سبحانه هو الذي زين الأرض وجملها بأنواع الحدائق والبساتين والأشجار والأزهار والخضرة ، ذات البهجة والحسن والجمال ، بحث أن الناظر إليها يبتهج وتفرح نفسه بها ، وينشرح صدره بسببها .
ومثله قوله سبحانه عن الأنعام : (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تُسْرَحُونَ) [النحل : 6] . أي في الأنعام جما وزينة في أعين الناس ، لحسن صورتها وتركيبها ، وتناسق أعضائها وتناسبها . وهو أيضا جل وعلا يمتن على بنى آدم بذلك إذ يقول : ( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ -6- الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَالَكَ -7- فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ ) [ الانفطار : 6- 8 ] .
وقال سبحانه : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) [ التين : 4] . فقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن صورة وأجمل تقويم ، وهم أيضا متفاوتون في هذا الحسن والجمال ، فقد أعطي يوسف عليه الصلاة والسلام شطر الحسن كما قال ﷺ ولما رأته النسوة ( أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) [ يوسف : 31] .
3- وقد أعطي نبينا ﷺ من ذلك حظا وافرا ، تناسب الأعضاء ، وتناسقها ، وجمال الوجه واستدارته واستنارته ، وحسن القوام وربعته ، ولين الكف وطيب رائحته ، وغير ذلك مما جاء في وصفه . فعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت أنس بن مالك يصف النبي ﷺ : ” كان ربعة من القوم ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، أزهر اللون ، ليس بأبيض أمهق ولا آدم ، ليس بجعد قطط ولا سبط رجل …. ” .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : ” كان رسول الله ﷺ أحسن النــاس وجها ، وأحسنه خلقا ، ليس بالطويل البائــن ولا بالقصير ” . وعنه : ” كان النبي ﷺ مربوعا بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنيه ، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه ” .
وسئل رضي الله عنهما : ” أكان وجه النبي ﷺ مثل السيف ؟ قال : ” لا ، بل مثل القمر ” .
4- وكان مع ذلك من أحسن الناس أخلاقا : سماحة وشجاعة ، وحلما وكرما ، ورحمة وشفقة ، وصلة وبرا ، كما وصفته خديجة رضي الله عنها بقولها : ” إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ” .
وعن أنس رضي الله عنه قال : ” خدمت رسول ﷺ عشر سنين والله ما قال لي : أفا قط ، ولا قال لي لشيء : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ” . وقال : ” كان رسول ﷺ أحسن الناس خلقا ” .
وقال : ” كان رسول ﷺ أحسن الناس ، وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ” .
وعن ابن عمرو قال : لم يكن رسول الله ﷺ فاحشا ولا متفشحا وأنه كان يقول : إن خياركم أحسنكم أخلاقا ” .
قال الراغب : الجمال : الحسن الكثير ، وذلك ضربان :
أحدهما : جمال يختص به الإنسان في نفسه أو بدنه أو فعله.
والثاني : ما يوصل منه إلى غيره . وعلى هذا الوجه ما روي عنه ﷺ أنه قال : ” إن الله جميل يحب الجمال ” تنبيها أنه منه تفيض الخيرات الكثيرة فيحب من يختص بذلك . فسبحان من جمع لرسوله ﷺ بين كمال الخلق والخلق .
5- وقد أمر الله تعالى بملازمة كل خلق جميل ، وأوصى نبيه ﷺ وأمته بذلك في آيات عديدة . فقال سبحانه : ( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً ) [ المعارج : 5] أي صبرا لا شكوى فيه لأحد غير الله تعالى وذلك في مقابل استهزاء الكفار ، وعدم إيمانهم بما يدعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم ا لآخر . و
قال سبحانه : ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً ) [ المزمل : 10] أي اصبر على ما يقول المشركون وعلى أذاهم واهجرهم في الله هجرا جميلا ، أي : لا عتاب معه ، وقيل : لا جزع فيه ، وقيل الهجر في ذات الله كما قال عز وجل : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [ الأنعام : 68] . ومثلها قوله تعالى : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) [ الحجر : 85] .
وقال عز وجل لنبيه ﷺ ( ياَ أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً ) [ الأحزاب : 28] . وقال في السورة نفسها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً) [ الأحزاب : 49] . أي طلقوهن طلاقا خاليا من الأذى ، وعاريا عن منع الحقوق الواجبة ، وهذا هو السراح الجميل الذي يحبه الله عز وجل ورسوله ﷺ ويأمر به الله ورسوله ﷺ
6- الله سبحانه يحب التجمل في غير إسراف ولا مخيلة ، ولا بطر ولا كبر ، كما جاء في الحديث السابـق ” إن الله جميل يحب الجمال ” وقد قاله ﷺ جوابا لمن قال له : ” إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ” وبين أن مجرد فعل ذلك ومحبته لا يدخل في الكبر المذموم . و “…. الجنة دار المتواضعين الخاشعين لا دار المتكبرين الجبارين ، سواء كانوا أغنياء أو فقراء ، فإنه قد ثبت في الصحيح أنه ” لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ” فقيل : يا رسول الله ! الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذاك ؟ فقال : ” لا ، إن الله جميل يحب الجمال ، ولكن الكبر بطر الحق وغمط الناس ” .
فأخبر ﷺ أن الله يحب التجمل في اللباس الذي لا يحصل إلا بالغنى ، وأن ذلك ليس من الكبر . وفي الحديث الصحيح : ” ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : فقير مختال ، وشيخ زان ، وملك كذاب” . وكذلك الحديث المروي: ” لا يزال الرجل يذهب بنفسه، ثم يذهب بنفسه، ثم يذهب بنفسه، حتى يكتب عند الله جبارا، وما يملك إلا أهله” فعلم بهذين الحديثين : أن من الفقراء من يكون مختالا ، لا يدخل الجنة ، وأن من الأغنياء من يكون متجملا غير متكبر، يحب الله جماله ، مع قوله ﷺ في الحديث الصحيح : ” إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ” .
ومن هذا الباب قول هرقل لأبي سفيان : أفضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم ؟ قال : بل ضعفاؤهم ، قال : وهم أتباع الأنبياء ، وقد قالوا لنوح : ( أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ ) [ الشعراء : 111] فهذا فيه أن أهل الرئاسة والشرف يكونون أبعد عن الانقياد إلى عبادة الله وطاعته ، لأن حبهم للرئاسة يمنعهم ذلك بخلاف المستضعفين ، وفي هذا المعنى الحديث المأثور- إن كان محفوظا – ” اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين ” . فا المساكين ضد المتكبرين ، وهم الخاشعون لله ، المتواضعون لعظمته ، الذين لا يريدون علوا في الأرض ، سواء كانو أغنياء أو فقراء.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.