معنى “ذو الجلال والإكرام” في اللغة:
جلَّ الشيءُ يجلُّ جلالاً وجَلالةً، وهو جَلٌّ وجليلٌ وجلالٌ: عَظُم، وأجلَّه: عظَّمه. وجلَّ فلانٌ يجلُّ جلالة، أي: عَظُمَ قَدْرُهُ؛ فهو جَليل. والجللُ: الأمْر العَظيم، والأمر الهيِّن أيضاً، وهو مِنَ الأضْداد. وأما (ذُو الإكْرام) فقد شرحنا معنى (الكريم والإكرام) فيما مضى.
اسم الله “ذو الجلال والإكرام” في القرآن الكريم:
ورد الاسم مرتين: في قوله تبارك وتعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن: 26 – 27). وفي قوله تعالى في السورة نفسها: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن: 78).
معنى “ذو الجلال والإكرام” في حق الله تبارك وتعالى:
قال ابن جرير: (تبارك اتسم ربك) يقول تعالى ذكره: تبارك ذكر ربِّك يا محمد (ذي الجلال). يعني: ذِي العظمة (والإكرام) يعني: ومِن له الإكْرَام مِنْ جميع خَلْقه.
وقال الزجاج: ذو الجلال: أنه المسْتحقُّ لأنْ يُجلَّ ويُكرم.
وقال الزجاجي: الجلال العَظَمة، فالله عز وجل ذُو الجلال والعَظمة والكبرياء.
وقال الخطابي:”ذو الجلال والإكرام”: الجلال مَصْدر الجليل، يقال: جَليل بيِّنُ الجَلالة والجلال، والإكْرام: مصدر أكْرم يُكرم إكْراماً، والمعنى: أنَّ الله جلّ وعزَّ مُسْتحقٌّ أنْ يُجلَّ ويُكرم، فلا يُجحد، ولا يُكفر به. وقد يحتمل أنْ يكونَ المعنى: أنه يُكرمُ أهلَ ولايته، ويرفعُ درجاتهم بالتَّوفيق لطاعته في الدنيا، ويُجلُّهم بأنْ يَتقبَّل أعمالَهم؛ ويرفعَ في الجِنان درجاتهم.
وقد يحتمل أنْ يكون أحدُ الأمرين – وهو الجلال – مُضافاً إلى الله سبحانه بمعنى الصِّفة له، والآخر مُضافاً إلى العبد بمعنى الفعل منه، كقوله سبحانه (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) (المدثر: 56) فانصرفَ أحدُ الأمرين؛ وهو المغْفرة إلى الله سُبحانه، والآخر إلى العباد وهو التقوى، والله أعلم.
وقال الحُليمي: (ذو الجَلال والإكرام): ومعناه المستحق لأن يُهاب لسلطانه، ويُثنَى عليه بما يليق بعلو شأنه. وهذا قد يدخل في باب الإثبات على معنى: إنّ للخلق ربّاً يستحق عليهم الإجْلال والإكرام. ويدخل في باب التوحيد، على معنى: أنّ هذا الحقّ؛ ليس إلا لمُستحقٍّ واحد.
وقال في”المقصد”: (ذو الجَلال والإكرام): هو الذي لا جَلالَ ولا كمالَ؛ إلا وهو له، ولا كرامةَ ولا مَكْرمة؛ إلا وهي صَادرةٌ منه. فالجلالُ له في ذَاته، والكرامة فَائضةٌ منه على خَلْقه، وفنون إكْرامه خَلقه؛ لا تكاد تَنْحصر وتَتَناهى، وعليه دلَّ قوله تعالى: (ولَقَد كَرَّمنا بَني آدمَ) (الإسراء: 70) اهـ.
وقال القرطبي: فمعنى جلاله اسْتحقاقه لوصفِ العظمة؛ ونعتِ الرّفعة، والمُتعالي عزاً وتكبراً، وتنزهاً عن نعوت الموجودات؛ فجلاله إذاً صفةٌ استحقها لذاته.
وقال السّعدي: (ذو الجَلال والإكرام): أي: ذو العَظمة والكبرياء، وذو الرّحمة والجود والإحسان العام والخاص، المُكْرم لأوليائه وأصْفيائه، الذين يُجلُّونه ويُعظِّمونه ويحبونه.
من آثار الإيمان باسم الله “ذو الجلال والإكرام”
- أنَّ الله تعالى هو المُستحقُّ وحْده؛ لأنْ يُجلّ ويُنزّه ويعظم لذاته، لكمال ذاته؛ وصِفاته وأسْمائه، وليس في الوجود مَنْ هو بمثل هذه الصفة غيره، جلَّ جلاله وتقدَّست أسْماؤه. فجلاله سبحانه وتعالى؛ صفةٌ اسْتَحقها لذاته. قال الأصمعي: ولا يقال (الجلال) إلا لله عزّ وجل. وقال أبو حاتم السَّجِستاني: قد يقال (جلالٌ) في غير الله.
- أنَّ الله تعالى يُكرم أولياءه، والإكْرامُ قريبٌ مِنَ الإنْعام؛ ولكنه أخصُّ، فكلُّ إكرامٍ إنْعام، وليس كلّ إنْعامٍ إكْراماً. قال القرطبي: وأما (الإكْرَام) – وهو مصدر أكْرمَ فهو مكرِمٌ – ففيه معنى الإنعام، إلا أنه أخصُّ من لفظة الإنعام، لأنّ المنْعم قد يُنْعم تفضّلاً على مَنْ ليس بكريمٍ ولا مُكرمٍ عنده، كإنْعامه على العَاصي والمخالف، فهذا الإنْعام لا يُسمّى إكراماً، فإذا أسْدَى المُنعم نعمته إلى مَنْ يعزُّ عنده، وله حُبٌّ لديه ومودة، قيل: أكرمه، ومنه ما سُمِّي به ما على الأولياء من النِّعم: كرامات الأولياء، لقَدْرهم عنده، ومنزلتهم لديه، فهو سبحانه يُنعم على مَنْ يُكرم ومَنْ لا يُكرم، ولا يُكرم إلا مَنْ عليه في الآخرة يُنْعم، قال الله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) (الفجر: 15، 16) يعني أنه إذا مَنَحه نَعِيماً في الدنيا يقول: ذلك دليلُ على كرامتي، وإذا قَدَر عليه رزقه يقول: ذلك دليلُ على إهانتي! وليس الأمر كذلك! فليس نعيمُ الدنيا دليلاً على نعيمِ الآخرة، ولا هوانُ الدنيا دليلاً على هَوانِ الآخرة، وإكرامه للعبد يكون مُعجّلاً في الدنيا، ومُوجّلاً في الآخِرة، ويكون عُموماً في الخليقة، وخُصُوصاً لأهل الحقيقة، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70).
- حثَّ النبي ﷺ أمته على الدعاء بهذين الاسمين، فقال:” ألظُّوا بياذا الجلال والإكرام”. ومعنى ألظُّوا: أي ألزموا هذه الدعوة، وأكثروا منها، ودُوموا على قولكم ذلك في دعائكم، وسؤالكم لربكم جلَّ شأنه. ولما سمع ﷺ رجلاً يَدْعو في المسْجد، يقول: اللهمَّ إنِّي أسْألُك بأنَّ لكَ الحَمْد، لا إله إلا أنتَ الحَنَّانُ المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرْض، يا ذَا الجَلال والإكْرام، يا حَيُّ يا قيُّوم، قال ﷺ :”دَعَا الله باسْمه الأعْظَم، الذي إذا دُعِي به أجَاب، وإذا سُئِلَ به أَعْطَى”.
- وكان ﷺ إذا انْصَرفَ مِنْ صلاته؛ اسْتغفر ثلاثاً، وقال: “اللهمَّ أنتَ السَّلامُ؛ ومنكَ السَّلامُ؛ تباركتَ يا ذَا الجَلالِ والإكْرام”.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي