اختلف الفقهاء حول أفضلية المكان الذي تصلى فيه صلاة العيد، فذهب بعضهم إلى أن صلاة العيد في الخلاء أو المصلى أفضل لفعله ﷺ، وذهب البعض الآخر إلى أن المسجد أفضل بقاع الأرض، والعبرة في تحقيق الحكمة من هذه الصلاة وهي اجتماع المسلمين رجالا ونساء وأطفالا لإظهار الفرحة، ومتى تحققت هذه الحكمة في المسجد أو غيره تكون الأفضلية.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر- رحمه الله تعالى -:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنهم أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم ـ ﷺ ـ صلاة العيد في المسجد، رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، وسكت عنه أبو داود والمنذري، أي لم يبينا درجته، وهو حديث ضعيف في إسناده رجل مجهول، وهو عيسى بن عبد الأعلى، قال فيه الذهبي لا يكاد يعرف وقال هذا حديث منكر.
وأكثر الأحاديث الواردة في صلاة العيد تذكر أن النبي ـ ﷺ ـ فعلها في “المصلى” والمراد به غير المسجد وعبر عنه أحيانًا بالجبانة، وهذا الحديث على الرغم من ضعفه، يفيد أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ صلاها في المسجد لعذر المطر، حيث لا يوجد في المصلى ما يتقى به.
ومن هنا اختلف العلماء في أفضلية صلاة العيد، هل تكون في المصلى أو في المسجد، فالإمام مالك يقول إن فعلها في الجبانة أي في غير المسجد، أفضل واستدل بما ثبت من مواظبته عليه الصلاة والسلام على الخروج إلى الصحراء، فإن كان هناك عذر كمطر فالأفضل المسجد.
والإمام الشافعي ذهب إلى أن المسجد أفضل، لأنه خير البقاع في الأرض، والأحاديث الواردة بكثرة في فضل التردد عليها والصلاة فيها، قال في الفتح: قال الشافعي في الأم: بَلَغَنا أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة، وهكذا من بعده إلا من عذر مطر ونحوه، وكذا عامة أهل البلدان إلا أهل مكة، قال: فلو عمر بلد وكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أن يخرجوا منه، فإن لم يسعهم كرهت الصلاة فيه ولا إعادة قال الحافظ: ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الخروج إلى الصحراء، لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع، فإذا حصل في المسجد مع أولويته كان أولى.
فأنت ترى أن حجة الأولين هي فعله ـ ﷺ ـ وهو قدوة حسنة، لكن يقال: إن الفعل واقعة حال لا تنفي غيرها، ولم يرد من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر بفعلها في غير المسجد عند الاختيار، ولا نهي عن فعلها في المسجد، ولعل اختيار الرسول فعلها في غير المسجد كان لأمرين، الأول ضيق المسجد لأنه دعا النساء أيضًا لشهود لصلاة العيد، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، حتى الحُيَّض منهن، والحيَّض لا يدخلن المسجد، والثاني إظهار شعيرة من شعائر الإسلام وإعلان الفرح بيوم العيد لما فيه من فضل الله على المسلمين، والاجتماع الواسع شعار كل الناس في أعيادهم، والتوجيهات التي يُلقيها على الحاضرين تَعُم أكبر عدد من المسلمين لم يكن ليوجدوا لو حضروا المسجد، ولذلك عندما حثَّ على الصدقات توجه إلى حيث يجتمع النساء وذكرهن ووعظهن فجمع منهن خيرًا كثيرًا لمساعدة مَن لا يجدون سَعة ولا يستطيعون التمتع ببهجة العيد لضيق ذات أيديهم.
ويقع في نفس بناء الحكم على نتيجة إقامة الصلاة وأثرها، فإن كان هناك مسجد واحد كبير في محلة يسع كل الناس بما فيهم من لا يصلون العيد كانت صلاتها فيه أفضل، وذلك لأفضيلة المسجد على غيره، ولحصول التجمع وفرصة التلاقي وتبادل التهاني بين كل أهل البلدة.
فإذا تعددت المساجد وضاق مسجد واحد عن استيعاب أهل البلد كان فعلها في الخلاء أفضل، وذلك لأن التعارف وتبادل التهاني وشهود التوجيهات العامة الموحدة يحدث في المصلى بشكل لا يوجد في كل مسجد على حدة، حيث لا يتم التعارف الشامل، والإسلام يحب من المسلمين أن يُظهروا وحدتهم وتعاونهم، وفي تجمعهم على شكل واسع إعلان عن قوة الإسلام ودعاية تجتذب لها قلوب غير المسلمين، والمظاهر إذا كانت تستهدف خيرًا كانت مشروعة، وشواهد ذلك كثيرة.