قصر الصلاة رخصة أو سنة عند أكثر العلماء ، ويجوز للمسافر أن يقصر ويجوز له أن يتم والقصر أفضل إقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وتقدر مسافة القصر قي وقتنا الحاضر بحوالي تسعة وثمانين كيلو متراً ، ويجوز للمسافر أن يستمر في قصر الصلاة إلا إذا نوى الإقامة أربعة أيام فأكثر فيلزمه الإتمام ، كما يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً وكذلك المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً.

وهذا تفصيل فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :ـ

إن الإسلام دين يسر وسهولة ومن مقاصد الشرع الحنيف دفع الحرج ورفع المشقة عن المكلفين ولا شك أن السفر فيه نوع من الحرج والمشقة فشرع الإسلام قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين وتوضيح ذلك فيما يلي :

حكم القصر في السفر:

القصر مشروع شرعه الله في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى :( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) النساء:101، ويلاحظ في الآية الكريمة أن القصر علق على الخوف من فتنة الذين كفروا ولكن هذا التعليق جاء لبيان الواقع حيث إن أغلب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت كان فيها خوف فيجوز القصر أيضاً حالة الأمن .
ويدل على ذلك حديث علي بن أمية قال :[ قلت لعمر بن الخطاب :( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فقد أمن الناس قال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ( صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته ) ] رواه مسلم وأصحاب السنن .

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال :( صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك ) رواه البخاري ومسلم .

والقصر رخصة أو سنة عند أكثر العلماء فيجوز للمسافر أن يقصر ويجوز له أن يتم والقصر أفضل إقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول :( إن الله يحب أن تؤتى رخصة كما يكره ان تؤتى معصيته ) رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة وصححاه .

مسافة القصر:

تقدر مسافة القصر قي وقتنا الحاضر بحوالي تسعة وثمانين كيلو متراً ويجوز للمسافر القصر إذا قطع تلك المسافة بغض النظر عن وسيلة السفر سواء سافر بالطائرة أو بالسيارة أو بالباخرة .

مدة القصر:

يجوز للمسافر أن يقصر الصلاة ما لم ينو الإقامة في بلد مدة محدودة على خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة في تحديدها :
فقال الحنفية : يجوز للمسافر أن يستمر في قصر الصلاة ما لم ينو الإقامة في بلد خمسة عشر يوماً فإذا نوى الإقامة خمسة عشر يوماً فأكثر فيجب عليه الإتمام .

وعند الشافعية والمالكية والحنابلة : إذا نوى المسافر الإقامة أربعة أيام فأكثر يلزمه الإتمام على خلاف بينهم في احتساب يوم الدخول ويوم الخروج .

وذهب بعض العلماء من أهل الحديث وبعض المعاصرين إلى أن المسافر يجوز له القصر وإن امتدت مدة إقامته في بلد ما إلى سنين ما لم ينو اتخاذ ذلك البلد وطناً ، فأجازوا مثلاً لطالب العلم أن يقصر ما دام في البلد الذي يدرس فيه وهو ينوي الرجوع إلى بلده الأصلي .

ولكن لا نميل لهذا الرأي وينبغي التقيد في هذه المسألة بقول جمهور العلماء القائلين بتحديد مدة القصر .

الجمع بين الصلاتين للمسافر:

يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً وكذلك المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً وقد ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأحاديث منها :
حديث معاذ :( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليها جميعاً وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي .

فيجوز للمسافر أن يقدم العصر إلى أول وقت الظهر فيصليهما جمعاً وقصراً أي ركعتين للظهر وركعتين للعصر وهذا جمع التقديم ويجوز ان يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيصليهما كذلك وهو جمع التاخير وكذلك الحال في المغرب والعشاء .

القصر بعد السفر:

لا بد أن يعلم أن المسافر لا يصير مسافراً بمجرد نية السفر وإنما يصير مسافراً إذا شرع في السفر فعلاً . وبناء على ذلك لا يجوز للمسافر أن يتلبس بأحكام المسافر حتى يبدأ السفر فعلاً فإذا خرج المسافر من حدود بلده الذي يقيم فيه يجوز له أن يقصر ويجمع ويجوز له أن يفطر في رمضان فمثلاً إذا كان الشخص مقيماً في القدس ونوى السفر إلى عكا فلا يقصر ولا يجمع ولا يفطر إلا إذا غادر مدينة القدس ويدل على ذلك حديث أنس قال :( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين ) رواه البخاري ومسلم .
وذو الحليفة هو المكان المعروف الآن بآبار علي وهو على مشارف المدينة المنورة .
وكثير من الناس يقعون في هذا الخطأ فإذا نوى أحدهم السفر فإنه يصلي الظهر والعصر جميعاً ثم يخرج إلى سفره وهذا غير جائز لأنه لم يشرع في سفره بعد.