لا يجوز إنجاب الأطفال وإهمالهم :

بعض الناس يظنون أن عليهم أن ينجبوا أولاداً ولا يسأل عن ولده ولا عن طفله، يخرج من أول النهار ويأتي آخر النهار لينام ولا يعرف شيئاً عن أولاده، لا يداعبهم ولا يلاعبهم، لا يسأل عما يحتاجون إليه، يذهبون إلى المدرسة ولا يعرف طفله في أي صف أو مرحلة في المدرسة، نجح أم رسب ما حالته، مجالس الآباء في المدارس تدعو الآباء ليحضروا في هذه المدارس ليعرفوا مشكلات أولادهم في المدرسة فلا يحضرون، أين الأبوة الراعية، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل في أهل بيته راع وهو مسؤول عن رعيته”.

ليس مهمة الإنسان أن ينجب أطفالاً وبعضهم يقول: أنا آتيه بالطعام والشراب والكسوة وما يحتاج إليه وعنده السيارة توصله والسائق يوصله، وهناك الخادمة في البيت، وبعض الأمهات لا تهتم بأطفالها وتترك أطفالها للخادمة، ليس هذا من الإسلام في شيء، أين الأبوة وأين الأمومة، أين الأبوة الراعية، أين الأمومة الحانية، أين المسئولية، هؤلاء أمانة في أعناقنا، هؤلاء مستقبلنا، إذا أردت أن تعرف كيف يكون المستقبل فاعرف كيف تكون تربية الأطفال منذ نعومة الأظفار، الطفل عجينة لينة، يتشكل بما يشكله المحيط من حوله، والبيئة من حوله، وخصوصاً الأبوين كما جاء في الحديث “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”

أهتمام الأب بتربية أبنائه :

الأب هو الذي بتأثيره يصنع سلوك الأولاد، قد يهملهم فيضيعون، وقد يعنى بهم فيصبحون أولاداً محترمين عند الناس محبوبين عند الله، مسؤولية كبيرة تربية الأطفال، أن نحسن تربية أطفالنا ولذلك جاء في الحديث “مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر” إذا بلغ الطفل سن السابعة أصبح قابلاً للتعليم، فعلمه الصلاة ورغبه في الصلاة وحبب إليه الصلاة، حتى ينشأ على الطاعة، فالخير عادة والشر عادة، وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوَّده أبوه، عوِّد ابنك الخير وهو في هذه السن القابلة كما قال الشاعر:

وينفع الأدب الأطفال في صغر
وليس ينفع عند الشيبة الأدب
إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت
ولن تلين إذا قومتها الخُشـب

الغصن اللين الطري تعدله فيعتدل تقومه فيستقيم يلين لك، ولكن بعد أن يصبح خشب لا ينفع فيه إلا الكسر، والناس يقولون: بعد ما شاب ودوه الكُتَّاب، ولذلك قالوا أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، قيل لهذا الحكيم الذي قال هذا القول: إن الكبير أوفر عقلاً، قال: ولكنه أكثر شغلاً، فالطفل قابل للتعليم، وكما قال الإمام الشافعي:
ومن لم يذق ذل التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته

تعليم الأبن لابد أن يكون من الصغر :

تعلم في الصغر وعلم ابنك في الصغر، علمه الدين، علمه الأخلاق، علمه الصدق، علمه الأسوة الحسنة، التعليم ليس بكثرة الكلام، والتربية ليست بإصدار الأوامر، التربية قدوة، أن يرى فيك الأسوة الحسنة، قد تقول لابنك: لا تدخن، ولكنه يراك تدخن وتسرف في التدخين، فهو يريد أن يقلدك ولو من وراءك ولو بدون أن تراه، القدوة هي المؤثر، لسان الحال أفصح من لسان المقال، علِّم أولادك، مُرهم بالخيرات رغبهم فيها كافئهم على هذا، حاول أن تجعل من ابنك إنساناً فاضلاً، هذه مسؤولية الأب والأم قبل غيرهم، صحيح أنه في عصرنا لم يعد الأب ولا الأم وحدهما هما المؤثرين في الطفل، دخلت هناك أشياء كثيرة مؤثرة ولعلها أشد تأثيراً، التلفزيون والإذاعة والصحافة والشارع، والتقاليد الصارمة كلها تؤثر، ولكن الأسرة هي المحضن الأول، الأسرة هي المعلم الأول فينبغي أن تهتم الأسرة، الأب والأم كما قال شاعر النيل:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

ولابد أن يتعاون الجميع على حسن تربية الأطفال تربية سليمة “مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر” ويمكن أن نحتفل بميلاد الأطفال في هذه المناسبات، أي إذا بلغ الطفل سبع سنين نحتفل به، نعمل له حفل ونقول له هذه حفل الصلاة لقد كبرت الآن وأصبحت مسؤولاً عليك أن تصلي، حفل نأتي له فيه بالهدايا بمناسبة أنه أصبح مأموراً بالصلاة وإذا بلغ عشراً نقيم له حفلا آخر ونضحك معه ونقول له: هذه حفل الضرب، إذا لم تصل ستضرب، هذا شأن الإنسان المسلم، أعطيناه فرصة ثلاث سنوات ترغيباً وترهيباً، وترجية وتخويفاً ثم بعد ذلك نشعره بالجدية، المقصود بالضرب هنا الإشعار بالجدية، لأن الأب قد يقول له: صل يا ولد، ولكنه لا يحاسبه هل صلى أو لم يصل، على حين لو أمره أمراً من أمور الدنيا وخالفه فهو لا يسكت على هذا، فلابد أن يكون أمر الدين مثل أمر الدنيا إن لم يكن أكثر.

لابد أن نهتم بأولادنا في طفولتهم، ونعني بأمرهم، ليست مهمة الأب أن يوفر لأولاده الطعام والشراب والكسوة والسيارة والخادم والسائق، ثم يدع حبله على غاربه، لا يعرف عنه شيئاً، والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) هل وقيت أهلك النار، هل حميت أولادك من النار، لا يكفي أن تطعمه وتسقيه وتكسوه ولكنك لا تأخذ بيده في الطريق إلى الجنة، لا تحاول أن تبعده عن طريق النار، هذه مسؤولية كل أب وكل أم (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) كما تحمي نفسك من النار احم ولدك من النار، احمه بأن تعلمه الدين الصحيح وأن تغرس في نفسه الفضائل القويمة وأن تبعده عن الرذائل المهلكة، هذه هي مسؤولية الأب والأم.

ولقد عني الإسلام بالإنسان من حيث هو إنسان، وكان للجانب الإنساني مساحة هائلة في تعاليم هذا الدين وأحكامه وأدبياته وأعظم من عني به الإسلام الضعفاء من الناس والطفولة ضعف والعوق ضعف، الله تعالى يقول (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة)، فالطفولة ضعف والشيخوخة ضعف والشباب مرحلة القوة بين ضعفين، عني الإسلام بالطفل بل عني الإسلام بالجنين في بطن أمه قبل أن يولد طفلاً، لم يجز للأم أن تجهض نفسها بغير ضرورة، لم يجز إقامة الحد على المرأة القاتلة أو المرأة الزانية إذا ثبت زناها، جاءت المرأة الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقر على نفسها بأنها زنت وأنها حُبلى من الزنا، فلم يقم عليها النبي صلى الله عليه وسلم الحد وقال لها: اذهبي حتى تلدي وذهبت المرأة أشهراً حتى وضعت طفلها وجاءت به على يديها تريد أن ترجم وأن تتطهر من الفاحشة التي ارتكبتها، فقال لها: اذهبي حتى تفطميه، معنى هذا أن للجنين حقاً وإن جاء عن طريق حرام، حقاً في الحياة بمجرد علوق الحمل يصبح هناك مشروع إنسان لا ينبغي أن يُعتدى عليه، وإذا كان للشرع سبيل على الجانية فليس له سبيل على ما في بطنها (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، شرع الإسلام للمرأة الحامل أن تفطر إذا خافت على حملها، بل يجب عليها ذلك إذا تأكدت أن الحمل أو الجنين سيتضرر بالصيام، فإذا ولدت فللطفل حقوق.

الاحكام التي تتعلق بحقوق الطفل :

هذا الطفل له حقوق وتتعلق به أحكام، جمعها العلامة ابن القيم في كتابه سماه “تحفة المودود في أحكام المولود” تؤذن في أذنه اليمنى، تحسن تسميته، تذبح عنه أو تعق عنه في اليوم السابع لميلاده، على الأم أن ترضعه وإن كانت مطلقة، وفي هذا نزل قول الله تعالى في سورة البقرة (والوالدات يرضعن أولادهن) أي الوالدات المطلقات لا ينبغي أن تكايد المطلقة زوجها المطلِّق، بإهمال ولدها ورضيعها (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له ـ أي الأب ـ رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك ..) الخ ما فصلت فيه الآية الكريمة في شأن إرضاع هذا الطفل الصغير حتى لا يضيع بين زوجين مختلفين، هذه رحمة من الله تبارك وتعالى بهذا المخلوق الصغير إن له حقوقاً على أبويه ينبغي أن يرعياها، ينبغي أن ينفق الوالد على هذا الطفل، وينبغي أن يرعاه منذ صغره، يداعبه ويلاعبه كما قال بعض السلف، لاعب ابنك سبعاً وأدبه سبعاً، وآخه سبعاً ثم ألق حبله على غاربه.

السنوات السبع الأولى تغلب فيها المداعبة والملاعبة، الله سبحانه وتعالى أعطى الطفل طاقة، فيما يصرِّف هذه الطاقة؟ في اللعب، يتحرك هنا وهناك، ينبغي أن نساعده على أن يلعب وأن نلعب معه، الأب الكبير ينبغي أن ينزل إلى عقلية الطفل الصغير ليلعب معه ويداعبه، هكذا كان سيد الخلق وخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، كان يداعب الحسن والحسين وأبناء الصحابة رضوان الله عليهم، ركبه الحسن أو الحسين مرة وهو يصلي وهو ساجد بين يدي ربه فأطال السجود وأطال حتى ظن الصحابة الظنون، أأغمي على رسول الله؟ أتوفي؟ أجاءه الأجل؟ أطال.. ثم قام من سجدته وأكمل الصلاة وسلم فسألوه: يا رسول الله أطلت بنا السجود حتى ظننا ما ظننا، فقال لهم: “إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله”، ابني أي حفيدي ارتحلني أي جعلني راحلة أو ركوبة فلم أشأ أن أقطع عليه لذة الركوب كان يمكن أن يعمل حركة توقعه من فوق ظهره، لم يشأ أن يؤذي الطفل ولم يشأ أن يقطع عليه لذته، وتركه يستمتع بهذا الأمر حتى شبع وملّ، ونزل الطفل، هكذا كان عليه الصلاة والسلام ودخل عليه بعض الصحابة والحسن والحسين يركبانه فقال الصحابي الذي دخل بيت الرسول وقد نظر إليه الطفلين فقال لهما: نعم المركب ركبتما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ونعم الفارسان هما”، انظروا..

هذه هي الفطرة السليمة هي التربية السوية أن تلاعب الطفل وتداعبه، دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيت أم سليم بنت أبي طلحة الأنصاري فكان لهما طفل صغير فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أبا عمير ما فعل النغير” النغير هو طائر كالعصفور، كان عنده وكان يلعب به ثم مات الطائر، فالنبي عليه الصلاة والسلام يداعب الطفل وجعل له هذه الكنية فقد كناه والكنية تكون للكبار، قال له: “يا أبا عمير ما فعل النغير” ماذا فعل طائرك، فهذه هي التربية النبوية، دخل الأقرع بن حابس التميمي، وهو زعيم قبيلته، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّل الحسن أو الحسين، فقال: يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت أحداً منهم
قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من لا يَرحم لا يُرحم

إذا كنت لا ترحم طفلك فإن رحمة الله لا تستحقها إن الراحمين يرحمهم الرحمن. وروت عائشة أن أحد الأعراب دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إنكم تقبِّلون الأطفال وما نقبِّلهم، فقال عليه الصلاة والسلام: “أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك” ماذا أصنع لك وماذا أملك لك عند الله إذا كانت الرحمة قد نُزعت من قلبك حتى على أولادك، فلذة كبدك، أطفالك من صلبك لا ترحمهم، ماذا أملك لك “أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك” هكذا تكون التربية والعناية بالطفولة.