هدم قبور الصالحين ليس بواجب، فقبور الصالحين باقية منذ عصر الإسلام إلى يومنا هذا ، ومنها قبر النبي ﷺ وصاحبيه، وإنما المحرم ما يفعل عندها من أمور خارجة عن الشرع، وأن تقبيب القبور وتسنيمها من الأمور التي اختلف حولها الفقهاء، فمنعها البعض وأجازها آخرون .
كما أن زيارة قبور الصالحين جائزة شرعا ، شريطة ألا يأتي المرء عندها ما يخدش عقيدته أو يدنسها بالتوسل إليهم وطلب الحاجات وغيرها .
الحكم في تسنيم القبور:
أما ما استدل به من حديث مسلم أن أبي الهياج الأسدي ، قال : قال لي علي : أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته.وقد ورد عن القاسم بن محمد ، قال : دخلت على عائشة ، فقلت : يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله ﷺ وصاحبيه ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطية ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء . بأن هناك أحاديث تجيز التسنيم ، وأن قبر النبي ﷺ وأصحابه كانت مسنمة ، من ذلك ما أخرجه البخاري في ” صحيحه ” عن أبي بكر بن عياش أن سفيان التمار حدثه أنه رأى قبر النبي عليه السلام مسنما .
قال الإمام الحاكم في الجمع بينهما : إنه كان أولا ، كما قال القاسم ، مسطحا ، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد جعل مسنما . وقد روى أبو حنيفة رضي الله عنه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال : أخبرني من رأى قبر النبي عليه السلام وقبر أبي بكر وعمر ، ناشزة من الأرض ، عليها فلق من مدر أبيض .
قال ابن الجوزي رحمه الله في التحقيق ” : وهذا محمول على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء الحسن العالي. وعليه فإن تسنيم القبر مما اختلف فيه الفقهاء ، فمنعه جماعة ، واستحبه كثير من الفقهاء ، لأجل الإشارة إلى مكان القبر، ورأى البعض أنه جائز، وذهب بعض الحنابلة والمالكية إلى كراهته.
حكم زيارة القبور:
أما عن زيارة القبور بشكل عام، فهو مندوب إليها ، وذلك لحديث :” كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها “، وتستحب يوم الجمعة عن غيره ، كما أشار إلى ذلك ابن عابدين في حاشيته.و يستحب أن يزور قبور الصالحين كشهداء جبل أحد ، لما روى ابن أبي شيبة : { أن النبي ﷺ كان يأتي قبور الشهداء بأحد على رأس كل حول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } والأفضل أن يكون يوم الخميس متطهرا مبكرا لئلا تفوته الظهر بالمسجد النبوي . ا هـ .
وخالف في ذلك الإمام ابن تيمية وبعض الحنابلة ، فقد سئل رحمه الله : هل تصح الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر ، فأجاب بأن الأئمة اتفقوا على لا يبنى مسجد على قبر ; لأن النبي ﷺ قال : { إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد . فإني أنهاكم عن ذلك } (رواه البزار) . وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد .
فإن كان المسجد قبل الدفن غير : إما بتسوية القبر ، وإما بنبشه إن كان جديدا . وإن كان المسجد بني بعد القبر : فإما أن يزال المسجد ، وإما أن تزال صورة القبر ، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ، ولا نفل ، فإنه منهي عنه . الفتاوى الكبرى لابن تيمية، ج2/81
كما ذكر الإمام ابن تيمية جوابا على من سأله من أن بعض الفقهاء يقولون: إن الدعاء عند قبر الأولياء مستجاب، فأجاب بأن هذا لا يجوز ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين ذلك ، بل استشهد بأن قبر النبي ﷺ ، وهو القبر الوحيد المتفق على نسبته لنبي، لم يقل أحد إن الدعاء عنده مستجاب، ولا أن يجعل قبلة في الدعاء.
وفرق الإمام ابن تيمية بين الزيارة البدعية والزيارة الشرعية وقال:” وأما الزيارة البدعية فهي من جنس الشرك , والذريعة إليه كما فعل اليهود والنصارى عند قبور الأنبياء والصالحين . قال ﷺ في الأحاديث المستفيضة عنه في الصحاح , والسنن , والمسانيد : { لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } ” يحذر مما صنعوا . ..
فإذا كان قد لعن من يتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد امتنع أن يكون تحريها للدعاء مستحبا ; لأن المكان الذي يستحب فيه الدعاء يستحب فيه الصلاة ; لأن الدعاء عقب الصلاة أجوب , وليس في الشريعة مكان ينهى عن الصلاة عنده مع أنه يستحب الدعاء عنده” راجع: الفتاوى الكبرى ، ج2/425-434
أما عن الرحلة لزيارة الصالحين، فقد حكى ابن عابدين أنه لم ير أحد صرح به من أئمة الحنفية، والشافعية مختلفون في هذا ، ولكن إن حدث عند الزيارة ما يحرم من الاختلاط والفساد ، فتمنع الزيارة ويحرم فعلها. قال ابن حجر الهيتمي في فتاويه : ولا تترك لما يحصل عندها من منكرات ومفاسد كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك لأن القربات لا تترك لمثل ذلك ، بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع ، بل وإزالتها إن أمكن . ا هـ .
و يرى عبد الرحيم بن الحسين العراقي من فقهاء الشافعية استحباب زيارة قبور الصالحين، فقد أورد حديث أبي هريرة قال : { قال رسول الله ﷺ جاء ملك الموت إلى موسى ﷺ فقال له أجب ربك قال فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ، قال فرجع الملك إلى الله عز وجل فقال إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، وقد فقأ عيني ، قال فرد الله عز وجل إليه عينه وقال ارجع إلى عبدي فقل الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت بيدك من شعرة فأنك تعيش بها سنة ; قال ، ثم مه ؟ قال تموت ، قال فالآن من قريب ، قال رب ادنني من الأرض المقدسة رمية بحجر } وعنه قال : { قال رسول الله ﷺ والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر } رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.
والخلاصة أن هدم القبور ليس بواجب لا على الأفراد ولا على الحكومات، بل الواجب هو محاربة ما قد ينتج عن ذلك من بدع وخرافات ، بشرط أن تكون هناك بالفعل مخالفات شرعية ،وهذا ما صرح به الإمام المناوي حين قال : “أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنة ويقولون : هذا يوم مولد الشيخ ، ويأكلون ويشربون وربما يرقصون فيه منهي عنه شرعا ، وعلى ولي الشرع ردعهم على ذلك ، وإنكاره عليهم وإبطاله .” راجع الموسوعة الفقهية،ج24/86
أما معاداة قبور الصالحين ، والسعي لهدمها ؛لأنها أضرحة في ذاتها ، فليس هناك من أدلة الشرع ما يقوم دليلا على هدمها، ولا فعلها من هم أفهم للشرع من العلماء وحكام المسلمين .