الأغسال المستحبة هي التي يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها ، ومنها غسل الجمعة، والعيدين، وكل سبعة أيام، وبعد غسل الميت، وعند الإحرام، ودخول مكة وغير ذلك من الأغسال.
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه فقه الطهارة :
الأغسال المستحبة كثيرة، بعضهم أوصلها إلى بضعة عشر، والمستحب هو ما يثاب فاعله، ولا يأثم تاركه : ومن هذه الأغسال :
غسل الجمعة: وأهم هذه الأغسال المسنونة أو المستحبة: غسل الجمعة، فهو سنة مؤكدة عند الجمهور، لما صح فيه من دعوة وترغيب. مثل قوله ﷺ: “لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من الطهور، ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام: إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى” رواه البخاري.
وعن أبي قتادة مرفوعا: “من اغتسل يوم الجمعة لم يزل طاهرا إلى الجمعة الأخرى.
وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: “غسل الجمعة واجب على كل محتلم.
وذهب الظاهرية إلى وجوب غسل الجمعة أخذا بظاهر حديث: “غسل الجمعة واجب على كل محتلم”.
وفهم الجمهور من رواية الوجوب: تأكيد الاستحباب والطلب، بدليل أنه أشكر مع السواك ومس الطيب، وهما ليسا بواجبين اتفاقا، ولا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد.
وفرق بعضهم بين ذي النظافة وغيره، فاستحبه للأول، وأوجبه على الثاني، نظرا إلى العلة. وقد روى الشيخان عن عائشة قال: كان الناس منة أنفسهم (أي يعملون بأنفسهم) وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة، راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: “لو اغتسلتم؟.
وفصلت ذلك في حديث آخر، قال: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم، فيأتون في الغبار، ويصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله إنسان منهم، وهو عندي، فقال النبي ﷺ: “لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا؟.
والحكمة في ذلك:أن يكون الناس على حال حسنة حين يجتمع بعضهم إلى بعض، فلا يؤذي أحد أخاه وجليسه بسوء رائحته، أو قذارة ثيابه، أو غير ذلك، كما قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف 31
غسل العيدين: ومثل غسل الجمعة في الاستحباب: غسل العيدين، فقد جاء في يوم الجمعة حديث “إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء الجمعة فليغتسل … ” الحديث.
فشبّه يوم الجمعة بيوم العيد، فدل على أن يوم العيد الأصلي يطلب فيه الاغتسال أيضا.
وروي ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام بأحاديث ضعيفة، قواها آثار جيدة عن الصحابة، والقياس على الجمعة، واستحباب الغسل والنظافة عند كل اجتماع عام.
الغسل في كل سبعة أيام: ومن الأغسال المستحبة بل المؤكدة: أن يغتسل المسلم أو المسلمة مرة كل أسبوع على الأقل، فإذا اغتسل لجنابة أو اغتسلت لحيض، أو اغتسل لجمعة، أغناه ذلك عن غسل آخر.
وإن لم يغتسل لأي سبب كان، غسلا واجبا أو مستحبا: كان حقا عليه أن يغتسل، من باب النظافة العامة. وفي هذا جاء الحديث المتفق عليه: “حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام: يوما يغسل فيه رأسه وجسده”. وأدنى ما تفيده هذه الصيغة: تأكيد الندب والاستحباب.
غسل الميت: ومن الأغسال التي استحبها بعض العلماء: الاغتسال بعد غسل الميت، لحديث أبي هريرة: “من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فيلتوضأ.
وحمل العلماء الأثر في هذا الحديث على الندب، بدليل حديث ابن عباس: “إن ميتكم يموت طاهرا، فبحسبكم أن تغسلوا أيديكم.
قال في (سبل السلام): وأما قوله: “ومن حمله فليتوضأ” فلا أعلم قائلا يقول: يجب الوضوء من حمل الميت ولا يندب. قال: ولكنه ـ مع نهوض الحديث ـ لا عذر عن العمل به. ويفسر الوضوء بغسل اليدين، كما يقيده التعليل بقوله: “إن ميتكم يموت طاهرا” فإن لمس الطاهر لا يوجب الغسل منه، فيكون غسل اليدين منه تعبدا. والمراد: حمله مباشرا لبدنه بقرينة السياق.
وعلى هذا: من حمل النعش لا يدخل في هذا الحديث، لأنه لم يباشر بدن الميت بالحمل.
الغسل للإحرام: وذهب الجمهور إلى استحباب الغسل للإحرام، ورووا في ذلك حديثا رواه زيد بن ثابت أنه رأى النبي ﷺ تجرد لإهلاله واغتسل. رواه الترمذي وحسنه، وضعفه غيره.
والغسل للإحرام في عصرنا يشق كثيرا على الناس، وإذ لم يثبت فيه حديث صحيح، فلا داعي لتكليف الناس به. والأولى أن نيسر في أعمال الحج ما وجدنا إلى ذلك سبيلا.
الغسل لدخول مكة: لم يصح عن النبي ﷺ شيء في ذلك، إلا ما جاء عن ابن عمر عند مسلم: أنه كان لا يدخل مكة إلا بات بذي طوى، حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارا، ويذكر عن النبي ﷺ أنه فعله. وروى البخاري معناه. ونقل في (الفتح) عن ابن المنذر: استحباب الاغتسال لدخول مكة عند جميع العلماء. وقال أكثرهم: يجزئ عنه الوضوء.