يجوز للبنك الإسلامي أن يشترط رهن السلعة المبيعة ضماناً لسداد ثمنها، وهذا على الراجح من أقوال الفقهاء، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي والصحيح من مذهب أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وقد أخذ به مجمع الفقه الإسلامي.
وعلى هذا فيجوز رهن السيارة المشتراة بالمرابحة من البنك الإسلامي رهناً تأمينياً لدى دوائر السير، وهذا الرهن من باب حفظ الحقوق ولضمان الديون.
يقول الشيخ الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور وهو البنك، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه كما جاء في القرار الصادر عن المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
ويجوز للبنك الإسلامي أن يشترط رهن السلعة المبيعة- السيارة مثلاً – ضماناً لسداد ثمنها، وهذا على الراجح من أقوال الفقهاء، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي والصحيح من مذهب أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم والعلامة العثيمين وغيرهم، وقد أخذ به مجمع الفقه الإسلامي.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي بعد أن ذكر الخلاف في المسألة: […وظاهر الرواية عند أحمد صحة رهنه] المغني 4/285.
قال العلامة ابن القيم:[وهكذا في المبيع يشترط على المشتري رهنه على ثمنه حتى يسلمه إليه، ولا محذور في ذلك أصلاً، ولا معنىً، ولا مأخذاً قوياً يمنع صحة هذا الشرط والرهن، وقد اتفقوا أنه لو شرط عليه رهن عين أخرى على الثمن جاز، فما الذي يمنع جواز رهن المبيع على ثمنه؟.
لا فرق بين أن يقبضه أو لا يقبضه على أصح القولين، وقد نص الإمام أحمد على جواز اشتراط رهن المبيع على ثمنه، وهو الصواب ومقتضى قواعد الشرع وأصوله… وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وبعض أصحاب الإمام أحمد، وهو الصحيح] إعلام الموقعين 4/33.
وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [يجوز رهن المبيع قبل قبضة على ثمنه في أصح الوجهين، كما يصح رهنه قبل القبض بدين آخر غير ثمنه ومن غير البائع، بل رهنه على ثمنه أولى، فإنّه يملك حبسه على الثمن بدون الرهن، فلأن يصح حبسه على الثمن رهناً أولى وأحرى] إغاثة اللهفان 2/53.
وقال البهوتي الحنبلي: [فيصح اشتراط رهن المبيع على ثمنه، فلو قال: بعتك هذا على أن ترهننيه على ثمنه، فقال:اشتريت ورهنتك صح الشراء والرهن] كشاف القناع3/189.
وورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (53/2/6):
[لا يحق للبائع الاحتفاظ بملكية المبيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة].
وأجازت هيئة كبار العلماء السعودية في دورتها الثانية والخمسين أن يبيع الشيء ويرهنه على ثمنه ويحتاط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك.
ومن المعلوم عند الفقهاء أن الرهن هو جعل عين مالية وثيقة بدين يستوفى منها أو من ثمنها إذا تعذر الوفاء، انظر المادة (701) من مجلة الأحكام العدلية.
والأصل في مشروعية الرهن قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} -سورة البقرة الآية 283-، وثبت في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال:( رهن رسول الله ﷺ درعاً عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيراً لأهله) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية أخرى في الصحيحين (توفي النبي ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير).
ولكن يجب أن يعلم أن هذا الرهن ما هو إلا رهنٌ رسميٌ قانوني ويسمى رهناً إئتمانياً أو رهناً تأمينياً، وهذا الرهن لا يترتب عليه نقل حيازة السلعة من المشتري إلى البائع، بل تبقى السلعة – السيارة مثلاً – في ملك المشتري وتحت تصرفه، ولكن لا يحق له التصرف بالمركبة المرهونة ببيعها أو رهنها رهناً ثانياً للغير أو رهن أي حصص فيها أو طلب ترخيصها أو طلب فك الرهن عنها أو نقل الملكية أو ترتيب أي حق أو التزام عليها إلا بموافقة البنك، ويبقى الرهن قائماً على المركبة حتى السداد النهائي والتام وإبراء ذمة المشتري لدى البنك كما ورد في صك الرهن المعمول به.
ومستند الرهن الرسمي – التأميني- هو ما نصت عليه القوانين المدنية.
والرهن التأميني أو الرسمي جائز شرعاً، وهو من باب حفظ الحقوق، ولضمان أداء الديون.
قال العلامة محمد العثيمين جواباً على سؤال يتعلق بالرهن الرسمي:[… وأما من تساهل في ذلك وباعه- أي العقار – بحجة أن جمهور العلماء يرون أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وأن هذا العقار ليس مقبوضاً من قبل الصندوق لأنه بيد صاحبه فهذا التساهل فيه نظر من وجهين:
الوجه الأول:أن هذا الراهن قد التزم شرطاً على نفسه، وهو أنه لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره، فهو قد التزم بذلك، ولو فرضنا أن هذا ليس مقتضى الرهن المطلق إذا لم يُقبض، فإن هذا التزام شرطٍ لا ينافي الكتاب ولا السنة، وقد قال النبي ﷺ: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) ومفهومه كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق وثابت، وفي الحديث الذي في السنن المشهور (المسلمون على شروطهم إلى شرطاً أحلَّ حراماً أو حرم حلالاً).
الوجه الثاني:أن القول الصحيح في هذه المسألة أن الرهن يلزم ولو بدون القبض إذ لا دليل على وجوب قبضه إلا قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}، وفي الحقيقة أن هذه الآية يرشد الله فيها الإنسان إلى التوثق من حقه في مثل هذه الحال، إذا كان على سفرٍ ولم يجد كاتباً ولا طريقة إلى التوثق بحقه، في مثل هذه الحال إلا برهن مقبوض لأنه لو ارتهن شيئاً ولم يقبضه لكان يمكن أن ينكر الراهن ذلك الرهن، كما أنه يمكن أن ينكر أصل الدين، ومن أجل أنه يمكن أن ينكر أصل الدين أرشد الله تعالى إلى الرهن المقبوض، فإذن لا طريق للتوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا إذا كان الرهن مقبوضاً، ثم إن آخر الآية يدل على أنه إذا لم يُقبض وجب على من أؤتمن عليه أن يؤدي أمانته فيه، لأنه قال:{فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدِ الذي أؤتمن أمانته} فإذا كان كذلك، فإن المرتهن قد أمن الراهن بإبقائه عنده فإذا كان قد ائتمنه فإن واجب الراهن أن يؤدي أمانته وأن يتقي الله ربه،.
ثم إن عمل الناس عندنا على هذا فإن صاحب البستان يستدين لتقويم بستانه وبستانه بيده، وصاحب السيارة يرهن سيارته وهي في يده يكدها وينتفع بها، وكذلك صاحب البيت يرهنه لغيره وهو ساكنه والناس يعدون هذا رهناً لازماً ويرون أن لا يمكن للراهن أن يتصرف فيه بالبيع، فالقول الصواب في هذه المسألة أن الرهن يلزم وإن لم يقبض متى كان معيناً، وهذا العقار الذي استدين من صندوق التنمية له، هو رهن معين قائم، فالرهن فيه لازم، وإن كان تحت يد الراهن، إذن فلا يجوز لمن استسلف من صندوق التنمية أن يبيع عقاره الذي استسلف له إلا في إحدى الحالين السابقين أن يستأذن من المسؤولين في البنك ويأذنوا له أو أن يوفي البنك ويحرر العقار من الرهن والله الموفق. ] انتهى.
وجاء في فتاوى هيئة الفتاوى والرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي:[هل يجوز للمصرف الإسلامي إدخال السلعة المبيعة بالمرابحة كضمان؟
الجواب:العقد شريعة المتعاقدين فإذا اشترط البائع أن يحبس المبيع حتى أداء جميع الثمن فهو شرط يقتضيه العقد وإنما يحبس البائع المبيع إذا كان الثمن حالاً أما إذا كان مؤجلاً فلا يجوز الحبس لأنه رضي بتأخير الثمن، لكن يجوز له أن يرهن المبيع رهنا ائتمانياً أي رسمياً - يُنص عليه في العقد حتى يستوفي الثمن ضماناً لحق البنك، لأن الرهن الائتماني لا يمنع المالك من التصرف في ملكه ] انتهى.
وورد في معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية:[ينبغي أن تطلب المؤسسة من العميل ضمانات مشروعة في عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء. ومن ذلك حصول المؤسسة على كفالة طرف ثالث، أو رهن الوديعة الاستثمارية للعميل أو رهن أي مال منقول أو عقار، أو رهن سلعة محل العقد رهنا ائتمانياً رسمياً دون حيازة، أو مع الحيازة للسلعة وفك الرهن تدريجياً حسب نسبة السداد.] المعايير الشرعية ص 115.
وجاء في ضوابط عقد المرابحة الصادرة عن الهيئة الشرعية لبنك البلاد الإسلامي السعودي:[ للبنك أن يطلب من العميل ضمانات مشروعة في عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء. ومن ذلك: كفالة طرف ثالث، أو رهن أي منقول أو عقار للعميل، ولو كان المرهون مبلغاً في حساب جار أو استثماري له، أو كان المرهون هو السلعة محل العقد سواءٌ كان الرهن حيازياً، أو رسمياً دون حيازة. وينبغي فك الرهن تدريجياً حسب نسبة السداد.] انتهى.
وخلاصة الأمر أنه يجوز رهن السيارة المشتراة بالمرابحة من البنك الإسلامي رهناً تأمينياً لدى دوائر السير، وهذا الرهن من باب حفظ الحقوق ولضمان الديون.