إن الكون يسير على سنن قد سنها المولى عز وجل، وقوانين أحكمها الخلاق العليم والارتباط بين الأسباب ومسبباتها العادية لا يتخلف، فالنار تحرق، والماء يروي، والسكين تقطع، قوانين سنها المولى في كونه.
غير أن السبب إن هو إلا موظف قد كلف بعمل، ومن حق صاحب العمل أن يعزل الموظف عن عمله، ومن حقه أن يوظفه هو نفسه في غير عمله، فالنار وظيفتها الإحراق هذا قانون من قوانين الله وخالق النار وموظفها يملك إيقافها عن عملها، بل وتوظيفها في غير عملها، إنه وحده الذي يملك ذلك.
ألا ترى إلى خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يجمع له قومه من الحطب الشيء الكثير، ويوقدونه له حتى ليعجزوا عن الاقتراب من النار فيقذفوا الخليل فيها من بعيد بالمنجنيق وهو آلة للرمي من بعيد.
ولكن الله لا يشاء إحراق إبراهيم عليه السلام إنه رسوله وخليله، فيأمر نارًا هو خالقها بأن تقف عن الإحراق، بل بأن تعمل في غير ما وظفت فيه أولاً من الإحراق، وذلك بأن تكون بردًا وسلامًا على إبراهيم إن البرد والسلام ضد وظيفتها الأولى، نعم، ولكنه الله الآمر هو الله الخالق للسبب والمسبب معًا.
فالمعجزة أمر خارق للعادة يظهره الله على يد الأنبياء على وفق مراده تصديقًا له. مع عجز جميع الناس عن الإتيان بمثله.
وهذا عيسى نبي الله وكليمه يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله وينبئ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. معجزة أعجز الله بها قومه. حتى يتبينوا صدق عيسى بأنه عبد الله ورسوله. فيؤمنوا به وينقادوا له.
كما كان من معجزاته عليه السلام أن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله.
وتلك عصا موسى عليه وعلى نبيا الصلاة والسلام تلقف ما صنع السحرة من حبال وعصي عالجوها بسحرهم حتى خيل للملأ من قوم فرعون أنها تسعى. فألقى موسى عصاه. مؤتمرًا بأمر مولاه.
وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى.
ومن عجب أن يضطر هذا الصنيع من موسى عليه السلام السحرة إلى الإيمان بالله مباشرة إيمانًا عميقًا. يعبر عن عمقه في قلوبهم. وعن مسارعتهم إليه قوله تعالى بعد ما تقدم مباشرة. “فألقى السحرة سجدًا قالوا آمنا برب هارون وموسى”.
ومن هنا كان من سنة الله في المعجزات أن تكون معجزة كل نبي من جنس ما برع فيه قومه. حتى تكون لها هذه النتيجة. التي يعرفها رب النفوس الخالق لها فهو عالم بها “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”.
فقوم إبراهيم كانوا عبدة كواكب فهم قريبون من عبدة النار. فكانت معجزتهم في عجز نارهم. إنها في نظرهم خانتهم أحوج ما يكونون إليها.
ومعجزة موسى من هذا القبيل. إن قوم فرعون قد شاع فيهم السحر وذاع. والسحر علم. وله تأثيره النافع والضار.
ولذلك ترى فرعون وقومه يرون أن موسى وأخاه هارون ليسا إلا ساحرين يريدان الغلبة كما حكى الله سبحانه عنهم ذلك. حيث يقول: “فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان الساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفًا وقد أفلح اليوم من استعلى”.
فلما شاع السحر في قوم فرعون واعتزوا به أعجزهم الله بما يشبهه وليس به ليكون عجزهم فيما نبغوا فيه أدل دليل على صدق مدعي النبوة فهم يؤمنون أن النبوغ للبشر في السحر محصور فيهم، فما يهزمون فيه إلا بقوى خالق البشر، وليس أدل على صحة هذه الفكرة.
فكرة أن كون المعجزة من جنس ما برع فيه من بعث إليهم النبي أبلغ في الدلالة على صدق مدعي النبوة.
هذا ومعجزة عيسى وقد جاء في قوم سادتهم المادية، الإيمان بقوة الارتباط بين الأسباب ومسبباتها، حتى لقد قالوا: إن الأشياء نشأت عن الخالق لها بقانون السببية، أي لا عن اختيار من المولى عز وجل، بل عن اضطرار.
فجاءت معجزاته مضادة لهذين الأمرين، ماديتهم، ومزيد يقينهم بقوة الارتباط بين الأسباب ومسبباتها، وهكذا نجد معجزات عيسى عليه السلام ورسالته كانت إيقاظًا شديدًا للروح في عصره المادي، وتنبيهًا على مكانة الروح فيه وسلطانها وبيانًا لقدرة الله تعالى. وأنه فعال لما يريد.
وكذلك مع بقية النبياء فمنهم من يحتاج إلى معجزة حسية تؤيده ومنهم من لا يحتاج إلا إلى المعجزات المعنوية
وأما الكرامة فنصف بها من اجتمع له صلاح واستقامة، فعندئذ إذا ظهرت على يده خارقة أو حدث توفيق خاص أو استجيب دعاؤه فذلك في حقه كرامة، فوصف الكرامة يتحقق إذا اجتمع بصاحبها صفات معينة ولذلك قالوا في تعريفها: (الكرامة هي أمر خارق للعادة يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح يلتزم بمتابعة النبي ﷺ مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح).
الإجابة مختصرة من عند الشيخ الحسيني أبو فرحة والشيخ سعيد حوى