يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
ثبت أن الصحابة لما انفضوا إلى التجارة وتركوا النبي ﷺ قائمًا يخطب يوم الجمعة، كان الذين بقوا في المسجد اثني عشر رجلاً فصلى بهم الجمعة، وهذه الحادثة هي التي نزلت فيها الآية التي في آخر سورة الجمعة، والحديث رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه، فهو حجة على صحة صلاة الجمعة باثني عشر وعلى بطلان اشتراط ما زاد على ذلك دون بطلان ما نقص عنه؛ لأن وقائع الأعيان لا تفيد العموم، والصفات والأحوال التي يتفق كون النبي ﷺ عليها عند عمل ما، لا تفيد أنها شرط لصحة ذلك العمل، والظاهر المتبادر أن الجمعة كالجماعة لا بد فيها من الاجتماع ولا دليل على تحديد أقله .
ومن صلاها معتقدًا عدم صحتها كان متلبسًا بعبادة فاسدة في اعتقاده وذلك معصية، وأما إذا صلاها معتقدًا صحتها بالدليل وبالثقة بقول من قال: تصح باثنين أو ثلاثة كأهل الظاهر وفقهاء الحنفية حرُم عليه أن يصلي الظهر بعدها؛ لأنه عبادة لم يأذن بها الله تعالى، إذ لم يشرع لنا أن نصلي فريضة في وقت واحد مرتين إلا إذا صلى أحدنا منفردًا، ثم أقيمت الجماعة فإنه يسن له أن يعيد معهم وتكون له نافلة كما ثبت في الحديث الصحيح عند أبي داود والترمذي والنسائي، والزيادة في الدين كالنقص منه، ولو وجب على المسلم أن يعيد كل صلاة أداها مخالفًا بعض الفقهاء فيما اشترطوه في الصلاة لوجب عليه أن يعيد كل صلاة، ولا معنى للاحتياط في مثل هذا.