جاء في فتاوى دار الإفتاء بالأزهر الشريف ما يلي :ـ
يزعم غير المنصفين أن بين السنة والقرآن تعارضا في الكثير ، كما يزعمون أن السنة تتعارض فيما بينها ويرتبون على ذلك النتيجة التي قدموا لها بأنه لا داعي للأخذ بالسنة أي بالأحاديث النبوية .
ولأن الإنصاف يوجب التزام الحيدة والموضوعية في مناقشة الخلاف أقول لهؤلاء : إن علماء السلف من هذه الأمة وقفوا أمام شبهة التعارض المزعومة هذه ، سواء كانت تعارضا مزعوما بين القرآن والحديث أو بين الأحاديث بعضها مع بعض . ومن الأول أي التعارض بين القرآن والسنة أن يأمر القرآن بقراءة ما تيسر من القرآن في الصلاة في قوله ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) ثم يقول الحديث النبوى : “ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب “ . فهذا ليس تعارضا لكنه تخصيص للعام فأمر القرآن عام خصصته السنة فلا تعارض .
ومثله قول القرآن ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) فهو عام في كل أنواع البيع لكن يجئ الحديث النبوي ليخصص أنواعا بعينها بطريقة بعينها في البيع فيقول : “ الذهب بالذهب مثلا بمثل ويدا بيد والفضل ربا إلخ “ ولا تعارض لأن السنة وهي البيان التفصيلي لما يجمل في القرآن كما تصرح الآية ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) .
ومن النوع الثاني - أي تعارض حديث مع حديث – ما روي عن استحباب الوضوء بعد الأكل من طعام مسته النار مثل : من أكل لحم جزور فليتوضأ ، وتوضأوا فيما مست النار ، ثم جاء الحديث الآخر ، كان آخر الأمرين من رسول الله ﷺ هو ترك الوضوء مما مست النار ، فلا تعارض هنا ، ولكن الحديث الأخير غير الحكم فى الحديث الذي سبقه فهو ما يسميه علماء الحديث النسخ أي تغيير المتأخر للحكم المتقدم ولا تعارض فيه .
ومسائل كثيرة قد تحدث شبهة كاستثناء الخاص من العام كقوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ثم يأتي الحديث ليقيد حج النساء باشتراط أن يكون مع المرأة محرم “ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها “ فهذا استثناء للخاص من العام وأيضا لا تعارض فيه .
فهذه المسائل وغيرها قد عني بدراستها وتوضيح ما يصنع الشبهة فيها عني بها علماء السنة وأفردوا لها التصانيف المختلفة التي حولتها من مواطن اشتباه أو مآخذ كما يتلمس الكارهون إلى حيث أصبحت جميعها مصدر سعة وثراء ورفع للحرج عن الإنسان في التشريع الإسلامى يحسب له ولا يعاب عليه . قاتل الله الجهل بالشىء فالناس أعداء ما جهلوا ، وقاتل الله الهوى فإنه يعمي ويصم .