يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
يخطأ من يقوم في تكفير من قال أنا في جاه النبي صلي الله عليه وسلم.
وعبارة ( توسلوا بجاهي…) الخ ليست حديثًا مرويًّا عنه ﷺ ، بل هي من الموضوعات .
أما الكفر بمعني الارتداد عن الإسلام فهو إنما يكون بإنكار شيء مما جاء به ﷺ ، عُلِمَ من الدين بالضرورة إجماعًا كالقرآن كله أو بعضه ، وككون الصلوات المفروضة خمسًا.
ولعل من يقول بالتكفير إلا وهو يظن أن من قال تلك الكلمة فهو يعني بها أن النبي صلي الله عليه وسلم ينفع أو يضر من دون الله، وهي ليست نصًّا في ذلك ، وإذا كان من لوازمها القريبة أو البعيدة ، فلازم المذهب ليس بمذهب لا سيما في باب الردة .
وإنني أرى الناس يستعملون هذه الكلمة ( أنا في جاه النبي ) لإنشاء استعظام الأمر أو استفظاعه، يقول قائل : فلان شرير يخشى ضره أنا في جاه النبي، ويريد الآخر أن يبالغ في تصديقه فيقولها أيضًا ، ولا يكاد قائلها يقصد الاستغاثة بالنبي ﷺ لينقذه من شر الرجل .
هذا وإن الكلمة لم يرد بها كتاب ولا سنة ولا أثر عن الصحابة أو الأئمة ، فتركها أسلم من استعمالها وإن لم تكن كفرًا ،فلا يليق أن يجعل اسم النبي ( ﷺ ) عنوانًا على الاستفظاع ، كما هو المستعمل ، وإن قصد قائلها أنه ينجو من الشر والعذاب ويصيب الخير والثواب بجعل نفسه في جاه النبي صلي الله عليه وسلم قولاً – فقصده هذا مخالف لهدي النبي وما جاء به من أن النجاة في الآخرة إنما تكون بالإيمان والعمل الصالح، وأن أمر الدنيا مبني على الأسباب وسنن الله التي لا تتغير ، والتي بمراعاتها انتصر المؤمنون معه ﷺ يوم بدر وهم فئة قليلة ، وولوا الأدبار يوم حنين وهم كثيرون ، وانكسروا كذلك يوم أُحُد .