الوصية هي التصرف المضاف لما بعد الموت، كالوصية ببناء مسجد من مال المتوفى بعد موته، أو الوصية لولده بحفظ القرآن ونحو ذلك. وتنفيذ الوصية يكون فيما ليس فيه ظُلم أو خروج على المصلحة المشروعة، وهذا التنفيذ مطلوب، قال تعالى(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (سورة البقرة:181)، وذلك بعد الأمر بالوصية للوالدين والأقربين بالمعروف، وقال: ( فَمَنْ خَافَ مِن مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) (سورة البقرة: 182)، والجنف هو المَيل عن الحق.
ومِن البرِّ بالوالدين تنفيذ وصيتهما بعد موتهما، لحديث أبي داود وابن ماجه وابن حبان أن رجلًا سأل النبي (ص) هل بقِيَ من بر أبويَّ شيءٌ بعد موتهما؟ فقال” نعم، الصلاة عليهما – أي الدعاء والاستغفار لهما، وإنْفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما”. وإنفاذ عهدهما من بعدهما قد يُراد به أن يُنفِّذ الولد العهود التي تعهَّد بها والداه لغيرهما من النَّاس ولم يستطيعا تنفيذها قَبْل الموت، كالدّيون مثلًا.
وقد يُراد تنفيذ العهود والوعود التي عَهِدَ الوالدان للولد أن ينفِّذها بعد الموت، لكنَّ ذلك كله في الشيء الواجب فيكون التنفيذ واجبًا، وفي المندوب يكون التنفيذ مندوبًا، وفي غير ذلك فلا تنفيذ لأي عهد، مثل أن يوصي بأنْ يُدْفن في بلد كذا، أو في مَقْبَرة فلان مثلًا، فقد قرَّر العُلماء أن الأوْلي دَفْن المَيِّت في البلد الذي مات فيه، وقال المالكية بجواز نقله للمصلحة، كمكان تُرْجى بركتُه أو تتيسَّر في زيارة أهله له، وحرَّم الشافعية نقْله إلا لجِوَار قوم صالحين. أو لجهة مشرَّفة كمكَّة والمدينة والقدس إن كانت قريبة. وعلى هذا فإن تنفيذ الوصيَّة بالدَّفن في مكان معيَّن يكون جائز إن كان لهذا المكان مَيْزة كفضل البقعة أو القرب من الأهل لسهولة الزيارة، وفي غير ذلك لا يجب تنفيذ الوصية، بل يَحْرُم نقله عند الشافعية.