ذهب جمهور الفقهاء المعاصرين إلى جواز نقل عضو من إنسان لآخر من حيث المبدأ ،ومن ذلك فتوى المجمع الفقهي لرابطة العالـم الإسلامي التي وردت في ( القرار رقم 1 ) الدورة الثامنة المنعقدة في مكة المكرمة عام 1985م وجاء فيه : ((  إنَّ أخذَ عضوٍ من جسم إنسانٍ حيٍّ وزرعَه في جسمِ آخرَ مضطرٍّ إليه لإنقاذ حياته ، أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية ، هو عملٌ جائزٌ لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية عند المأخوذ منه كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه وهو عمل مشروع وحميد )).

ومن ذلك أيضا القرار الذي صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي  في دورته الرابعة المنعقدة في جدَّة سنة1988م ، وهذا القرار الأخير تعرض لنقل العضو من الميت والحي معا بخلاف القرار الأول الذي تعرض لنقله من الحي فقط.

ومع تطور العلوم الطبية في العصر الحاضر ، والتقدم الكبير الذي أحرزه العلماء في زراعة الأعضاء ، فقد بدأ الحديث عن زراعة الأعضاء التناسلية ، ولم يغب الفقهاء عن مواكبة ذلك التطور، فكانت الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 – 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23-26/10/1990م ، بالتعاون بين مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.

حكم زراعة الأعضاء التناسلية:

خرج مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة في (مارس)1990م، بالقرار التالي :

أولاً: زرع الغدد التناسلية: بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلقٍّ جديد ، فإن زرعهما محرم شرعاً .

ثانياً: زرع أعضاء الجهاز التناسلي: زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية – ما عدا العورات المغلظة – جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم 26 (1/4) لهذا المجمع . انتهى.

حكم زراعة الرحم:

الرحم ليس من جملة الأعضاء التناسلية التي حرم المجمع نقلها أو زراعتها، وفي ذلك يقول الدكتورأحمد محمد كنعان (رئيس قسم الأمراض المعدية بإدارة الرعاية الصحية الأولية بالمنطقة الشرقية في السعودية) في الموسوعة الطبية الفقهية :-

أما زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية ـ ما عدا العورات المغلَّظة ـ فهو جائز لضرورة مشروعة ، ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم 1 للدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي ، وأما بقية الأعضاء التناسلية التي ليست لها هـذه الصفات الوراثيـة ، مثل ( الرحم ، وقناة فالوب ، والحبل المنوي ، وغدة البروستاة .. ) فلا بأس من زراعتها أسوة ببقية أعضاء البدن .

ضوابط نقل الأعضاء وزراعتها:

لا بد هنا من ذكر الضوابط التي ذكرها الفقهاء في نقل الأعضاء وزراعتها، وقد فصل القول فيها مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الرابعة، وقد لخصها الدكتور كنعان في موسوعته الطبية الفقهية تلخيصا جيدا فقال :-

….يمكننا من خلال الفتاوى الصادرة بهذا الشأن تلخيص أهم الشروط التي وردت حول غرس الأعضاء من إنسان حي في إنسان حي آخر على النحو الآتي :

1) أن يكون المتبرع بالعضو كامل الأهلية ، وأن يكون تبرعه دون إكراه مادي أو معنوي ، وأن يقرَّ بذلك خطياً ، ولا فرق أن يكون المتبرع مسلماً أو غير مسلم ، لأن الإسلام أو الكفر لا علاقة له بأعضائه.

2) أن يكون الشخص الذي يُزرع فيه العضوُ مضطراً لهذا العضو.

3) أن يكون نجاح عمليتي الاستقطاع والزراعة محققاً في العادة أو غالباً .

4) أن تكون المنفعة الناتجة عن زراعة العضو في جسم المريض أعظم من المفسدة التي قد تلحق بالمتبرع ، للقاعـدة الشرعية التي تقول : ( الضرر لا يُزال بمثله ).

5) أن تكون زراعة العضو هي الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة للمعالجة ، علماً بأن هذا الشرط قد لا يتحقق في كل الأحوال ، كما هي الحال مثلاً في الفشل الكلوي الذي يمكن معالجته في بعض الحالات بطرق أخرى غير زراعة الكلية ، مثل غسيل الكلى ، وإن كانت زراعة الكلى أفضل .

6) ألا يترتب على أخذ العضو ضرر بالمتبرع ، كتعطيل وظيفة أساسية من وظائفه الحيوية ، أو موته ، ولو كان ذلك برضاه ، لأنه لا يملك التصرف بحياته بغير إذن الشرع ، والشرع وقد أقام مبدأ التساوي بين بني آدم معصومي الدم فلا يجوز أن يُقتل أحدُهم إحياءً للآخر.

7) يحرم استقطاع العضو المفرد كالقلب أو الكبد من إنسان حي إلى آخر ، لأنه يفضي لهلاك المعطي ، أما الأعضاء التي يوجد لها نظير في الجسم كالرئتين والكليتين فيجوز استقطاعها من الحيِّ بشرط أن يكون العضو المتبقي سليماً وقادراً على القيام بالوظيفة …

8) أن يكون البذل دون مقابل مادي بل احتساباً لوجه الله تعالى ….

9) حصر زراعة الأعضاء بمراكز متخصصة تكون تتبع وزارة الصحة ، وتكون تحت إشراف ( لجنة علميَّة شرعيَّة ) متخصِّصة تضم أطباء متخصصين وفقيه متمكن في الفقه الطبي وذلك حرصاً على مصلحة المرضى ، وتحسُّباً مـن أن تتحول عمليـات زراعـة الأعضـاء إلى متاجرة غير مشروعة .

من باب سد الذريعة ودفع الشبهات فقد ذهبت بعض الفتاوى والقوانين التي صدرت بهذا الشأن إلى أنه لا يجوز للأطباء والجراحين المنوط بهم زراعة الأعضاء أن يشتركوا باللجان المسؤولة عن تقرير وفاة الشخص الموصي بأعضائه ، كيلا تدفعهم رغبتهم في زراعة العضو المطلوب إلى التعجيل بإعلان الوفاة.

ضوابط نقل أعضاء الميت وزراعتها للحي:

في حال نقل العضو من الميت إلى الحي نضيف إلى شروط النقل التي ذكرناها آنفاً ، ما يأتي :

ـ موافقة الشخص قبل موته ، وأن تكون له الحرية في الرجوع عن قراره متى شاء .

ـ موافقة أهل الميت إذا لم يكن هناك ما يدل على رأي الميت قبل موته .

ـ موافقة ولي الأمر ( أو من يقوم مقامه ) إذا كان الميت مجهول الهوية أو لا ورثة له .انتهى.

التبرع بالرحم:

لا يجوز لامرأة أن تتبرع برحمها لامرأة أخرى ؛ لأن في ذلك تفويتا لمنفعة أساسية عليها؛ فيكون النقل الجائز للرحم نقله من امرأة ميتة أذنت في ذلك قبل موتها ، أو أذن أهلها في ذلك مالم يكن علم عن المرأة قبل موتها رفض في ذلك، أو تكون امرأة مجهولة الهوية أو لا أهل لها فيأذن في ذلك الحاكم، ويجب أن يكون ذلك بعد موتها .