لا خلاف بين الفقهاء أن النفقة واجبة للزوجة على زوجها حال حياته، أما بعد موته فقد اختلف الفقهاء في وجوب النفقة للزوجة من مال الزوج، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن النفقة تسقط بوفاة الزوج سواء كانت حاملا أو غير حامل؛ لأن النفقة تسقط عن الزوج بالإعسار فمن باب أولى سقوط النفقة بوفاته، فضلا عن أن النفقة واجبة في مال الزوج وبمجرد وفاته يكون لا مال له، وإنما تنتقل الملكية للورثة، ويكون للزوجة نصيبها من الميراث فحسب.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :ـ
الأصل أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها لقوله تعالى :( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) سورة الطلاق الآية 7 . وقال تعالى :(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة الآية 233. وصح في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:(اتقوا الله في النساء فإنهن أعوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) رواه مسلم . هذا هو الأصل في أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها .
من يتولى الإنفاق على المرأة بعد وفاة زوجها:
إذا مات الزوج فقد اختلف أهل العلم هل لزوجته نفقة أم لا ؟
الراجح من أقوال العلماء في المسألة أن النفقة تسقط بوفاة الزوج سواء كانت المرأة المتوفى عنها زوجها حاملاً أو غير حامل وتكتفي بنصيبها من ميراث زوجها، وكذلك الحال بالنسبة لجنينها فإن المعروف عند أهل العلم أن الجنين يرث، وعليه فإن هذه المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها لا تجب لها النفقة في مال زوجها المتوفى، وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية وهو أصح القولين في مذهب أحمد، وهو المنقول عن ابن عباس وجابر وعطاء وسعيد بن المسيب وغيرهم .
نفقة الزوجة الحامل بعد وفاة زوجها:
قال القرطبي: (واختلفوا في وجوب نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها فقالت طائفة: لا نفقة لها ، كذلك قال جابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعبد الملك بن يعلى ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأحمد وإسحق وحكى أبو عبيد ذلك عن أصحاب الرأي .
وفيه قول ثان وهو أن لها النفقة من جميع المال وروي هذا القول عن علي وعبد الله، وبه قال ابن عمر وشريح وابن سيرين والشعبي وأبو العالية والنخعي، وجلاس بن عمرو وحماد ابن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري وأبو عبيد. قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول لأنهم أجمعوا على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حي مثل أولاده الأطفال وزوجته ووالديه تسقط عنه فكذلك تسقط عنه نفقة الحامل من أزواجه .
وقال القاضي أبو محمد : لأن نفقة الحمل ليست بدين ثابت فتتعلق بماله بعد موته بدليل أنها تسقط عنه بالإعسار فبأن تسقط بالموت أولى وأحرى ] تفسير القرطبي 3/185 .
-وروى عبد الرزاق الصنعاني بإسناده عن عطاء قال: (لا نفقة للمتوفى الحامل إلا من مال نفسها) وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا نفقة للمتوفى عنها الحامل ، وجبت المواريث) .
-وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :[ ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث] وروى عن سعيد بن المسيب في المتوفى عنها الحامل قال: [ليس لها نفقة] .
-وروى عن ابن جريح قال سئل ابن شهاب – الزهري – عن المتوفى عنها وهي حامل على من نفقتها ؟ قال: [ كان ابن عمر يرى نفقتها إن كانت حاملاً أو غير حامل فيما ترك زوجها فأبى الأئمة ذلك وقضوا بأن لا نفقة لها] مصنف عبد الرزاق 7/36-39 .
ومما يدل على ذلك ما قاله الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ لأن المال قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها إنما هي للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك للورثة لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة ] المغني 8/334 .
ورد ابن حزم على من أوجب النفقة للحامل المتوفى عنها زوجها بقوله: [وأما من أوجب النفقة من جميع المال للمتوفى عنها زوجها … فخطأ لا خفاء به؛ لأن مال الميت ليس له بل قد صار لغيره فلا يجوز أن ينفق على امرأته … من مال الورثة أو مما أوصى به لغيرهما وهذا عين الظلم ] المحلى 10/89 .
ويمكن أن يجاب عن استدلال من أوجبوا لها النفقة استناداً إلى قوله تعالى :( وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ) سورة الطلاق الآية 6، وأن الحامل المتوفى عنها زوجها داخلة في العموم يجاب عن ذلك بأن الخطاب في الآية للأزواج وقد سقط خطابهم بالوفاة فلم يعودوا من أهل التكليف لأن تكليفهم سقط بالموت .