أول ما ينبغي على الزوجين كي يقيما الأسرة الصالحة على القواعد المكينة، والأركان المتينة التي أشار إليها القرآن وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله في سورة الروم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)
فهذه القواعد الثلاث هي أساس السعادة الزوجية، أساس الزوجية الصالحة الموفقة: – “السكن” و”المودة” و”الرحمة” – كيف نقيم حياة زوجية على هذا الأساس المكين، هو أن يعرف كل من الزوجين حقه وواجبه، فالبعض يظن أن له حقوقاً وليس عليه واجبات مع أن كل حق يقابله واجب، بل الواقع أن الإسلام تقوم فلسفته على الواجبات أكثر مما تقوم على الحقوق، في حين أن الحضارة الغربية فلسفتها قائمة على الحقوق.
فالإنسان في حضارة الغرب مطالِبٌ سائِل، والإنسان في حضارة الإسلام مطالَبٌ مسئول، الإنسان في نظر الإسلام مخلوق مكلَّف، ومعنى “مكلَّف” أن عليه التزامات وتكاليف ومسئوليات، فالإنسان في الإسلام يقول ماذا عليَّ؟ والإنسان في حضارة الغرب يقول: ماذا لي؟
إذا أدى كل إنسان ما عليه وأُدِّيت الواجبات رُوعيت الحقوق، لأن الحقوق هي في حقيقتها واجبات على الآخرين.
يعني حق الزوجة إنما هو واجب على الزوج.
وحق الزوج واجب على الزوجة.
وحق الأولاد واجب على الوالدين.
وحقوق الوالدين واجبات على الأولاد.
وحق المحكوم واجب على الحاكم والعكس.
من واجبات الزوج المهر والنفقة:
لو أدى الناس واجبهم روعيت الحقوق تماماً، ومن هنا يغرس الإسلام في ذهن المسلم الواجب أولاً، فلذلك يجب على كلا الزوجين معرفة واجباتهما، فإذا نظرنا إلى الزوج مثلاً نجد هناك واجبات عليه.
ـ الواجب الأول دفع المهر:
(وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) (النساء:4)، و(نحلة) يعني عطيَّة وهبة ليس لتُشتري بها المرأة بل هو من باب “تهادوا تحابوا”، ففي بعض الفلسفات وبعض الديانات المرأة هي التي تدفع للرجل.
فالإسلام كرَّم المرأة وجعلها المطلوبة لا الطالبة، في الهند المرأة تدفع للرجل مبالغ طائلة كي يتزوجها، حتى إن بعض المسلمين ما زالوا متأثرين بهذه القضية، والرجل عندما تكون عنده بنات تكون المصيبة الكبرى فسوف يدفع عن بناته ليزوِّجهن.
من أجل هذا شرع الإسلام المهر، ومما يؤسف له أن بعض النساء العلمانيات يَعِبن على الإسلام هذا، وما هو إلا تكريم لهن، فهذا أول حق للمرأة.
– الواجب الثاني هو النفقة، فالرجل هو الذي يتكفَّل بالنفقة (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)(النساء:34).
والنفقة تشمل كل ما يكفي المرأة كفاية تامة، حتى قالت هند زوجة أبي سفيان: يا رسول الله، إن زوجي رجل شحيح، ولا يعطيني ما يكفيني أفآخذ من ماله؟ قال: “خذي ما يكفيك من ماله لك ولولدك بالمعروف” (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 133).
و”المعروف” أي: ما تعرفه الفطر السليمة والعرف الرشيد، وما عرفه أهل الفضل من الناس أن هذا مساوٍ، فلا يمكن أن يفرض شيء واحد لجميع الناس في جميع المستويات وفي جميع البلاد، بل قال: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:236)، (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: 7)
فعلى المرأة ألا ترهق الزوج بالطلبات ولا ترهقه من أمره عسراً ولا تكلفه شططاً، وهو لا يبخل عليها أيضاً .
العشرة الزوجية في الإسلام:
هناك واجبات أخرى هي المعاشرة بالمعروف:
وخلاصة هذه الواجبات تتمثل في قوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء: 19)
المعاشرة بالمعروف تتمثل في بشاشة الوجه، وحسن الخلق، وحلاوة اللسان، والسؤال عن المرأة باستمرار، وعدم إفشاء أسرارها، وعدم إيذائها لا بالكلام ولا بالضرب ولا بالتعيير، بل الملاطفة وتطييب نفس امرأته والاستماع إليها.
والنبي – ﷺ- كان أحسن الناس خلقاً مع نسائه ويقول: “أحسنكم أحسنكم خلقاً لأهله، وأنا أحسنكم خلقاً لأهلي”، وكان يسابق عائشة ويزاحمها عند الخروج من الباب، هذا من باب الملاطفة. وسابقها مرة أول ما تزوَّجا، وكانت خفيفة وصغيرة فسبقت النبي -ﷺ-، وبعد مدة سمنت فسبقها النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أنه كان كبير السن، فقال لها: “هذه بتلك” ؛
واستمع لها وهي تتحدث عن عدد من النساء، اثني عشرة امرأة في حديث أم زرع المعروف، وهو حديث شيق ولطيف وطويل، وقعد النبي يستمع إليها وقال لها في النهاية: “كنتُ لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك”، كل هذا مطلوب وهو من حسن العشرة.
والقرآن يقول: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) فلا ينبغي للزوج أن يستجيب لأول عاطفة تبدو منه كالنفور أو الكراهية فيقوم بقطع حبل الزواج فوراً، لا بد أنه ينظر إلى عواقب الأمور يقول: لعل من وراء هذه المرأة خيراً، لعل الله يرزقني منها ذرية صالحة، لعلها تنفعني في وقت الشيخوخة، لعلها كذا..،
هذا هو معنى (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، وفي الحديث الشريف “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقًا رضي منها آخر.
كيف تعامل زوجتك في الإسلام:
يجب على الزوج أن يكون واقعيًا، وينظر إلى كل الجوانب، لأن بعض الناس يركز على جانب واحد (الجانب السيئ) وينسى الجوانب الأخرى، والله تعالى لم يخلق الإنسان كله شر، كل إنسان فيه شر وخير، فيه صلاح وفساد، فيه حسن وقبح، فانظر إلى جوانب الحسن وجوانب الخير وجوانب الصلاح، وخصوصاً إذا كانت المرأة مؤمنة.
وأيضا من ضمن الواجبات أن يحتمل الرجل زوجته، وأن يصبر عليها ولا يبادر بفصم عرى الزوجية من أول بادرة تبدو، فالزواج رباط مقدس، وميثاق غليظ، فيجب على المرء أن يتحمل، وخصوصاً إذا كان هناك أولاد وذرية، فالذرية لهم حق، وعلى الرجل أن يصبر من أجل أولاده.