مشروعية المهر ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع، وهو يرفع من شأن المرأة، ويعلي من قدرها، ولا يعتبر المهر ثمنا للمرأة كما يزعم الحاقدون على الإسلام والناقمون عليه بل هو عين التكريم للمرأة.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

إن الجهل مرض خطير، وأخطر منه أن يدعي الجاهل العلم والمعرفة، وأن ينصب نفسه معلمًا للناس، وصدق بشار حين قال: قد ضل من كانت العميان تهديه!.
إن هؤلاء النسوة ومن يحركهن من الرجال من عبيد الفكر الغربي بشقيه – الرأسمالي والشيوعي – يجهلون الإسلام جهلا تامًا، وقد قيل في أمثالهم: لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه.
وفي ظني أنهم لا يعرفون حتى رسم القرآن، فما أحسبهم فتحوا المصحف أو قرؤوه يومًا فيعرفوا رسمه من رسم ما سواه! .
وكان عليهم – لو عقلوا وأنصفوا – أن يطلبوا علم ما يجهلون، وأن يسألوا أهل الذكر إذ كانوا لا يعلمون.
ولكن هؤلاء – نساء ورجالا – ضموا إلى رذيلة الجهل رذيلة الادعاء واتباع الهوى، وهو يعمي ويصم: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). (القصص: 50)
ولو أنهم فرقوا بين أحكام الله تعالى، وتقاليد الناس التي توارثوها ولا أصل لها في دين الله، وقالوا، نقبل الأَولى، ونعارض الأحرى، لقلنا لهم: أصبتم وأحسنتم، ووقفنا في صفهم.
ولو أنهم قالوا، بينوا لنا يا علماء الإسلام الصحيح من الزائف، والأصيل من الدخيل، والإلهي من البشري، في شئون المرأة والأسرة، لقلنا: على الرحب والسعة.
ولكنهم للأسف لم يفعلوا، وهجموا هجومًا كاسحًا على كل أحكام الأسرة، حتى القطعيات منها، وهو مما لا يصدر من مسلم ولا مسلمة. ولا ينطق به من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً.
فإن قال هؤلاء: لا نرضى بحكم كتاب ولا سنة، فليعلنوها صريحة، وليقولوها جهرة: كفرنا بالله وبرسوله، وبكتابه، ولسنا من الإسلام في قليل ولا كثير، حتى تعاملهم الأمة على هذا الأساس، وتعزلهم عن جسمها العام، لا تزوجهم ولا تتزوج منهم ولا تواليهم ولاء المسلم للمسلم، بل تعتبرهم أقلية خارجة عن دين الجماعة، ولا يجوز أن يظل أمثال هؤلاء يعاملون معاملة المسلمين، وهم في ظاهرهم وباطنهم غير مسلمين.
مشروعية المهر في الإسلام وحكمته:
مبدأ المهر، أو الصداق وهو ما يعطى من الرجل للمرأة عند الزواج ثابت بالكتاب والسنة وبالإجماع، استقر العمل عليه، وعرفه الخاص والعام من أبناء المسلمين فأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة.
والحكمة من وراء شرعية هذا المهر عدة أمور:
1ـ تكريم المرأة بأن تكون هي المطلوبة لا الطالبة، والتي يسعى إليها الرجل لا التي تسعى إلى الرجل، فهو الذي يطلب ويسعى ويبذل، على عكس الأمم التي تكلف المرأة أن تبذل هي للرجل من مالها، أو مال أهلها، حتى يقبل الزواج منها.
وهذا عند الهنود وغيرهم، حتى إن المسلمين في باكستان والهند لا زال عندهم رواسب من هذه الجاهلية الهندوسية إلى اليوم، مما يكلف المرأة وأهلها شططًا، ويرهقهم عسرًا، إلى حد أن بعض الأسر تبيع ما تملك لتزوج بناتها، ويا ويل أبي البنات الفقير، وأم البنات الأرملة المسكينة.!!.
2ـ إظهار الرجل رغبته في المرأة ومودته لها، فهو يعطيها هذا المال نحلة منه، أي عطية وهدية وهبة منه، لا ثمنًا للمرأة كما يقول المتقولون…. وفي ذلك يقول القرآن بصريح العبارة: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا). (النساء: 4).
3ـ الإشعار بالجدية، فالزواج ليس ملهاة يتسلى بها الرجال، فيقول الرجل للمرأة: تزوجتك ويربطها به، ثم لا يلبث أن يدعها ليجد أخرى يقول لها ما قال للأولى.. وهكذا.
إن بذل المال دليل على أن الرجل جادُّ في طلبه للمرأة، جاد في الارتباط بها، وإذا كان الناس فيما هو دون الزواج وحياة الأسرة يدفعون رسومًا وتأمينات وعرابين، دلالة على الجدية، فلا غرو أن تكون حياة الأسرة أحق بذلك وأولى . ومن هنا يفرض الإسلام نصف المهر على من تزوج ثم طلق قبل أن يدخل بالزوجة أو يمسها، تقديرًا لهذا الميثاق الغليظ والرباط المقدس، مما يدل على أن الاستمتاع ليس هو الأساس، فهنا لم يحدث أي استمتاع، قال تعالى:(وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). (البقرة: 237).
4ـ أن الإسلام قد جعل القوامة على الأسرة بيد الرجل، لقدرته الفطرية على التحكم في انفعالاته أكثر من المرأة، ولأنه أقدر الجنسين على إدارة هذه الشركة، فمن العدل أن يغرم الرجل في مقابلة هذا الحق الذي أعطي له، حتى لا يتهاون في هدم الأسرة لأدنى سبب، لأنه الغارم في بنائها، فإذا تهدمت كان هدمها على أم رأسه.
قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ). (النساء: 34(
مؤيدات ومؤكدات:
ومما يؤيد ما قلناه ويؤكده جملة أدلة منها:
1ـ أن الشرع رغَّب في تقليل المهر، وعدم المغالاة فيه، وهذا ما وضحته السنة القولية والعملية.
فالنبي – صلى الله عليه وسلم– يقول: أكثرهن بركة أقلهن صداقًا..
وقد تزوج النبي – صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه على دراهم قليلة.
وكذلك زوج بناته بأيسر المهور، ويكفي في ذلك مهر أحب بناته إليه، وهي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، فقد مهرها علي درعًا له! رضي الله عنهما.
2ـ وردت السنة الصحيحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- زوج بعض النساء من بعض الرجال على غير مال أصلاً، حين قال له:” التمس ولو خاتمًا من حديد”، فلم يجد شيئًا حتى هذا الخاتم. ووجد عند الرجل بعض سور من القرآن يحفظها، فقال له ” زوجناكها بما معك من القرآن “!.
3ـ أن الاستمتاع قدر مشترك بين الرجل والمرأة، فكما أن الرجل يستمتع بامرأته، فالمرأة تستمتع بزوجها، وإلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ). (البقرة: 187).
فكل منهما يؤدي للآخر ما يؤديه اللباس من الستر والوقاية والدفء والزينة، والالتصاق، وكل ما توحي به كلمة ” اللباس ” في هذا المقام.
فلا يصلح استمتاع الرجل بزوجته أن يكون مقابلا للمهر، مادام أمرًا مشتركًا بينهما.
4ـ أن القرآن أشار إلى دعائم الحياة الزوجية، فجعلها دعائم معنوية في الأساس لا حسية، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (الروم: 21).
فالسكون والمودة والرحمة أمور عاطفية نفسية، وإن كان قد يدخل في السكون إلى الأزواج الجانب الجنسي، الذي يجعل كلا منهما ينجذب إلى الآخر بحكم الفطرة، وبمقتضى قانون الزوجية العام في الكون كله.
على أن الإسلام لا ينظر إلى الصلة الجنسية المشروعة على أنها أمر مستقذر لا يليق بالإنسانية المؤمنة، كما هي حياة الرهبان وأمثالهم، بل قال تعالى: وهو يتحدث عن الصيام وأحكامه، والدعاء وآدابه: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (البقرة: 187) وبهذا وضحت روعة التشريع الإسلامي في المهر.