العادة السرية:

يقول الدكتور محمد المهدي: العادة السرية .. ذلك المصطلح بما يثيره من سجالات دينية و اجتماعية أو حتى طبية، وبانتشاره الواسع سواء في الأوساط الاجتماعية والثقافية المختلفة، أو حتى بين الذكور والإناث، يحتاج منا إلى نظرة شاملة من زواياه المختلفة، بعيدًا عن الصورة الذهنية السائدة، وقوالب الإجابات الجاهزة ..

النظر للعادة السرية يتم دائمًا من ثلاثة أبعاد.. الدين والطب والمجتمع .. وغالبًا ما تتجادل الأراء وتختلف داخل البعد الواحد .. فكان لزامًا أن تخرج تلك الدراسة في محاولة لتوضيح الصورة وتحديد المفاهيم .

لا يوجد نشاط جنسي مثير للجدل والنقاش وعلامات التحذير، وفي ذات الوقت يمارس على مستوى كبير مثل العادة السرية، فعلى الرغم من كل الاعتبارات الدينية والاجتماعية والأخلاقية والطبية وشبه الطبية، فإن الثابت من الإحصاءات (خاصة تلك التي أجراها ألفريد كنزي) أن تقريبًا كل الرجال وثلاثة أرباع النساء قد مارسوا تلك العادة في فترة من فترات حياتهم، وبعضهم استمر يمارسها بقية حياته في حين توقف الآخرون.

وقد تمت بعض الدراسات الأحدث في بعض المجتمعات الغربية لقراءة الظاهرة إحصائيًّا فوجد أن 88% في سن الخامسة عشرة يمارسون العادة السرية (الاستمناء)، وأن هذه النسبة تقل مع التقدم في العمر، ووجد أيضًا أن نصف غير المتزوجين من الرجال والنساء يمارسونها حتى سن الخمسين وما بعدها، وقد يستمر الرجل في ممارستها حتى مراحل متأخرة من عمره.

ولا توجد -حسب علمي- دراسات منضبطة في المجتمعات العربية والإسلامية توضح لنا نسبة من يمارسون ذلك من الرجال والنساء، وهناك صعوبة في مثل هذه الدراسات، حيث تؤدي الوصمة الاجتماعية والموقف الأخلاقي والديني إلى ميل الناس لإخفاء هذا الأمر، وبذلك تصبح النتائج غير عاكسة للحقيقة، وهذا ما يجعل الباحثين في العلوم النفسية عازفين عن القيام بدراسات في مثل هذه المسائل، ولكن الملاحظات الطبية والحياتية اليومية تؤكد انتشار هذا الأمر بشكل واسع، خاصة لدى الشباب الذي يعيش أزمة التعرض للمغريات ليل نهار على الفضائيات وفي الإنترنت والشارع في الوقت الذي لا تتاح له فرصة الزواج، وإن أتيحت فلا تأتي إلا في وقت متأخر من عمره.

ومن هنا كانت أهمية دراسة هذا الموضوع برؤى متعددة ومحايدة.

أسماء العادة السرية وتعريفها:

اللفظ الأكثر شيوعًا في العصر الحالي هو العادة السرية، أما في العصور السابقة فقد كانت تستخدم كلمات أخرى للتعبير عن هذا الفعل.. وفي اللغة العربية يسمى “استمناء” عند الذكور و”تبظرًا” عند الإناث، وهو يعني الدلك بقصد للأعضاء التناسلية مع تخيلات جنسية أو بدونها؛ للوصول إلى درجة الإنزال (القذف).. وفي هذه الدراسة قد نستخدم مصطلح العادة السرية أو الاستمناء كمرادفين للدلالة على نفس الفعل.

معركة العادة السرية بين الطب والدين:

بسبب تضارب الآراء الطبية والدينية يدخل الكثير من المراهقين والشباب في صراع مرير ومؤلم مع العادة السرية، فهم يقعون تحت ضغط وإلحاح الغريزة الجنسية وفي نفس الوقت لا يجدون مصرفًا طبيعيًّا مشروعًا لها فيلجئون للعادة السرية وربما ينغمسون فيها، ثم تطاردهم أفكار بأن ما فعلوه يؤدي إلى ضعفهم العام وهزالهم واصفرار وجوههم وحب الشباب المنتشر لديهم، والدمامل التي تصيبهم، وضعف بصرهم، والرعشة في أطرافهم، وقلة تركيزهم وتوهانهم وشرودهم.. ثم يزداد الأمر صعوبة ويزداد الضغط على أعصابهم حين يسمعون أن الاستمناء حرام، هنا تثور مشاعر الذنب وربما تستمر لسنوات، وتحدث حالة من ضعف تقدير الذات والإحساس بالدونية والقذارة والضعف والهوان.

وقد كان بعض علماء النفس يعتقدون أن حالات النهك العصبي (الشعور بالإرهاق والتعب والضعف) قد يسببها إدمان العادة السرية، وقد ثبت بعد ذلك من الأبحاث العلمية أن تلك الحالة من الإرهاق والتعب يكمن وراءها مشاعر الخوف والذنب والصراع المرير مع الرغبة والعجز عن تصريفها أو التسامي بها، كل هذا يشكل استنزافًا لقوى الشخص، ونظرًا لاعتياد الشخص على الاستمناء واعتقاده بأنه مرفوض دينيًّا واجتماعيًّا وطبيًّا ومع ذلك يمارسه، فإن ذلك يؤدي إلى حالة من الازدواجية، حيث يظهر أمام المجتمع في صورة الشخص المهذب المطيع، وحين يخلو إلى نفسه يفعل عكس هذا تمامًا.. وهنا تترسب في أعماقه فكرة أنه منافق أو مخادع أو جبان، وترتبط لديه مشاعر اللذة (أي لذة) بالشعور بالإثم والعار.

الموقف الطبي من العادة السرية:

هذا الموقف تعكسه المعلومات المتوفرة في المراجع العلمية، ونحاول أن نوجزه فيما يلي: تعتبر العادة السرية تجربة أولية (بروفة) للعلاقة الجنسية، وهي نوع من الممارسة السرية الذاتية قبل الخروج بالممارسة إلى العلاقة الثنائية التي يوجد فيها طرف آخر.

وقد يعتقد البعض خطأ أن العادة تبدأ ممارستها بعد البلوغ، وهذا غير صحيح فمن المعروف أن محاولات الإثارة الذاتية شائعة ليس فقط في سن الطفولة، بل حتى في سن الرضاعة، حيث يقوم الطفل بملامسة أعضائه التناسلية فيستشعر أحاسيس معينة؛ نظرًا لوجود أعضاء حسية جنسية في هذه المناطق فيشجعه ذلك على معاودة هذا الفعل، وبعضهم ينغمس في ممارستها من وقت لآخر إلى درجة الإرهاق، ما يؤدي إلى إزعاج الأهل وشفقتهم على الطفل أو الطفلة.

هذا النوع من الممارسة الطفولية يبدأ كنوع من حب الاستطلاع، فكما يتعرف الطفل على أصابعه وفمه يفعل نفس الشيء مع أعضائه التناسلية، ولكن ملامسة الأعضاء التناسلية تعطي قدرًا أكبر من الأحاسيس السارة للطفل؛ لذلك يعاود ملامستها ويصبح لديه اهتمام طبيعي بهذه الأعضاء وبما يتصل بها من أحاسيس.

وقد تحاول الأم كف الطفل (أو الطفلة) عن هذا الفعل فيتوجه انتباهه (أو انتباهها) أكثر تجاه هذه الأعضاء المثيرة والمرفوضة في ذات الوقت، وهذا ربما يثبت العادة أكثر وأكثر، وبينت الدراسات أن الأطفال يبدءون في مداعبة أعضائهم التناسلية في سن 15 – 19 شهرًا من عمرهم، ولا يتوقف اهتمام الطفل على أعضائه التناسلية فقط وإنما يمتد اهتمامه إلى أعضاء الآخرين (كنوع من حب الاستطلاع)، مثل الأبوين أو الأطفال الآخرين أو حتى الحيوانات.

ومن هنا تبدأ محاولات الاستعراض والاستكشاف لتلك الأعضاء بين الأطفال وبعضهم، وقد يتوقف عند المشاهدة وقد يتعداه إلى الملامسة، وهي سلوكيات تعتبر طبيعية بشرط عدم الاستغراق والتمادي فيها، أي أنها تكون سلوكيات عابرة في حياة الطفل يتجاوزها مع نموه النفسي والاجتماعي، ويكتسب القدرة على الضبط السلوكي والاجتماعي فيعرف ما يجب وما لا يجب بالقدر الذي يناسب مراحل نموه وتطوره.

ولكي يحدث ذلك فمن الأفضل ألا تحاط هذه الأشياء الاستكشافية بمشاعر ذنب شديدة أو بتحذيرات مخيفة أو بعقوبات قاسية؛ لأن كل ذلك من شأنه أن يحدث تثبيتًا لهذا السلوك، ويشعل الرغبة أكثر وأكثر في مزيد من حب الاستطلاع لهذه الأشياء اللذيذة والممنوعة في آن واحد لدى الطفل.

ومع بداية البلوغ وزيادة نشاط الهرمونات الجنسية، تشتعل الرغبة بشكل كبير وتزيد معدلات ممارسة العادة السرية لدى المراهقين، خاصة أنه ليست لديهم وسيلة أخرى لتفريغ هذه الطاقة، وليست لديهم مهارات كافية للتعامل معها بشكل إيجابي.. ويزيد هذا الأمر لدى المراهق المنطوي الهادئ الذي يفتقد للعلاقات الاجتماعية وليست لديه اهتمامات ثقافية أو رياضية مشبعة؛ لأن طاقته في هذه الحالة تتوجه أغلبها في اتجاه العادة السرية.

وفي هذه المرحلة من العمر تُحْدث الرغبة الجنسية ضغطًا هائلاً على المراهق، فهو قادر على الممارسة الجنسية، ولكن القيود والضوابط الاجتماعية تمنعه من ذلك، وهنا يشعر بتوتر شديد ويبحث عن مسار آمن يخفف به هذا الضغط، فيجد أمامه العادة السرية التي تشعره بهويته الجنسية، وفي ذات الوقت لا تعرضه لمشاكل اجتماعية.

ومن المعروف أن الذكور يمارسون العادة السرية بشكل أكثر من الإناث ويصلون فيها إلى درجة الإرجاز (القذف والنشوة)، وهناك فرق مهم بين ممارسة العادة السرية في الطفولة وممارستها في المراهقة وهو وجود الخيالات الجنسية في فترة المراهقة، تلك الخيالات التي تلعب دورًا في تحديد الهوية الجنسية فيما بعد، فإذا كانت الخيالات المصاحبة للممارسة غيرية (أي موجهة للجنس الآخر) تأكدت الهوية الجنسية تجاه الجنس الآخر.

أما إذا كانت تجاه نفس الجنس فإن الهوية الجنسية المثلية تتأكد مع تكرار الممارسة مع هذه الخيالات، وتمتد ممارسة العادة السرية في سن الشباب إلى أن تستبدل الممارسة الطبيعية مع الزواج بها، وهناك بعض الناس يستمرون في ممارستها بعد الزواج في فترات تعذر الممارسة الطبيعية كالبُعْد عن الزوجة، أو عدم الرضا بها، أو وجود عائق مثل الحمل أو الولادة أو مرض الزوجة أو الزوج… إلخ.

وفي نسبة قليلة من الأزواج قد تكون العادة السرية بديلاً مفضلاً عن الممارسة الجنسية الطبيعية حتى في حالة إتاحة الأخيرة، ويكون هذا نوعًا من التثبيت على الإثارة الجنسية الذاتية، وهنا تحدث مشاكل زوجية كثيرة؛ نظرًا لاكتفاء الزوج بالإشباع الذاتي وانعزاله عن زوجته.

وقد بيّن “كينزي” (الباحث الشهير في السلوك الجنسي) أن غالبية النساء يفضلن التنبيه البظري أثناء ممارسة الاستمناء، وأكد “ماستر وجونسون” (وهما أيضًا من أشهر الباحثين في السلوك الجنسي) أنهن (أي النساء) يفضلن مداعبة عنق البظر وليس رأسه، حيث إن الأخير يكون شديد الحساسية للاستثارة الزائدة.

أما الذكور فيمارسونها عن طريق مداعبة عنق القضيب ورأسه بشيء من العنف أحيانًا، وهناك طرق أخرى للممارسة لدى الجنسين حسب طبيعة ومزاج كل شخص، وبعض هذه الطرق قد تحمل مخاطر للأعضاء الجنسية خاصة في الفتيات، كأن تحاول الفتاة إدخال جسم غريب في العضو التناسلي، ما يؤدي إلى فض غشاء البكارة، أو حدوث تقرحات أو التهابات في هذه الأعضاء.

وعلى الرغم من بعض الأقوال التي تشير إلى أن العادة السرية تؤدي إلى المرض النفسي أو إلى ضعف القدرة الجنسية فإنه لا يوجد دليل علمي على ذلك، ويبدو أن هذه الأقوال مرتبطة أكثر بالتحريم الأخلاقي أو الاجتماعي.

الحالات التي تصبح بها العادة السرية عرضا مرضيا:

أما من الناحية الطبية فإن العادة السرية تصبح عرضًا مرضيًّا فقط في ثلاث حالات: 1 – حين تصبح قهرية، بمعنى أن الشخص لا يستطيع التحكم فيها، وينغمس فيها لأوقات طويلة حتى وهو غير مستمتع بها.

2 – حين يسرف فيها إلى درجة كبيرة، فالإسراف في أي شيء يعتبر اضطرابًا يخرج عن إطار الصحة التي تتطلب الاعتدال.. والإسراف هنا يؤدي إلى حالة من الإرهاق والتشوش والعصبية، ويستهلك طاقة الإنسان التي كان يجب أن توظف في أنشطة إيجابية.

3 – حين تصبح بديلاً للممارسة الجنسية الطبيعية فيكتفي بها الشخص وينصرف عن الزوج أو عن الزوجة.

ونظرًا لأن العادة السرية تمارس على نطاق واسع في كل الثقافات؛ لذا يرى الباحثون أنها مرحلة في النمو النفسي – الجنسي، وأنها في فترات معينة تكون نشاطًا تكيفيًّا لحين توافر الممارسة الطبيعية.

كان هذا هو الرأي الطبي والذي ننقله عن عدة مصادر، أهمها:

Synopsis of Psychiatry , By Sadock ,B and Sadock , V , vol 2 , 2004

وهو المرجع الأساس في الطب النفسي في أكثر دول العالم، وقد يختلف البعض أو يتفقون مع بعض أو كل ما ورد فيه، ولكنه يبقى رؤية طبية قائمة على الملاحظة العلمية والدراسات الإحصائية، وكعادة العلم فهو قابل للمراجعة والتعديل مع توالي الدراسات والأبحاث.

حكم الشرع في العادة السرية (الاستمناء):

فعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئًا إلا وضّحه وتحدث فيه فإنه لم يتحدث عن هذا الأمر وسكت عنه مع أنه منتشر بين الناس، وخاصة الشباب في ذلك العصر وفي كل العصور، ولا يتصور أن يسكت الرسول عن أمر واسع الانتشار كهذا الأمر نسيانًا.. وهذا يجعلنا نتعامل مع هذا الأمر على أنه من المسكوت عنه رحمة بالناس وتقديرًا لضعفهم واحتياجاتهم.

أما على مستوى القرآن الكريم فالله تعالى يقول في سورة المعارج: ” وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ” (المعارج: 29 – 31). ووردت آيات ثلاث بنفس النص في سورة المؤمنون: “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ” (المؤمنون: 5 – 7).

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآيات من سورة “المؤمنون”: “أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج؛ ولهذا قال: “فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك” أي غير الأزواج والإماء “فأولئك هم العادون” أي المعتدون.

وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة: “والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم” قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال الله تعالى “فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون”، وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفة في جزئه المشهور، حيث قال: حدثني علي بن ثابت الجزري عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين ويدخلهم النار في أول الداخلين إلا أن يتوبوا ومن تاب تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل والمفعول به، ومدمن الخمر، والضارب والديه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره” هذا حديث غريب وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته، والله أعلم (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، الجزء الثالث، دار المعرفة، بيروت، صفحة 249، 250).

المقصود بقوله تعالى ” فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون”:

اختلف العلماء حول المقصود من قوله تعالى “ما وراء ذلك” كالتالي:(1) الشافعية والمالكية: رأوا أن العادة السرية (الاستمناء) تدخل في “ما وراء ذلك”، وبالتالي فإن من يرتكبها يكون من “العادون”، وبالتالي فهي حرام.. وهذا الحكم يجعل العادة السرية في مقام الزنا، ولم يقل بذلك أحد، والقول بالتحريم هنا لا يستند إلى دليل صريح.

(2) الحنفية: رأوا أن “ما وراء ذلك” يقصد بها الزنا فقط، وبالتالي فإن العادة السرية مكروهة، وإن ممارستها تنتقل من الكراهة إلى الإباحة بثلاثة شروط:

1 – أن يلجأ إليها الشخص خشية الوقوع في الفاحشة.

2 – أن من يقوم بها يكون غير متزوج.

3 – أن يمارسها لتصريف الشهوة إذا غلبته وليس لإثارة الشهوة الكامنة.

ويقول الشيخ سيد سابق عن حكم الاستمناء (العادة السرية) في كتابه “فقه السنة” (المجلد الثاني، الطبعة الثامنة، 1407هـ – 1987م، دار الكتاب العربي، بيروت.. صفحة 388 – 390).
“استمناء الرجل بيده مما يتنافى مع ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من الأدب وحسن الخلق، وقد اختلف الفقهاء في حكمه: فمنهم من رأى أنه حرام مطلقًا، ومنهم من رأى أنه حرام في بعض الحالات وواجب في بعضها الآخر، ومنهم من ذهب إلى القول بكراهته.. أما الذين ذهبوا إلى تحريمه فهم المالكية والشافعية والزيدية، وحجتهم في التحريم أن الله سبحانه أمر بحفظ الفروج في كل الحالات، إلا بالنسبة للزوجة وملك اليمين، فإذا تجاوز المرء هاتين الحالتين واستمنى كان من العادين المتجاوزين ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم.. يقول الله سبحانه: “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ” (المعارج 29 – 31).

وأما الذين ذهبوا إلى التحريم في بعض الحالات، والوجوب في بعضها الآخر فهم الأحناف، فقد قالوا: إنه يجب الاستمناء إذا خيف الوقوع في الزنا بدونه، جريًا على قاعدة: ارتكاب أخف الضررين.. وقالوا: إنه يحرم إذا كان لاستجلاب الشهوة وإثارتها، وقالوا: إنه لا بأس به إذا غلبت الشهوة، ولم يكن عنده زوجة أو أمة واستمنى بقصد تسكينها.

وأما الحنابلة فقالوا: إنه حرام، إلا إذا استمنى خوفًا على نفسه من الزنا، أو خوفًا على صحته، ولم تكن له زوجة أو أمة، ولم يقدر على الزواج، فإنه لا حرج عليه.

وأما ابن حزم فيرى أن الاستمناء مكروه ولا إثم فيه؛ لأن مسّ الرجل ذكره بشماله مباح بإجماع الأمة كلها، وإذا كان مباحًا فليس هنالك زيادة على المباح إلا التعمد لنزول المنى، فليس ذلك حرامًا أصلا؛ لقوله تعالى: “وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ” (الأنعام: 119).. وليس هذا مما فصّل لنا تحريمه، فهو حلال لقوله تعالى: “خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا” (البقرة:29).

وقال: وإنما كره الاستمناء؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولا من الفضائل، وروى لنا أن الناس تكلموا في الاستمناء فكرهته طائفة وأباحته أخرى، وممن كرهه ابن عمر وعطاء، وممن أباحه ابن عباس والحسن وبعض كبار التابعين، وقال الحسن: “كانوا يفعلونه في المغازي” (انتهى كلام الشيخ سيد سابق).

وورد في موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر التي يرأس تحريرها الدكتور عبد الحليم عويس (الجزء الثالث – دار الوفاء – الطبعة الأولى 1426هـ – 2005م، صفحة 620، 621 في باب “مشكلات الجاليات الإسلامية في ضوء الفقه الإسلامي” ما يلي:

لا ينكر عاقل أن هذه العادة إنما هي عادة مرذولة، وأنها مما تنفر منه الفطرة السليمة، وقد ذهب كثير من العلماء إلى تحريم الاستمناء باليد، ولا شك أن هذا التحريم هو الأصل خضوعًا لنداء الفطرة التي توجب وضع هذه الطاقة الغالية في مصارفها الصحيحة، وأيضًا لما يفهمه العقل المسلم من قوله تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ” (المؤمنون: 5 – 7)، فلا شك أن الآية تفيد أنه ما وراء الزوجة وملك اليمين حرام، والاستمناء باليد هو مما وراء ذلك.

وإلى هذا الرأي ذهب الإمام مالك والجمهور، لكن الإمام أحمد بن حنبل اعتبر المني فضلة من فضلات الجسم، فجاز إخراجه كالفصد وقد أيده في ذلك الإمام ابن حزم، لكن فقهاء الحنابلة قيدوا هذا الجواز بأمرين:

الأول: خشية الوقوع في الزنا.

الثاني: عدم القدرة على الزواج.

ويرى الدكتور يوسف القرضاوي، ويوافقه في ذلك الشيخ محمد الغزالي، والشيخ حسنين مخلوف، والدكتور سعيد رمضان البوطي، رئيس قسم الفقه بجامعة دمشق والدكتور عبد العزيز الخياط عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، والشيخ علي الطنطاوي، وغيرهم، يرى كل هؤلاء أنه من الأولى الأخذ برأي الإمام أحمد بن حنبل في حالات ثورات الغريزة وخشية الوقوع في الحرام.. كشاب يتعلم أو يعمل غريبًا عن وطنه في أوروبا أو أمريكا أو غيرها، لا سيما أن أسباب الإغراء أمامه كثيرة وهو يخشى على نفسه العنت، فلا جرم عليه أن يلجأ إلى هذه الوسيلة (غير الطبيعية) يطفئ بها ثوران الغريزة على ألا يسرف فيها أو يتخذها عادة.

وينصح هؤلاء الأساتذة الشباب الذين يتعرضون لمثل هذه الحالات باللجوء إلى المراكز الإسلامية، والاندماج في أنشطتها ومجتمعاتها الطيبة والإكثار من صوم أيام الإثنين والخميس، وغيرهما إذا تهيأت لهم الفرصة (انتهى كلام الدكتور عبد الحليم عويس في موسوعة الفقه الإسلامي).

الاستمناء بعد الزواج:

قد يستمر بعض المتزوجين في ممارسة الاستمناء بعد زواجهم، وهناك ثلاثة أنماط لهذا الاستمرار: 1 – أن يكون في فترات ابتعاد الزوجين عن بعضهما جسديًّا بسبب السفر أو الحيض أو النفاس أو المرض.. وفي هذه الحالة يتوقف الاستمناء عند زوال السبب.

2 – أن يفضله أحد الزوجين على العلاقة الزوجية الطبيعية، ويرجع ذلك إلى اعتياده (أي الاستمناء) أو إدمانه، أو الفشل في إقامة علاقة مشبعة مع آخر، والاكتفاء أو الميل للإشباع الذاتي.. وقد يكون هذا في بعض الشخصيات النرجسية أو الشخصيات المنطوية والتجنبية، أو نتيجة نفور من الشريك أو مكايدة له أو عدوان عليه.

وبعض الأزواج يقررون أنهم يجدون في الاستمناء متعة أكثر من العلاقة الزوجية، خاصة أنهم يكونون أحرارًا في تخيلاتهم ورسم الصور والسيناريوهات التي يحبونها أثناء ذلك، وربما يكون لدى بعضهم ميول جنسية مثلية فيفضلون الاستمناء مع تخيلات جنسية مثلية على العلاقة بالجنس الآخر.

3 – أن يمارسه أحد الزوجين بمساعدة الآخر، وفيه إشارة إلى ميول نرجسية وإلى التعلق بخيالات الطفولة والمراهقة بديلاً عن العلاقات الأكثر نضجًا، وقد يكون هذا شيئًا مقبولا إذا تم بطريقة تبادلية كوسيلة للاستمتاع بين الطرفين.

4 – أن يرتبط الاستمناء بممارسة سلوك مرضي مثل “الاستعراء” (بأن يظهر الشخص أعضاءه التناسلية أمام الآخرين ويجد متعة في ذلك)، أو التلصص (بأن يتلصص على أحد يغير ملابسه فيراه عاريًا أو على زوجين يمارسان الحب)، أو يكون الشخص مريضًا نفسيًّا (كالفصام والهوس) فيفعل ذلك أمام الناس دونما اكتراث، وربما يفعله أمام محارمه.

واستمرار الاستمناء بعد الزواج بصورة منتظمة قد يسبب مشكلة؛ لأنه يسرب الطاقة الجنسية بعيدًا عن الشريك، وبالتالي يؤثر على العلاقة بين الزوجين، وحين يكتشف الشريك ذلك يعتبر ذلك إهمالاً له أو انتقاصًا من كيانه أو عدوانًا عليه، إضافة إلى ما يتركه من نظرة احتقار إلى هذا الفعل غير الناضج وإلى من يقوم به.

تخيلات الاستمناء وأثرها ودلالاتها:

تعتبر التخيلات السابقة والمصاحبة للاستمناء من الأهمية بمكان، حيث إنها تحدد إلى مدى بعيد التفضيلات الجنسية للشخص؛ ولذلك نهتم -كمتخصصين- بالسؤال عنها، فهي تكشف عما إذا كانت الميول والرغبات في اتجاهها الطبيعي، أم أنها تذهب في اتجاهات فرعية أو جانبية أو غريبة.

وتتوقف تفاصيل هذه التخيلات على ثقافة الشخص وقدرته على صنع صور ذهنية تصل به إلى قمة الإحساس بالرغبة والتي ربما تصل لدى البعض إلى حالة الإنزال بدون مداعبة جسدية أو بأقل قدر من المداعبة.. وهذا النوع يسمى “الاستمناء النفسي”، واستخدام تخيلات معينة قد يدعم التوجهات الجنسية سواء كانت طبيعية أم شاذة؛ لأن تكرار الإحساس بلذة الإرجاز مع وجود تخيل معين يثبت هذا التخيل ويجعله موضوعًا شبقيًّا تتوجه ناحيته الطاقة الجنسية.

وهذا الأمر قد يستخدم في تعديل بعض الميول الجنسية الشاذة، وترتبط التخيلات بالمدلولات الثقافية لموضوعات الحب والجنس، وقد تكون في بعض الأحيان جانحة أو جامحة بحيث تستخدم صورًا وألفاظًا يصعب استخدامها في السياق المعتاد للشخص، ولكنها مع جموحها وفجاجتها تحرك مشاعر الشخص ورغباته، وقد تعكس ميل أنماط ومستويات دنيا من الحياة تكون أكثر حرية وشبقية وبدائية وانغماسًا في الملذات بعيدًا عن دواعي الرقي والتحضر.

أنماط من الاستمناء:

1- الاستمناء الاستكشافي.. ويحدث في الأطفال والمراهقين كنوع من حب الاستطلاع، وقد يتوقف بعد فترة أو يستمر ويأخذ أحد الأنماط الأخرى.حسب علمنا وبعد محاولات بحث وتقص عديدة لا يوجد حديث صحيح حول موضوع الاستمناء (العادة السرية)، وكل ما ورد من أحاديث عنها إما ضعيف أو موضوع، مثل “ناكح كفَّيه ملعون”.. وهذا يستدعي وقفة وتأملاً.

2 – الاستمناء الاستمتاعي (الترفيهي).. ويمارسه الشخص بهدف الاستمتاع والشعور باللذة، خاصة أن الأعضاء الجنسية مزودة بكم هائل من الأعصاب الحسية التي تعطي أكبر قدر من اللذة يستشعره الجهاز العصبي.

3 – الاستمناء التفريغي.. ويقوم به الشخص حين يشعر بالرغبة الجنسية تضغط عليه وتسبب له حالة من التوتر فيشعر بعد الاستمناء أن الشحنة التي كانت مخزونة في داخله قد تم تفريغها، ويستريح لعدة ساعات أو أيام حتى تتراكم شحنة أخرى تتطلب التفريغ، وهكذا…

4 – الاستمناء القهري.. وفيه يشعر الشخص بحالة من التوتر الشديد مع رغبة لا تقاوم في الاستمناء للتخلص من هذا التوتر، والشخص يحاول أن يقاوم هذه الرغبة العارمة، ولكنه في النهاية يسلم لها فيمارس الاستمناء ليستريح بعض الوقت، ويعاوده التوتر مرة أخرى بعد مدة قصيرة غالبًا ويحاول المقاومة ويفشل فيستسلم، وهكذا…

ربما يتكرر ذلك مرات عديدة في اليوم الواحد مع إحساس شديد بالندم بعد كل مرة، والشخص الذي يقع فريسة للاستمناء القهري لا يجد ريًّا ولا إشباعًا حين يمارس تلك العادة؛ لأن الإرجاز (هزة القذف) حدث على مستوى عضوي ولم يكتمل على المستوى النفسي، واكتماله على المستوى النفسي هو الذي يعطي الإشباع الكامل، وهذا المستوى يحتاج لشريك جنسي حقيقي مشروع يساعد على ذلك، خاصة في وجود مشاعر طيبة من السكن والمودة والرحمة، فالشعور بالارتواء ليس من صفات الجسد وإنما من صفات النفس والروح.

والممارسة القهرية للاستمناء أشبه ما تكون بمدمن المخدرات الذي لا يشبع ولا يكتفي ولا يرضى، وإنما يظل دائمًا تحت تأثير الحاجة إلى المخدر، أو كمن يشرب من ماء البحر يريد أن يرتوي منه فيصبح في كل مرة أكثر عطشًا.

والاستمناء القهري قد يكون عقابًا للذات، والعقاب هنا يتمثل في شيئين: الفعل نفسه وما يمثله لدى الأنا من عملية استنزاف للطاقة، ثم ما يعقبه من مشاعر تأنيب الضمير القادمة من الأنا الأعلى.

5 – استمناء الخجول المنطوي.. الشخص الذي يهرب من الواقع، ويجد صعوبة في إقامة علاقات اجتماعية صحية مع الآخرين، ويجد صعوبة أكثر في التعامل مع الجنس الآخر، وهذا النوع من الشخصيات يستسلم لخيالاته وهو قابع في عزلته، ويختزل الجنس الآخر إلى موضوع جنسي فقط؛ لذلك يرتبك بشدة عند مواجهته، وكأن تخيلاته وتصوراته عنه تكاد تفضحه.. لذلك يرتبك ويحمر وجهه ويتلعثم ويهرب في أقرب فرصة من تلك المواجهة التي تكاد تخرج خبيئة نفسه.

هذا الشخص يميل إلى الاستمتاع الذاتي بعيدًا عن الآخرين، والاستمناء هنا يغنيه عن الشريك الذي لا يقوى على الاقتراب منه أو مواجهته.

6 – استمناء المحبط.. والشخص المحبط يميل إلى الاستمناء كوسيلة للخروج من إحباطه، ولدينا نوعان من هؤلاء الأشخاص (عبد المنعم الحفني، الموسوعة النفسية الجنسية، 1992):
المحبط العدواني.. وهو هنا يخرج غضبه، وعدوانه في صورة الاستمناء، وكأنه يعاقب نفسه ويعاقب الآخرين بممارسة هذا الفعل، ويحدث لديه اقتران بين اللذة والعقاب، وبما أنه يريد طول الوقت أن يعاقب نفسه أو الآخرين فإنه يعاود الممارسة مرات عديدة طول اليوم حتى يصل إلى حالة من الإرهاق الجسدي والنفسي.

المحبط المكتئب.. وهو شخص مفتقد للحب ومفتقد للاستمتاع؛ لذلك يحاول من خلال الاستمناء تنشيط قدرته على الاستمتاع أو تخيل مشروع أو موضوع للحب.. والمكتئب أيضًا لديه شعور بالذنب؛ ولذلك يعاقب نفسه بالانغماس في الاستمناء كوسيلة لاستنزاف القوة.

7 – الاستمناء النرجسي.. فالشخص النرجسي المعجب بذاته والمنشغل بها قد يجد تلك الذات أفضل موضوع للاستمتاع، فيمارس الاستمتاع الذاتي من خلال مداعبة أعضائه، وقد يكون هذا بديلاً عن العلاقة بآخر أو بأخرى.

8 – الاستمناء الفصامي.. فالفصامي منكفئ على نفسه ومنعزل عن العالم، وليست لديه القدرة على التواصل الإنساني الطبيعي؛ ولهذا تنتشر العادة السرية بين الفصاميين، خاصة أن أكثرهم لا يتزوجون.

العادة السرية والخنق:

هناك طريقة في ممارسة العادة السرية تسمى الإثارة الذاتية بالخنق، وفيها يقوم الشخص بممارسة العادة السرية بينما هو يخنق رقبته بأي شيء؛ وذلك بهدف الارتفاع بالإحساس الشبقي لقمته وليصل إلى قمة النشوة من خلال تقليل كمية الأكسجين الواصلة للمخ، وبالتالي تثبيط المراكز العليا فيه والمنوطة بالتحكم والسيطرة والتعقل، وهذا يتيح الفرصة للمراكز الدنيا (الشبقية والعدوانية) لتتحرر وتبلغ الذروة في الأحاسيس المطلوبة.

وبسبب هذه الطريقة في ممارسة العادة السرية يموت 500 – 1000 شخص في أمريكا سنويًّا وهم لا يقصدون الانتحار، ومعظم من يفعلون ذلك هم من الذكور الذين لديهم ميل لارتداء أزياء الجنس الآخر للشعور باللذة الجنسية، وهم غالبًا من المراهقين وتغلب عليهم النزعة الماسوشية (الرغبة في تعذيب الذات واستشعار اللذة في ذلك)، وعادة ما يكون لديهم اضطراب نفسي مثل الفصام واضطرابات المزاج.

وبسبب التواصل القوي على شبكة الإنترنت أصبح الشباب في كثير من أنحاء العالم يحاولون تقليد هذه الطريقة كنوع من حب الاستطلاع والمغامرة، وفي العالم العربي تم رصد عدد من هذه الحالات، خاصة تلك التي انتهت بالوفاة نتيجة خطأ غير مقصود من الشخص، وقد أثار موضوع الخنق ضجيجًا إعلاميًّا منذ شهور على الفضائيات العربية دون الانتباه إلى مغزاه ومقاصده الحقيقية.

مكافِآت الاستمناء:

قد يقوم الشخص بأفعال تعتبر بديلة عن الاستمناء المعروف (القائم على مداعبة الأعضاء الجنسية مع التخيل أو بدونه)، وذلك بلمس عضو من أعضاء الجسد كالفم أو الثديين أو أي منطقة من الجلد، أو يقضم أظافره، أو يعاود شد الجلد الميت بجوار الظفر، أو يعض ذراعه ويتشمم مكان العض، أو يلهو بأطراف ثوبه أو منديله، أو يلعب في ياقة قميصه أو يلوكها في فمه من حين لآخر، أو ينتف شعره أو يفتله، أو يتحسس أنفه بأصابعه من وقت لآخر، أو يضع شيئًا في فمه بشكل مستمر كالسيجارة أو القلم، أو يمسك شحمة أذنه، أو يدخل إصبعه في أنفه أو أذنه أو فمه… إلخ.

هذه الأفعال قد تأخذ شكل العادة أو تصل في حدتها وشدتها إلى مستوى الفعل القهري الذي لا يستطيع الشخص أن يقاومه، وقد تزيد بشكل ملحوظ في أوقات الضغوط والتوترات النفسية.

الاستمناء كعلاج:

أحيانًا يستخدم الاستمناء كعلاج في الحالات التالية: 1 – الجنسية المثلية.. حيث يتطلب الأمر إحداث ارتباطات شرطية جديدة، بمعنى أن ترتبط لذة الإرجاز (القذف ونشوة الإنزال) بتخيلات جنسية طبيعية (أي موجهة نحو الجنس الآخر) بديلاً عن التخيلات الشاذة (الموجهة نحو نفس الجنس).

ومع تكرار الاستمناء مع تخيل الجنس الآخر أو رؤية صور تمثله، يتكون ارتباط شرطي جديد يحول الطاقة الجنسية مع الوقت إلى المسار الطبيعي لها بشكل كلي أو جزئي.

2 – علاج القذف المبكر.. وفيه يقوم الرجل بمحاولة الاستمناء ثم التوقف عند الشعور بالاقتراب من الإنزال، ويكرر ذلك عدة مرات، وهذا يعطيه القدرة على التحكم في سرعة القذف.. وقد تفعل ذلك زوجته له في تدريبات مشتركة بحيث تساعده على ضبط سرعة قذفه.

3 – علاج البرود الجنسي.. خاصة عند النساء، حيث تعتبر عمليات الاستمناء نوعًا من تنشيط الأحاسيس الجنسية لدى المرأة التي تعاني من البرود.

كلمة أخيرة:

حتى لا يزداد الناس حيرة تجاه موضوع العادة السرية (الاستمناء) بعد استعراض الموقف الطبي والآراء الفقهية المختلفة، نحاول أن نوجز الأمر في نقاط محددة:

1 – على الرغم من عدم ثبوت علاقة مؤكدة بين العادة السرية، وبين الأمراض النفسية أو الجسدية باستثناء الحالات المرضية لممارسة العادة (كأن تكون قهرية أو يكون هناك إسراف شديد في ممارستها أو تكون بديلاً للعلاقة الزوجية الطبيعية)، فإن الأطباء لا يشجعون على ممارستها كما أنهم في نفس الوقت لا يأخذون موقفًا مبالغًا فيه في التخويف أو التحذير من آثارها، فهي في المنظور الطبي جزء من مراحل النمو النفسي والجنسي، وتجربة أولية للنشاط الجنسي تجهيزًا للممارسة الطبيعية فيما بعد، وربما تكون تفريغًا للضغط الجنسي حين لا تكون هناك وسيلة أخرى للتفريغ.

2 – وعلى مستوى الآراء الشرعية نلاحظ ما يلي:
(1)  أن العادة السرية من الأمور المسكوت عنها أو على الأقل التي لم تذكر بتفصيل كأحد المحرمات صراحة، ويمكن أن نفسر هذا السكوت أو عدم التفصيل بشيئين: الأول: أن حكمة الله اقتضت عدم التضييق على الناس في أمر يعرف بعلمه صعوبة التحكم فيه بشكل مطلق وفي كل الأحوال.

الثاني: انشغال الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم جميعًا بالأمور الهامة والحيوية في الحياة كالجهاد والعبادات والعمل ونشر الدين، ولم يعيروا ظاهرة الاستمناء اهتمامًا كبيرًا؛ ولذلك لم تشكل أمرًا يستحق الانشغال أو السؤال.

(2)  أن اجتهادات الأئمة تدرجت من الوجوب إلى المباح في ظروف معينة، إلى المكروه إلى الحرام في ظروف أخرى، وأن تلك الظروف تتوقف على أحوال الشخص وتقديره لاحتياجه أو اضطراره، وهذا الأمر يلقى بالمسئولية على الشخص وفي نفس الوقت يحترم ظروفه وتقديراته، ويبتعد عن التعميم في هذا الأمر.

ومع هذا نجد العلماء المحدثين يصدرون أحكامًا تعميمية في مسألة العادة السرية وأغلبها يميل نحو التحريم، وهذا يضع الناس في صراع مع أنفسهم وبعضهم يصل إلى حد الصراع المرضي؛ بسبب فشله في السيطرة على ممارسة هذه العادة من ناحية وإحساسه بالوقوع في الحرام من ناحية أخرى.

3 – أن العادة السرية ليست من فضائل الأعمال ولا من مكارم الأخلاق، ومع هذا قد تكون مخرجًا مؤقتًا لطاقة لم تجد مصدرًا مشروعًا تنصرف فيه، أو إشباعًا لاحتياجات مُلحّة، أو تخفيفًا لضغط غريزي، وذلك في ظروف بعينها وبشرط أن يسعى الإنسان لتجاوزها إلى مصادر التصريف والإشباع والاستمتاع والإمتاع بالطرق الطبيعية والمشروعة والمثمرة.

وقد تكون حرامًا واستنزافًا لطاقة غالية حين تصبح بديلاً لتلك الطرق (كما نفهم من آراء الفقهاء التي سبق استعراضها)، وعلى كل مجتمع أن يعيد بناء منظومته بحيث يتيح الإشباع المشروع للغرائز والاحتياجات بشكل متوازن، وأن يخفف من عوامل الإثارة الحسية المشعلة للغرائز والمصحوبة -في تناقض عجيب- بصيحات تحذير وترهيب وترويع.

4 – أن مجالات الرؤية المتسعة والإدراك متعدد المستويات للحياة والوجود، والإبداع والعمل والسعي لعمارة الأرض ونفع الناس في رضا الله يجعل أمرًا مثل العادة السرية، وغيرها يأخذ حجمه الطبيعي فلا يستلزم كل هذا العنت ولا يستغرق تفكير الشباب أو الكبار ولا يستهلك طاقاتهم، حيث تكون معالي الأمور قد سبقت واستحوذت على الاهتمام والطاقة فصرفتهما فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض.

هوامش ومصادر:

(1) القرآن الكريم
(2) الإمام الحافظ أبى الفداء إسماعيل بن كثير القرشى الدمشقى (المتوفى سنة 774ه) . تفسير القرآن العظيم , الجزء الثالث , دار المعرفة , بيروت , لبنان , صفحة 249-250 .
(3) السيد سابق (1407ه-1987م) . فقه السنة , الجزء الثانى , الطبعة الثامنة , دار الكتاب العربى , بيروت , لبنان , صفحة 388-390
(4) عبدالحليم عويس (1426ه-2005م) . موسوعة الفقه الإسلامى المعاصر , الجزء الثالث , دار الوفاء , المنصوره , مصر , صفحة 620-621
(5) عبد المنعم الحفنى (1992) . الموسوعة النفسية الجنسية . الطبعة الأولى , مكتبة مدبولى , القاهرة
(6) Sadock , B and Sadock , V (2004) . Synopsis of Psychiatry . Vol. 2 , ninth edition , Williams and Wilkins , New York