الأصل أن الزوجة لها حرية مطلقة في التصرف في أموالها الخاصة، ومنها الراتب ، ولكن لما كان حصولها على الراتب يلزم منه خروجها من البيت فترة العمل، مما يترتب عليه تقصيرها ولو بوجه ما في أداء حقوق الزوجية والأسرة ، ولما كان العرف قد جرى بمساهمة الزوجة في نفقات البيت وخاصة عند الحاجة، وقد يشترط الزوج ذلك عند الزواج، والمعروف كالمشروط، لما كان ذلك وجب على الزوجة أن تشارك في نفقات البيت بقدر ما، حسب قدرتها وحاجة البيت ، وقد حددها الدكتور القرضاوي بالثلث قياسا على الميراث الذي يكون للذكر فيه ضعف نصيب الأنثى.

أما إذا لم يكن الزوج في حاجة إلى راتب الزوجة فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئا ولا يجب عليها أن تشارك في نفقات البيت ، إلا أن يكون هناك شرط بينهما، لأن له عليها أن تمكث في بيته ، وترعاه هو وأولاده ، فإذا تنازل عن بعض هذا الوقت نظير جزء معين من راتبها كان له هذا ، وإذا لم توافق الزوجة على ذلك فيمكنها الامتناع عن العمل . وأما بقية الراتب فهي حرة التصرف فيه ، ولا يجوز للزوج أن يجبرها على شيء فيه، فلها أن تعطي أهلها ما شاءت، ولها أن تنفق على أسرتها ما شاءت إذا كان ذلك عن طيب نفس منها.

ولكن لا يجوز للزوج أن يرغم زوجته على العمل بحجة أنه فقير، أو أنه اعتاد على راتبها إلا إذا وافقت هي على ذلك.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي : –

المفروض أن الزوج هو المسؤول عن الإنفاق على الأسرة، حتى ولو كانت الزوجة غنية، أو تملك الملايين فالزوج هو المسؤول عن النفقة، الله تعالى يقول (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) فالرجل هو الذي ينفق ويدفع المهر، هو الذي يكلَّف النفقة، إلا في حالة العجز فهناك بعض المذاهب تقول: إذا عجز الرجل والمرأة الغنية تنفق عليه لأن الحقوق متبادلة (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) .

لكن إذا كان خروج المرأة للعمل كما في عصرنا المرأة موظفة وخروجها يكلِّف الزوج في هذه الحالة يمكن أن تساهم في نفقة البيت، أو كان الزوج محتاجا، ففي عصرنا في كثير من البلاد الزوج يتزوج الزوجة الموظفة ليتعاونا جميعاً في تكوين بيت مسلم، فلأن الرجل لا يستطيع وحده أن ينفق على الأسرة ولا الزوجة وحدها فهما يتفقان، إذا اتفقا من أول الأمر على شيء معين وأنا أرى في هذه الحالة أن المرأة يكون عليها الثلث والرجل يكون عليه الثلثان، لأن الإسلام جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك في الحقوق، وكذلك في الواجبات، يعني الغُنم بالغُرم والغُرم بالغُنم، فالمرأة يكون عليها الثلث والزوج الثلثان في حالة احتياج الزوج إلى هذا الأمر، أما قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) الآية تقرر أن الحقوق والواجبات متبادلة بين الطرفين، النساء لهن من الحقوق مثل الذي عليهن من الواجبات (وللرجال عليهن درجة) لها تفسيران، تفسير الإمام الطبري يقول: أي أن الرجال مطالبون بالأعباء والتكاليف أكثر من المرأة، وتفسير آخر يقول: إن الدرجة المقصود بها هنا درجة القوامة على الأسرة، المسؤولية عن الأسرة، درجة الرجال يشير إليها قوله تعالى (الرجال قوَّامون على النساء)، فالرجل هو المسؤول عن الأسرة أي درجة المسؤولية عن الأسرة. (انتهى).

ويقول الدكتور أحمد يوسف سليمان ، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم ، جامعة القاهرة :

من حقوق الزوج على زوجته: قرارها في بيته، وعدم خروجها منه لغير ضرورة أو حاجة إلا بإذن صريح أو ضمني منه، وله مقابل ذلك أن ينفق عليها قدر كفايتها وحسب جهده وطاقته. قال الله ـ تعالى: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (النساء: آية 34).

وقد خرجت المرأة الآن للعمل بإذن زوجها الصريح أو الضمني، ورضي الزوج بانتقاص بعض حقه في قرارها في بيته، في مقابل حصولها على المال من عمل مشروع لتساهم به في تخفيف أعباء الحياة على زوجها وأولادها، فإذا عملت المرأة خارج بيتها ثم أعطت راتبها لأسرة والدها رغم عدم حاجتهم إلى هذا المال،أو احتفظت براتبها، وامتنعت في نفس الوقت عن مساعدة زوجها وأولادها رغم حاجتهم إلى ذلك المال، فهي امرأة مجافية للحق والعدل، فقد أصبح من العرف المستقر بين الناس الآن أن الزوجة الموظفة تساهم بقدر ما في نفقات أسرتها، خصوصاً إذا كانت هذه الأسرة في حاجة ماسة إلى مالها..