الطلاق عبر الرسائل القصيرة (إس أم إس) أو عبر البريد الإلكتروني أو عبر وسائل التواصل المختلفة ديانة وقضاء لا يقع إلا إذا أقر الزوج بأنه كان ناويا الطلاق وعازما عليه وقت كتابة هذه الرسالة، أما إذا أخبر الزوج بأنه كان يقصد تهديد زوجته أو إدخال الغم على قلبها فلا يقع الطلاق.

الشريعة الإسلامية بصفة عامة تتجه إلى التضييق والحد من الجرأة على الطلاق، فالأصل هو دعم البيوت والأسر إلى الاستقرار والاستثناء أن يحدث التفتيت للأسرة ؛ لأن في تشتيتها وضياعها تهديدا لاستقرار المجتمع بأسره ؛ ولذلك جاء القرآن يحث الزوج على أن يمسك زوجته حتى ولو كرهها فقال سبحانه وتعالى “فإن كرهتموهن فعسوا أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا” –النساء:19- ، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم “أبغض الحلال إلى الله الطلاق “رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم.

ولذلك فإن الطلاق لا يُلجأ إليه إلا حين تستحيل الحياة نكدا بين الزوجين، ويكون في استمرار الزوجية منافاة لمقصود الشارع من الزواج وهو أن يكون سكنا ومودة ورحمة وهو ما أشار إليه الحق جل في علاه بقوله لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، فإذا استحالت الحياة الزوجية إلى شقاء دائم ونكد مستديم حينئذ يكون الطلاق حلا وراحة للزوجين، أما أن يقع الطلاق تحت تأثير ثورة غضب أو انفعال أو سحابة نكد عابرة فهذا لا يقول به عاقل، ولا يرضاه عاقل.

وهذا ما وعاه فقهاؤنا
فكان من مجالات تطبيقهم العملي للمعنى الذي أشرنا إليهم آنفا هو موقفهم من مسألة الطلاق عن طريق الكتابة، حيث اعتبروا كتابة الطلاق من كنايات الطلاق حتى وإن كانت الألفاظ التي كُتب بها الطلاق ألفاظا صريحة كأن يكتب لزوجته (أنت طالق) أو (طلقتك) ونحو ذلك من العبارات التي لا تحتمل معنى آخر.

فالذي عليه جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة وأحد قولي الشافعي- هو أن كتابة الطلاق من كنايات الطلاق بمعنى أن الزوج الذي يكتب رسالة لزوجته عبر البريد الإلكتروني أو من هاتفه النقال عبر الرسائل القصيرة (إس أم إس) يقول لها في الرسالة (أنت طالق أو طلقتك) فهذا من كنايات الطلاق ولا يقع الطلاق إلا بسؤال الزوج عن هذه الرسالة فإن صرح الزوج أنه كتب هذه الرسالة وأنه كان ينوي الطلاق حقا ففي هذه الحالة يقع الطلاق.

وإذا اعترف الزوج بأنه فعلا أرسل رسالة لزوجته عبر بريدها الإلكتروني أو عبر هاتفها النقال أو غيرها تضمنت طلاقها فإن الطلاق –ديانة وقضاء- يكون واقعا من الوقت الذي كتب فيه الزوج هذه الرسالة حتى وإن تأخر إرسالها للزوجة بمعنى أنه –الزوج- قد يكون كتب الرسالة لزوجته التي تضمنت ألفاظ الطلاق وكان عازما على الطلاق وقت كتابة الرسالة ولكنه احتفظ بالرسالة على جهاز الكمبيوتر أو كتبها من خلاله هاتفه النقال ولم يرسل لزوجته إلا بعد أيام أو أسابيع من كتابة الرسالة ثم وصلت الرسالة للزوجة واعترف الزوج بأنه أرسل الرسالة وأنه نوى الطلاق فعلا ولم يقصد تهديد الزوجة أو إدخال الغم على قلبها، ففي هذه الحالة يقع الطلاق من الوقت الذي كتب فيه الرسالة وليس من الوقت الذي وصلت فيه الرسالة لزوجته وفائدة ذلك تظهر في حساب العدة فالزوجة تبدأ عدة طلاقها من الوقت
الذي كتب فيه الزوجة الرسالة وليس من الوقت الذي استلمت فيه الزوجة الرسالة.

وقد فصل ابن قدامة أقوال الفقهاء في المسألة فقال في المغني:

إذا كتب الطلاق ، فإن نواه طلقت زوجته وبهذا قال الشعبي ، والنخعي، والزهري ، والحكم ، وأبو حنيفة ، ومالك وهو المنصوص عن الشافعي وذكر بعض أصحابه ، أن له قولا آخر ، أنه لا يقع به طلاق ، وإن نواه ؛ لأنه فعل من قادر على النطق ، فلم يقع به الطلاق ، كالإشارة، ولنا أن الكتابة حروف ، يفهم منها الطلاق ، فإذا أتى فيها بالطلاق ، وفهم منها ، ونواه ، وقع كاللفظ ؛ ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب ؛ بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته ، فحصل ذلك في حق البعض بالقول، وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف ، ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون  والحقوق ؛ فأما إن كان كتب ذلك من غير نية ، فقال أبو الخطاب: قد خرجها القاضي الشريف في الإرشاد على روايتين ؛ إحداهما ، يقع وهو قول الشعبي ، والنخعي ، والزهري ، والحكم ؛ لما ذكرنا والثانية : لا يقع إلا بنية وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، ومنصوص الشافعي ؛ لأن الكتابة محتملة، فإنه يقصد بها تجربة القلم ، وتجويد الخط ، وغم الأهل ، من غير نية ، ككنايات الطلاق..
انتهى.

الخلاصة: قيام الزوج بإرسال رسالة لزوجته عبر بريدها الإلكتروني أو عبر الرسائل القصيرة (إس أم إس) تتضمن ما يفيد بأنه طلقها، فديانة يقع الطلاق بمجرد كتابته للطلاق إن كان ناويا الطلاق وعازما عليه، أما قضاء فلا يقع الطلاق بمثل هذه الرسائل؛ لأنه يحتمل أن يكون الزوج لم يقم بإرسال الرسالة وإنما قام بإرسالها شخص ما أراد أن ينتقم منه أو ينغص على الزوجين عيشهما فتسلل إلى جهازه الخاص (الحاسوب أو الجوال) وقام بإرسال هذه الرسالة؛ ولذلك لا يقع الطلاق قضاء إلا بعد سؤال الزوج عن فحوى الرسالة التي قام بإرسالها لزوجته فإن أقر بأنه قام بإرسالها وأنه وقت أن كتب هذه الرسالة كان ناويا الطلاق ففي هذه الحالة يقع الطلاق ويبدأ حساب العدة من وقت الذي كتب فيه الزوج هذه الرسالة وليس من وقت استلامها وقراءتها.