قوله تعالى: (فكانَ قَابَ قَوسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) (سورة النجم: 9 )
معنى “قاب” قدْر أو مِقدار، والقوس قيل: هو آلةُ الصَّيْدِ والحَرب المعروفة عند العرب، وقيل: المُراد به الذِّراع التي يُقاس بها، وهي لغة بعض الحجازيِّين وقيل: هي لغة أزد شنوءة أيضًا، والمراد بالقوسين الاثنان، وقيل المراد، قوس واحد كما قال الكِسائي، يقال بين الشيئين قابُ قوس أي قدره، وفي الحديث الصحيح “ولَقابُ قوسُ أحدِكم في الجَنّة خيرٌ من الدنيا وما فيها”.
والآية تتحدَّث إمّا عن قُرب الله سبحانَه من النبي ـ ﷺ ـ والمُراد قرب المكانة لا المكان، فهو قرب عَطف ولطف وإيناس، وإما عن قرب جبريل من الله، وهو قرب منزلة أيضًا كما رُوِيَ في الحديث “إنَّ أقربَ الملائكةِ من الله جبريلُ ـ عليه السلام” وإمّا عن قرب جبريل من النبي ـ ﷺ ـ عند نزوله بالوحي عليه.
والسُّورة في أولها تؤكِّد صدق النبيِّ ـ ﷺ ـ في نزول الوحي عليه من الله.
فهو ما ينطِق عن الهوى، نزل به جبريل شديدُ القُوى، من الأفق الأعلى، ودَنا وتدلّي فكان قريبًا جِدًّا من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام، حتى بلغه ما أوحى به، فما يقوله من عند الله حقّ “ما كَذَب الفؤادُ ما رَأى” ثم تتحدّث عن الآية النبي ـ ﷺ ـ لجبريل مرّة أخرى، غير التي جاءه فيها في الغارِ، وعلى أثرِها كذَّب المشركون ما ادّعاه من رؤيته. وهذه المرة عند سِدرة المنتهى عنْدَها جنّة المأوى. ويقول المفسرون: إن ذلك كان ليلة المعراج وكلامهم هناك كثير يمكن الرجوع إليه، وفيما ذكرتُه كفاية.