وردت كلمة ليتعارفوا في سورة الحجرات في قوله تعالى :” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ”

معنى ليتعارفوا في الآية الكريمة أن الله خلق الخلق من نفس واحدة، ثم فرقهم قبائل وأمما ليتعارفوا؛ أي: يعرف بعضهم بعضا، فينشأ التعارف بين الناس، وقد يحدث بهذا التعارف افتخار بالأنساب، وهذا غير مرغوب فيه؛ فبيَّن الله أن الفخر الحقيقي، وأن المفضل عند الله هو من كان تقيا؛ لأن معيار التفضيل في الآخرة هو العمل الصالح. أما في الدنيا فقد يكون المال أو النسب أو الرياسة والسلطان، ومعرفة الأنساب ليس مذموما في حد ذاته بل هو وسيلة لصلة الرحم؛ إنما المذموم هو الافتخار بها.

قال السيوطي في تفسير الجلالين:
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى” آدم وحواء “وجعلناكم شعوبا” جمع شَعب ـ بفتح الشين ـ هو أعلى طبقات النسب “وقبائل” هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل .. “لتعارفوا” [الأصل لتتعارفوا] حذف منه إحدى التاءين، ليعرف بعضكم بعضا لا لتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى .

وقال ابن كثير في تفسيره:
يقول تعالى مخبرا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها وهما آدم وحواء وجعلهم شعوبا، وهي أعم من القبائل وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك وقيل المراد بالشعوب بطون العجم وبالقبائل بطون العرب. أي: ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته، وقال مجاهد في قوله عز وجل: ” لتعارفوا” كما يقال: فلان بن فلان من كذا وكذا أي: من قبيلة كذا وكذا…

وقد قال أبو عيسى الترمذي : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر ” ثم قال :غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقوله تعالى ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب .
وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البخاري عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم ؟ قال: ” أكرمهم عند الله أتقاهم ” قالوا: ليس عن هذا نسألك قال ” فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله” قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: ” فعن معادن العرب تسألوني ؟ ” قالوا: نعم قال: ” فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا.

وقال القرطبي في تفسيره :
خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى أنسابا وأصهارا وقبائل وشعوبا ، وخلق لهم منها التعارف ، وجعل لهم بها التواصل للحكمة التي قدرها، وهو أعلم بها.

وقال الشيخ ابن عاشور في كتابه التحرير والتنوير:
جعلت علة جعْل الله إياه شعوبا وقبائل، وحكمته من هذا الجعل أن يتعارف الناس أي: يعرف بعضهم بعضا.
والتعارف يحصل طبقة بعد طبقة متدرجا إلى الأعلى، فالعائلة الواحدة متعارفون، والعشيرة متعارفون .. فكان هذا التقسيم الذي ألهمهم الله إياه نظاما محكما لربط أواصرهم دون مشقة ولا تعذر .. والمقصود أنكم حرفتم الفطرة وقلبتم الوضع فجعلتم اختلاف الشعوب والقبائل بسبب تناكر وتطاحن وعدوان.