لا يؤخذ أي حكم شرعي من رؤية النبي ﷺ في المنامات ؛ لأن الشريعة الإسلامية قد تمت وكملت قبل وفاته ﷺ، وقد قرر العلماء أن مصادر التشريع هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس والمصادر التبعية على خلاف بينهم فيها، وليس منها الرؤى ولا المنامات ولا يحتج بالرؤى في باب الأحكام الشرعية إلا من ضعف عقله وزاغ عن طريق الحق والصواب.
هل رؤية النبي ﷺ في المنام ممكنة:
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
رؤية سيدنا رسول الله ﷺ في المنام ممكنة وهذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة ، وقد وردت عدة أحاديث في ذلك منها:
-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي ﷺ يقول: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي) قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته. رواه البخاري.
-وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث .
ويؤخذ من الأحاديث الصحيحة الواردة في رؤية سيدنا رسول الله ﷺ أنه قد يرى في النوم ، وأن من رآه في النوم على صورته المعروفة فقد رآه فإن الشيطان لا يتمثل في صورته ﷺ.
هل يؤخد من رؤية النبي ﷺ حكم شرعي:
الأمر الهام الذي يجب أن يعلم أن العلماء قد قرروا أنه لا يؤخذ أي حكم شرعي من رؤية النبي ﷺ في المنامات ؛ لأن الشريعة الإسلامية قد تمت وكملت قبل وفاة سيدنا محمد ﷺ ، قال الله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} سورة المائدة الآية 3. كما أن مصادر التشريع معلومة ومعروفة وقد بينها الأصوليون وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس والمصادر التبعية على خلاف بينهم فيها وليس منها الرؤى ولا المنامات ولا يحتج بالرؤى في باب الأحكام الشرعية إلا من ضعف عقله وزاغ عن طريق الحق والصواب . فليست الرؤى والمنامات من مصادر التشريع وهذا هو الحق والصواب وماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ وأكثر ما يؤخذ من الرؤى أن تكون بشارة أو نذارة لا أن تكون مصدراً للتشريع.
أقوال العلماء في أن رؤية النبي ﷺ لايؤخذ منها حكم شرعي: قال الإمام النووي عند كلامه على رؤى الرواة [ قال القاضي عياض رحمه الله: هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت ولا تثبت به سنة لم تثبت وهذا بإجماع العلماء ، هذا كلام القاضي .
وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع. وليس هذا الذي ذكرناه مخالفاً لقوله ﷺ ( من رآني في المنام فقد رآني ) فإن معنى الحديث أن رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان ، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي به ؛ لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً لا مغفلاً ولا سيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط ، والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة ، أما إذا رأى النبي ﷺ يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكماً بمجرد المنام بل تقرر من أصل ذلك الشيء ]. شرح النووي على صحيح مسلم 1/115
وقال الإمام النووي أيضاً: [ لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان، ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسان النبي ﷺ في المنام، فقال له: الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره] المجموع 6/292.
وقال الإمام النووي أيضاً عند كلامه على خصائص النبي ﷺ: [ومنه أن من رآه في المنام فقد رآه حقاً فإن الشيطان لا يتمثل في صورته ولكن لا يعمل بما يسمعه الرائي منه في المنام مما يتعلق بالأحكام إن خالف ما استقر في الشرع لعدم ضبط الرائي لا للشك في الرؤيا ؛ لأن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه] تهذيب الأسماء واللغات1/43.
وقال الشاطبي: [وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله ﷺ الرائي بالحكم فلا بد من النظر فيها أيضاً ؛ لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته فالحكم بما استقر وإن أخبر بمخالف فمحال ؛ لأنه ﷺ لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته ؛ لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النومية ؛ لأن ذلك باطل بالإجماع ، فمن رأى شيئاً من ذلك فلا عمل عليه وعند ذلك نقول عن رؤياه غير صحيحة إذ لو رآه حقاً لم يخبر بما يخالف الشرع ] الاعتصام 1/321. وانظر أيضاً الموافقات للشاطبي1/114-115.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [الرؤيا المحضة التي لا دليل على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق.] مجموع الفتاوى 27/457 وقال ابن حزم الظاهري[ الشرائع لا تُؤْخَذ بالمنامات ] المحلى 6 / 507 .
وقال الشوكاني: [المسألة السابعة: في رؤيا النبي ﷺ ذكر جماعة من أهل العلم منهم الأستاذ أبو إسحاق أن يكون حجة ويلزم العمل به ، وقيل حجة ولا يثبت به حكم شرعي وإن كانت رؤية النبي ﷺ رؤية حق والشيطان لا يتمثل به لكن النائم ليس من أهل التحمل للرواية لعدم حفظه ، وقيل إنه يعمل به ما لم يخالف شرعاً ثابتاً ، ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا ﷺ قد كمله الله عز وجل وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ، ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته ﷺ إذ قال فيها بقول أو فعل فيها فعلاً يكون دليلاً وحجة بل قبضه الله إليه عند أن كمَّل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه ، ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبينها بالموت وإن كان رسولاً حياً وميتاً ، وبهذا تعلم أن لو قدَّرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله ﷺ أو فعله حجة عليه ولا على غيره من الأمة ] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ص249.
وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز: [ولا يجوز أن يعتمد عليها في شيء يخالف ما علم من الشرع ، بل يجب عرض ما سمعه الرائي من النبي من أوامر أو نواهي أو خبر أو غير ذلك من الأمور التي يسمعها أو يراها الرائي للرسول ﷺ على الكتاب والسنة الصحيحة ، فما وافقهما أو أحدهما قبل ، وما خالفهما أو أحدهما ترك؛ لأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها وأتم عليها النعمة قبل وفاة النبي ﷺ فلا يجوز أن يقبل من أحد من الناس ما يخالف ما علم من شرع الله ودينه سواء كان ذلك من طريق الرؤيا أو غيرها وهذا محل إجماع بين أهل العلم المعتد بهم ، أما من رآه عليه الصلاة والسلام على غير صورته فإن رؤياه تكون كاذبة كأن يراه أمرد لا لحية له ، أو يراه أسود اللون أو ما أشبه ذلك من الصفات المخالفة لصفته عليه الصلاة والسلام ، لأنه قال عليه الصلاة والسلام : ” فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ” فدل ذلك على أن الشيطان قد يتمثل في غير صورته عليه الصلاة والسلام ويدعي أنه الرسول ﷺ من أجل إضلال الناس والتلبيس عليهم .
ثم ليس كل من ادعى رؤيته ﷺ يكون صادقا وإنما تقبل دعوى ذلك من الثقات المعروفين بالصدق والاستقامة على شريعة الله سبحانه ، وقد رآه في حياته ﷺ أقوام كثيرون فلم يسلموا ولم ينتفعوا برؤيته كأبي جهل وأبي لهب وعبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وغيرهم ، فرؤيته في النوم عليه الصلاة والسلام من باب أولى] ونقل صاحب تهذيب الفروق والقواعد السنية عن العلامة العطار قوله: ولا يلزم من صحة الرؤيا التعويل عليها في حكم شرعي لاحتمال الخطأ في التحمل وعدم ضبط الرائي ] تهذيب الفروق والقواعد السنية 4/270.
وللإمام القرافي كلاماً في مسألة قريبة من مسألة طلاق الزوجة بناءً على الرؤية حيث قال: [فلو رآه عليه الصلاة والسلام فقال له: إن امرأتك طالق ثلاثاً ، وهو يجزم بأنه لم يطلقها فهل تحرم عليه ؛ لأن رسول الله ﷺ لا يقول إلا حقاً وقع فيه البحث مع الفقهاء واضطربت آراؤهم في ذلك بالتحريم وعدمه لتعارض خبره عليه الصلاة والسلام عن تحريمها في النوم وإخباره في اليقظة في شريعته المعظمة أنها مباحة له ، والذي يظهر لي أن إخباره عليه الصلاة والسلام في اليقظة مقدم على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط في ضبط المثال ، فإذا عرضنا على أنفسنا احتمال طروء الطلاق مع الجهل به واحتمال طروء الغلط في المثال في النوم وجدنا الغلط في المثال أيسر وأرجح ، ومن هو من الناس يضبط المثال على النحو المتقدم إلا أفراد قليلة من الحفاظ لصفته عليه الصلاة والسلام وأما ضبط عدم الطلاق فلا يختل إلا على النادر من الناس والعمل بالراجح متعين ، وكذلك لو قال له عن حلال : إنه حرام ، أو عن حرام إنه حلال ، أو عن حكم من أحكام الشريعة قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما رأى في النوم لما ذكرناه كما لو تعارض خبران من أخبار اليقظة صحيحان فإنا نقدم الأرجح بالسند أو باللفظ أو بفصاحته أو قلة الاحتمال في المجاز أو غيره فكذلك خبر اليقظة وخبر النوم يخرجان على هذه القاعدة ] الفروق 4/245-246.
وأخيراً نذكر ما قاله الشاطبي: [وعلى الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنّة نعم يأتي المرئي تأنيساً وبشارة ونذارة خاصة بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكماً ولا يبنون عليها أصلاً وهو الاعتدال في أخذها حسبما فهم من الشرع فيها ] الاعتصام 1/322. وبعد هذه النقول عن فحول أهل العلم أقول لا شك أنه لا يصح في دين الإسلام الاعتماد على الرؤى والأحلام في إثبات الأحكام.