الرؤى والأحلام ليست مصدرا من مصادر التشريع في الإسلام ولاتلزم غير الذي يراها ولاتلزمه إلا إذا لم تتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية والذي يراها ينفذها من باب الاستحباب إذا كان يرى دائما الرؤى الصادقة وليس من باب الفرض أو الواجب.
أما إذا تعارضت مع الشريعة الإسلامية أو كانت شيئا يستحيل حدوثه أو القيام به فلا يلتفت إليها لأننا لسنا متعبدين إلا بما فرضه الله علينا.

وهذا كلام العلماء بصدد هذه المسألة:
1 ـ الرؤى والأحلام ظاهرة موجودة منذ وجود الإنسان ، ومن أشهرِها ما حكاه القرآن الكريممن رُؤيا إبراهيم عليه السلام أن يذبح ولده إسماعيل، ورؤيا يوسف لسجود الكواكب له، ورؤيا فرعون البقر والسَّنابل، ورؤيا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخول المسجد الحرام.

2 ـ والنّاس مختلفون في هذه الظاهرة كيف تحدُث؟ فقال الماديّون من قُدامى الفلاسفة ومن بعض المعاصرين: إنّها من الطبائع الأربعة الموجودة في الإنسان، فإن غلبت عليه “السوداء” رأى القبور والسَّواد والأهوال، وإن غلبت عليه “الصّفراء” رأى النار والمصابيح والمَصبوغات، وإن غلبتْ عليه “البلغَم” رأى البياضَ والمياهَ والأمواجَ وإن غلبت عليه “الدم” رأى الشّراب والرّياحين والمَزامير.

يقول النابلسي صاحب كتاب “تعطير الأنام في تعبير المَنام” : هذا الذي قالوه نوع من أنواع الرُّؤَى وليست محصورة فيها، فهناك ما يكون من حديث النّفس، وما يكون من غير ذلك.
ويقول النووي في شرحه لصحيح مسلم “ج 15 ص 16” عند حديث “الرُّؤيا من الله والحلم من الشيطان” : إنّ الحُلم ـ بضمِّ الحاء وسكون اللام ـ فعلُه الماضي حَلَم ـ بفتح اللام ـ والرؤيا مقصورة مهموزة ويجوز ترك همزها، ونُقِل عن الإمام المازري مذهب أهل السُّنة في حقيقتها، وهو أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو ـ سبحانه وتعالى ـ يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علمًا ـ علامة ـ على أمور أُخَرَ يخلُقها في ثاني الحال… أي في وقت آخر لاحق ـ أو كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر، فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرًا على خِلاف ما هو، فيكون ذلك الاعتقاد علمًا ـ علامة ـ على غيره، كما يكون خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الغَيم علمًا على المطر، والجميع خلق الله تعالى، ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علما على ما يسرُّ بغير حضرة الشيطان ـ حضوره ـ ويخلُق ما هو علم على ما يضرُّ بحضرة الشيطان، فينسَب إلى الشيطان مجازًا لحضوره عندها، وإن كان لا فعل له حقيقة، وهذا معنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “الرُّؤيا من الله، والحُلم من الشيطان” لا على أن الشيطان يفعل شيئًا، فالرؤيا اسم للمحبوب إلى الله إضافة تشريف، بخلاف المكروهة، وإن كانت جميعًا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما، لكنه يحضُر المكروهة ويَرتضيها ويُسَرُّ بها أهـ.

ويقول النابلسي: يقول بعضهم: الرؤيا ثلاثة :

1 – بُشرَى من الله تعالى ، وهي الرؤيا الصالحة.

2 – رؤيا تحذير من الشيطان.

3 – رؤيا ممّا يُحَدِّث المرء به نفسه.

فرؤيا تحذير الشيطان هي الباطلة التي لا اعتبار لها، وفي الحديث الصحيح ـ رواه مسلم ـ أن رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم: رأيت كأنّ رأسي قُطِعَ وأنا أتبعه ـ أي أجري وراءه ـ قال: “لا تتحدّث بتلاعُب الشيطان بكَ في المنام

وأما الرؤيا التي هي من هِمّة النفس فمثل أن يرى الإنسان نفسه مع مَن يُحِبُّ قلبُه، أو خاف من شيء فيراه، أو يكون جائعًا فيرى أنه يأكل، أو ممتلئًا فيرى أنه يتقايأ، أو ينام في الشمس فيرى أنه في نار تحرِقه.

ثم ذكر النابلسي الأقسام السبعة للرؤيا الباطلة، وهي حديث النفس والهَمِّ، والتمنِّي، والحُلم الذي يوجب الغُسل ، وما يكون من تخويف الشيطان، وما يقوم به السّحرة، ورؤيا الشيطان، ورؤيا الطبائع إذا اختلفت وتكدَّرت، ورؤيا الوجع والألم لشيء مَضى.
وكلام النابلسي يلتقي مع من يفسِّرون ظاهر الرؤيا في هذه الأيام بأنّها رغبات مكبوتة تطفو على السطح عند نوم الإنسان، وما يتأثر به جسمه وتتطلّبه طبيعته، وحُرِمَ منه في حال يقظته كالجوع والعطش والحرِّ والبرد، وهذا ما لجأ إليه “سيجموند فرويد” ! وغيره.
ثم يذكر النابلسي الأقسام الخمسة للرؤيا الحقّ، وهي:

1-رؤيا الأنبياء، وهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة ، قال تعالى عن إبراهيم (يا بُنيَّ إنِّي أرى في المَنام أنِّي أذبحُكَ فانظُرْ ماذا تَرَى) (سورة الصافات : 102) وقال عن الرسول (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسولَه الرُّؤْيا بالحَقِّ لَتدخُلنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ…) (سورة الفتح : 27) وهذه الرؤيا صريحة لا يُريها إلا الله دون وساطة مَلَك.
2 ـ والرُّؤيا الصالحة التي يبشِّر الله بها الصالحين، كما أنّ المكروهة زاجرة يزجُرك بها.
3 ـ ما يُريها المَلَك على حسب ما علَّمه الله من أم الكتاب، وألهمه من ضرب الأمثال الحكيمة لكلِّ شيء، من الأشياء مثلاً معلومًا.
4 ـ الرؤيا المَرموزة وهي من الأرواح، كأن يرى الإنسان في نومه ملكًا من الملائكة، فيُخبرَه بخبرٍ لا يدلُّ بالصراحة بل بالرّمز.
5 ـ والرؤيا التي تصحُّ بالشاهد ويغلب الشاهد عليها، فيجعل الخير شرًّا والشرّ خيرًا، كالذي يرى أنه يقرأ القرآن في الحمّام، فإنّه يشتهر بأمر فاحش؛ لأن الحمّام موضع كشف العورات ولا تدخله الملائكة، كما أن الشيطان لا يدخل المَسجِد.

وتحدّث النابلسي عن العملية التي تتم بها الرؤيا والأحلام ـ بعدما ذكرنا من كلام المازري الذي نقله النووي ـ

يقول المعبِّرون للرؤيا من المسلمين: الرُّؤيا يراها الإنسان بالرُّوح ويفهَمها بالعقل، ومستقرّ الروح نُقطات دم في وسط القلب، ومُستقرّ القلب في رسوم الدماغ والروح معلّق بالنفس ، فإذا نام الإنسان امتدّ روحه مثل السراج أو الشمس فيرى بنور الله وضيائه ما يُريه مَلَك الرؤيا، وذَهابه ورجوعه إلى النفس مثل الشمس إذا غطّاها السحاب وانكشف عنها، فإذا عادت الحواسّ باستيقاظها إلى أفعالها ذكر الروح ما أراه المَلَك وخيَّل له أهـ.

وهذه تفسيرات اجتهادية بتصويرات تقرِّبها إلى الفَهم، لكن لا يعلم حقيقة الموضوع إلا الله سبحانه، فهو من عالم الغَيب وأحوال النفوس والأرواح وعَلاقتها بالعقل الواعي والباطن. من الأمور التي كثرت فيها الاجتهادات، ولا يضُرّنا ذلك ما دمنا نعلم أن الرؤى والأحلام حقيقة واقعة في الوجود، بصرف النظر عن الكيفيّة التي تتم بها.

وتعبير الرؤيا ليست له قواعد ثابتة، إنما هي ظنون تُستخدم فيها وسائل كثيرة، وقد ألِّفت فيه كتب شتَّى، جمع أكثرها الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه “تعطير الأنام في تعبير المنام” الذي طبع، وبهامشه كتابان أحدهما لابن سيرين “منتخب الكلام في تفسير الأحلام” والثاني لابن شاهين ” الإشارات في علم العِبارات” وأشار في آخر مؤلَّفه إلى الكتب المؤلفة فيه. وإلى كتاب “طبقات المعبّرين” للحسن بن الحسين الجلال الذي ذكر أن هناك 7500 مُعبّر تخيّر منهم 600 سمّاهم في كتابه “تعبير الرؤيا” واقتصر على 100 من مَشاهيرهم، وجعلهم 15 طبقة.

وتطرّق النابلسي إلى الكلام على عدة نقط، ومنها أن الحائِض والجُنب قد تكون رؤيتهما صحيحة، فقد عبَر يوسف رؤيا فرعون، كما تصحُّ رؤيا الصبيان، كرؤية يوسف لسجود الكواكب له، وأن الإنسان قد يرى الرؤيا فتكون له وقد تكون لغيره من أقاربه وزملائه ومن تسمَّوا باسمه، وذكر منها رُؤيات أبي جهل أنه أسلمَ وبايع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكانت لابنه عِكرمة، وأن أمّ الفضل رأت أن قطعة من جسم النبيِّ وُضِعَت في حجرها فأوَّلها أن فاطمة ستلِد ولدًا من ابن عمِّها فولَدت الحَسَنَ، وأخذته أمُّ الفضل في حجرها.

كما تحدَّث عن أحسن الأوقات التي تصدُق فيها الرؤيا واختلاف الناس فيها، هل هي السَّحَر أو النّهار أو القيلولة…نبّه على أنّ مَن يريد أن تصدُق رؤياه فليكن ملتزمًا للصِّدق في حياته، وأن يَنام على وضوء، وقال: إن المعبر للرؤيا لابدّ أن يكون ذا فِراسة ودِراية وأن يبدأ بقول لصاحب الرؤيا : خير إن شاء الله ، وأن تعبير الرّؤيا يختلف من شخص إلى شخص ومن بيئة إلى بيئة ومن دِين إلى دِين ومن فصل زمني إلى فصل آخر فالسَّفرْجَل عند الفُرْس عزٌّ وجمال، عند العرب سفر وجَلاء، وأكل المَيتة نكد عند مَن يحرّمونها، ورزق عند مَن يستحِلونها، والتدفئة بالنار والشمس خير في الشّتاء، وشَرٌّ في الصيف، والثلج والجليد غلاء وقحط في البلاد الحارّة، وخِصْب وسَعة في البلاد الباردة.

وذكر ما ينبغي أن يعمله الشخص إذا رأى شيئًا يُفزعه، وبعضها مأخوذ من أحاديث نبويّة سنذكر بعضها فيما يلي كما في صحيح مسلم “ج 15 ص 16 وما بعدها”.
1 ـ “الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان ، فإذا حلم أحدكم حُلمًا يكرهُه فلينفث عن يساره ثلاثًا، وليتعوّذ بالله من شَرِّها فإنّها لا تضرُّه” وجاءت روايات تعبر عن النَّفْث بالتَّفْل وبالبصق، أكثرها تعبر بالنَّفث، ولعل المراد به النفخ اللطيف بلا ريق، ومعنى لا تضرُّه أن الله جعل هذا سببًا لسلامته من مكروه يترتّب عليه، كما جعل الصدقة سببًا لدفع البلاء ووقاية للمال.
2 ـ “الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السّوء من الشيطان، فمن رأي رؤيا فكره منها شيئًا فلينفث عن يساره، ليتعوّذ بالله من الشيطان لا تضُرُّه، ولا يُخبِر بها أحدًا، فإن رأى حسنة فليبشر ولا يُخبِر إلا مَن يُحِبُّ” وذلك حتى لا تقع عن تفسيره المكروهة، وحتى لا يستغلّها عدوك فيفسِّرها بالسوء حتى يحزنَك.
3 ـ “إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهُها فليبصُق عن يَساره ثلاثًا ـ وليستعذْ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحوّل عن جنبه الذي كان عليه”.
4 ـ “إذا اقتربَ الزمان لم تَكَدْ رؤيا المسلم تكْذِب، وأصدقكم رؤيا ‎أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوّة، والرؤيا ثلاثة، فرؤيا صالحة بشرى من الله ـ ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يُحَدِّث المرء نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقُم فليُصلِّ، ولا يحدِّث بها الناس”.
جاءت روايات بأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين من النُّبُوّة، أو من سبعين، وفي روايات لغير “مسلم” من أربعين ومن تسعة وأربعين ومن خمسين، ومن ستّة وعشرين، ومن أربعة وأربعين، وتوضيح ذلك مبسوط في الكتب “النووي على مسلم ج 15 ص 21″ واقتراب الزمان قيل المراد به اعتدال الليل والنهار، وقيل قرب قيام الساعة”.
5 ـ من رَآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي”.