الرؤى ليست دليلا شرعيا تؤخذ منها الأحكام، فالنائم ليس من أهل التحمل؛ ولهذا رفع عنه التكليف.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:-

الرؤيا لا تُعْتَبر دليلاً شرعيًّا، ولا يُحْتَجُّ بها على جواز فِعْل أو تَرْك، ولا على منْع أو استحباب، وذلك لأسباب:
أن الشرع قد حدَّد أدِلَّة الأحكام في الكتاب والسنَّة، وما دلَّا عليه من الإجماع والقياس الصحيح، ولم يجعل من أدلَّة أحكامه رؤيا زيد أو عمرو من البَشَر غير المعصومين. قال ـ تعالى ـ: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونهِ أوْلياءَ قَليلاً مَا تَذَكَّرُونَ)، (الأعراف: 3) وقال: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (المائدة: 92)، وقال: (ومَا آتَاكُمُ الرسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7).

أن منابع الرؤيا مُتَعَدِّدة مُتَنَوِّعة، فهي كالكَشْف، منها ما هو رحماني، ومنها ما هو نفساني، ومنها ما هو شيطاني، فمن أين يأتي اليقين بأن رؤيا فلان هذه رحمانية، لا نفسانية ولا شيطانية؟
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يُحَدِّث الرجل نفسه في اليَقَظَة، فيراه في المَنام”، وفي لفظ: “إن الرؤيا قد تكون حقًّا، وهي المعدودة من النبوة، وقد تكون من الشيطان، وقد تكون من حديث النفس.
وعند ابن ماجة ـ بسند حسن كما في الفتح ـ مرفوعًا: “الرؤيا ثلاث:منها أهاويل من الشيطان ليُحْزِن ابن آدم (مثاله: ما ثبت عند مسلم من حديث جابر قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله، رأيتُ في المنام كأن رأسي قُطِع فأنا أُثْبِتُه. وفي لفظ: “فقد خرج فاشتدَدْتُ في أثره”! فقال: “لا تُخْبِر بتَلاعُب الشيطان بك في المنام”، وفي رواية له: “إذا تَلاعَب الشيطان بأحدِكم في منامه فلا يُخْبِر به الناس”)، ومنها ما يُهِمُّ به الرجل في يَقَظِته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة”، فالرؤيا الصادقة التي هي من دلائل الهداية هي التي من الله خاصة، وكيف يمكن التمييز بين الأنواع الثلاثة، إلا بعَرْضِها على ميزان آخر، وهو الشرع؟ فرؤيا الأنبياء وحي، وهي حق؛ لأن الوحي لا يدخله خلَل؛ لأنه محروس من الشيطان، هذا باتفاق الأمة، ولهذا أقدم الخليل على ذَبْح ابنه إسماعيل ـ عليهما الصلاة والسلام ـ بالرؤيا.
وأما رؤيا غيرهم فلا عِصْمة لها؛ ولهذا وجب أن تُعْرَض على الوحي الصريح، فإنْ وافقَتْه وإلا لم يُعْمَل بها.

أن النائم ليس من أهل التحَمُّل، وهو غير مأمون على ضَبْط ما رآه؛ ولذا رُفِع عنه حكم التكليف.

أن الغالب في الرؤيا أن تكون على خلاف ظاهرها، فهي عادة رموز وإشارات لا يَفْطِن إلى حقيقتها إلا الأَقَلُّون من الناس. ولهذا اختصَّ يوسف بأن الله علَّمه تأويل الأحاديث، أي الرؤى. وكذلك قال هو عن نفسه مناجيًا ربه: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي من المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) (يوسف: 101)، ومَنْ مِنَ الناس كان يُمْكِن أن يُؤَوِّل رُؤيا ملِك مصر للبقر والسنبلات بما أوَّلَه يوسف ـ عليه السلام ـ؟ لقد عجز المُعَبِّرون في عصره، وقالوا: (أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) (يوسف: 44)، وحُقَّ لهم ما قالوا.
ولقد يرى الشخص الواحد مَنامَيْنِ متَشابِهَينِ في وَقْتَيْنِ أو حالينِ مُختلفينِ، فيُفَسِّر كلاًّ منهما بعكس ما يفسر به الآخر.
ولهذه الأمور اتَّفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تصلُح للحُجَّة ولا تُتَّخَذ دليلاً شرعيًّا. وإنما هي تَبْشِير وتحذير وتنبيه، ولهذا سمَّاها الرسول: “المُبَشِّرات”.
ولكنها قد تُعْتَبَر وتَصْلُح للاستئناس بها فقط إذا وافَقَتْ حُجَّة شرعية صحيحة، كما ثَبَتَ عن ابن عباس: أنه كان يقول بمُتْعَة الحَجِّ؛ لثُبوتها عنده بالدليل السمعي من الكتاب والسنَّة، فلما رأى بعض أصحابه رؤيا تُوافِق ذلك، استبْشَر بها ابن عباس.
فمجرد الاستبشار بمثل هذا لا يَضُرُّ؛ لأن العُمْدة في الموضوع إنما هو الاستدلال الشرعي.

يقول العلامة ابن القيم: والرؤيا: مبدأ الوحي، وصِدْقها بحسب صِدْق الرائي، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثًا. وهي عند اقتراب الزمان لا تَكاد تُخْطِئ، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك لبُعد العهد بالنبوة وآثارها، فيَتَعَوَّض المؤمنون بالرؤيا. وأما في زمن قوة نور النبوة، ففي ظهور نورها وقوته ما يُغْنِي عن الرؤيا.
ونظير هذا الكرامات التي ظهرت بعد عصر الصحابة، ولم تظهر عليهم لاستغنائهم عنها بقوة إيمانهم، واحتياج مَنْ بعدَهم إليها لضعف إيمانهم، وقد نَصَّ “أحمد” على هذا المعنى.

وقال “عبادة بن الصامت”: “رؤيا المؤمن كلام يُكَلِّم به الرَّبُّ عبدَه في المنام”، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “لم يبقَ من النبوة إلا المُبَشِّرات”. قيل: وما المُبَشِّرات، يا رسول الله؟ قال: “الرؤيا الصالحة، يراها المؤمن أو تُرَى له”. وإذا تَوَاطَأَتْ رُؤيا المسلمين لم تُكْذَّب، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه لمَّا أُرُوا ليلة القدْر في العشر الأواخر، قال: “أرى رؤياكم قد تَوَاطَأَتْ في العشر الأواخر، فمَنْ كان منكم مُتَحَرِّيها فَلْيَتَحَرَّها في العشر الأواخر من رمضان.
والرؤيا كالكشف، منها رحماني، ومنها نفساني، ومنها شيطاني، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا ممَّا يُحَدِّث به الرجل نفسه في اليقظة، فيراه في المنام”.
والذي هو من أسباب الهداية: هو الرؤيا التي من الله خاصة.
ورؤيا الأنبياء وحي؛ فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتِّفاق الأمة؛ ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ بالرؤيا.
وأما رؤيا غيرهم، فتُعْرَض على الوحي الصريح، فإن وافقَتْه وإلا لم يُعْمَل بها، فإن قيل: فما تقولون إذا كانت رؤيا صادقة، أو تَواطَأَتْ؟

قلنا: متى كانت كذلك استحال مُخالفتُها للوحي، بل لا تكون إلا مُطابقة له، مُنَبِّهة عليه، أو مُنَبِّهة على اندراج قضية خاصة في حُكْمِه، لم يَعْرِف الرائي اندراجها فيه، فيَتَنَبَّه بالرؤيا على ذلك، ومَنْ أراد أن تَصْدُق رؤياه فَلْيَتَحَرَّ الصدق وأكل الحلال، والمحافظة على الأمر والنهي، ولْيَنَمْ على طهارة كاملة مُسْتَقْبِل القِبْلة، ويذكُر الله حتى تَغْلِبُه عيناه؛ فإن رؤياه لا تَكاد تَكْذِب ألْبَتَّة.
وأصدق الرؤيا رؤيا الأسحار؛ فإنه وقت النزول الإلهي، واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين، وعكسه رؤيا العَتَمة، عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية. وقال “عبادة بن الصامت” ـ رضى الله عنه ـ : “رؤيا المؤمن كلام يُكَلِّم به الربُّ عبدَه في المنام”.
وللرؤيا مَلَك مُوَكَّل بها، يُرِيها العبد في أمثال تُناسِبُه وتُشَاكِلُه، فيَضْرِبها لكل أحد بحَسَبه. وقال مالك: “الرؤيا من الوحي”، وزَجَر عن تفسيرها بلا عِلْم. وقال: “أتَتَلَاعَب بوحي الله”؟!
ولذكر الرؤيا وأحكامها وتفاصيلها وطُرُق تأويلها مَظانُّ مخصوصة بها، يُخْرِجُنا ذكرُها عن المقصود. (مدارج السالكين: 1 / 50 ـ 52، الطبعة الأولى، طبعة السنة المحمدية).