قال الله تعالى: (الزّانية والزّاني فاجلِدوا كلَّ واحِد مِنْهما مائةَ جَلدةٍ) (سورة النور: 2) وقال (والسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْديَهُما) (سورة المائدة : 38) فقد يتسأل لماذا قَدَّم الزانية على الزاني وعكس في السّارق. ولماذا لا يكون الحدُّ هو القطع فيهما؟
ذكر القرطبي في المسألة السابعة والعشرين، عند تفسير آية السرقة “ج 6 ص 175″، أن البَدء بالزّانية؛ لأنّ شهوة الاستمتاع على النساء أغلبُ، وحبّ المال على الرّجال أغلب، وذكر في تفسير آية الزنى “ج 2 ص 160” أن الزانية قُدِّمت حيث كان في ذلك الزّمان زِنى النِّساء فاشِيًا، وكان لإماء العرب وبَغايا الوقت رايات، وكنَّ مجاهِرات بذلك؛ ولأن العار بالنِّساء أُلحِقَ، إذ موضوعهن الحَجْب والصّيانة فقدم ذِكرَهن تغليظًا واهتمامًا.
وذكر أن الله جعل حدَّ السرقة قطع اليد؛ لأنها تتناول المال، ولم يجعل حد الزِّنى قطع الذَّكَر مع مُواقعة الفاحشة به، كما هو واقع السرقة باليد، وذلك لثلاث معانٍ:
أحدها: أن للسّارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بقطعها اعْتاضَ بالثانية، وليس للزّاني مثل ذكره إذا قُطِع فلم يعتَضْ بغيره لو انزجر بقطعه.
والثاني: أن الحدّ زَجْر للمحدود وغيره، وقطع اليد في السرقة ظاهر واضح للناس يتّعظ به غيره، أما قطع الذَّكر فهو باطن مستور، لا يراه غيرُ الزّاني فلا يكون الزّجر المطلوب للغير.
والثالث: أن قطع الذَّكَر فيه إبْطال للنَّسل، وليس في قَطع اليد إبطالُه.