ضابط الكبيرة هي كل ذنب وجب فيه الحد أو اللعن ، أما اللمم فهي مقاربة الكبيرة ، ويرادف اللمم الصغائر من الذنوب ، وهناك من عرف اللمم هو فعل الذنب ثم التوبة منه بسرعة ، والندم على فعله ، وقد تكفل الله تعالى وضمن في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر أن يكفر عنه الصغائر من السيئات. قال تعالى: ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً ) [النساء:31].
يقول أ.د. علي جمعة الأستاذ بجامعة الأزهر :
اللمم معصية ولكنها لم تصل إلى حد الكبيرة فلا خلاف بين ابن عباس الذي يقول على النظرة ونحوها أنها من اللمم وبين من يقول: إنها جريمة فكلاهما يعرف أنها معصية وكلاهما يعرف أنها ليست كبيرة ، وضابط الكبيرة أنها المعصية التي ورد فيها حد أو لعن أو خلود في النار مثل الزنا والسرقة وعقوق الوالدين والخروج على الإمام والسحر ونحوها والصغيرة هي المعصية التي لم يرد فيها ذلك.
قال فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر ـ رحمه الله ـ في تفسير معنى اللمم :
يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في سورة النجم: (وللهِ ما في السمواتِ وما فِي الأرضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أسَاءُوا بما عَمِلُوا ويَجْزِيَ الذينَ أحسنُوا بالحُسْنَى . الذينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ واسعُ المغفرَةِ هُوَ أعْلَمُ بكمْ إذْ أنْشَأَكُمْ مِنَ الأرضِ وإذْ أنتمْ أجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بمَنْ اتَّقَى). (الآيتان : 31 ـ 32).
و”يجتنبون” معناها يحْذرون ويبتعدون، و”الكبائر” جمع كبيرة، وهي الذنب الذي تعظُم عقوبته عند الله تعالى، و “الإثم” هو العمل السيئ الذي يبعد صاحبه عن الثواب، و “الفواحش” جمع فاحشة، وهي ما عظم قُبحه من الأفعال والأقوال. و “اللَّمم” هو مقاربة المعصية، ويُعبَّر به عن الصغيرة من الصغائر، ويقال : فلان يفعل كذا لَممًا، أي: حينًا بعد حين. ويقال: ألممتُ بكذا، أي قاربته من غير مُواقعة. ويقال: زيارته إلمامٌ أي قليلة.
والمعنى: أن الله ـ تبارك وتعالى ـ هو مالك كل شيء في السموات وفي الأرض، وهو يُضل من يشاء بحِكمة، ويهدي من يشاء بعلم، ويجزي بعقابه الذين عصَوْه وأساءوا بارتكابهم المعاصي، واقترافهم السيئات، ويُثيب الذين آمنوا وأحسنوا في أعمالهم بالمثوبة الحسنى، وهي الجنة.
وهؤلاء المؤمنون هم الذين يبتعدون عن إتيان الآثام الكبيرة والمعاصي الخطيرة التي حذَّر الله تعالى منها، وأوجب الحدود عليها، وهؤلاء هم الذين يغفر لهم الله تعالى، ويعفو عن الآثام التي ارتكبوها قبل الإسلام، فلا يُؤاخذهم عليها، ولا يُعاقبهم بها. ولذلك قال ابن جرير الطبري عنهم: “تركوا ذلك حين دخلوا في الإسلام، فغفر الله لهم ما كانوا ألمُّوا به وأصابوا من ذلك قبل الإسلام!
وكذلك قال عن اللمم: “اللمم هو الذي ألمُّوا به من تلك الكبائر والفواحش في الجاهلية قبل الإسلام، وغفره لهم حين أسلموا”.
وقال بعض المفسرين:
إن اللمم هو أن يُذنب المرء ثم يتوب بسرعة ، ولا يعود إلى الذنب بعد ذلك، وبعض المُفسِّرين يقولون إن اللمم هو ما دون الكبائر والفواحش، كالنظرة الخبيثة أو اللمسة الآثمة، أو نحو ذلك، مما يُخطئ فيه الإنسان من غير إصرار أو استمرار، والشاعر يقول: (من الرجز):
إنْ تغفرِ اللهمَّ تغفرْ جَمَّا وأيُّ عبْدٍ لكَ لا ألَمَّا؟
ولذلك قيل إن “اللمم” هو ما ليس فيه حدٌّ مُقرَّرٌ في الشريعة يُقام على مرتكبه.
ويقول الإمام ابن كثير هنا:
“يخبر الله تعالى أنه مالك السموات والأرض، وأنه الغنيُّ عما سواه، الحاكم في خلقه بالعدل، وخلق الخلق بالحق، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، أي يُجازي كلاًّ بعمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ” . ثم فسَّر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، أي لا يتعاطَوْنَ المُحرَّمات الكبائر، وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم كما قال في الآية الأخرى: (إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ ما تُنْهَوْنَ عنهُ نُكَفِّرْ عنكمْ سَيِّئَاتِكُمْ ونُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا). (النساء: 31).