يقول بعض دعاة الإنحلال أن الحجاب كان خاصا بزمن النبوة ليتميز الحرائر عن الإماء أثناء خروجهن لقضاء الحاجة أما في عصر الحرية فالحمامات موجودة داخل البيوت ومن ثم فالمرأة ليست بحاجة إلى لبس الحجاب فقد مضى عصر العبودية فلتتبرج النساء كما تشاء.
ودعاة الانحلال والمنحرفون موجودون في كل عصر ومصر، ويزين لهم الشيطان فيلبسون الزيغ والضلال ثوب الحق فتراهم يلوون أعناق النصوص ليبرروا بها شذوذهم وفساد فطرتهم.

والنصوص التي تدل على فرضية الحجاب نصوص قطعية لازمة عامة فليست خاصة بالحرائر دون الإماء بل الستر واجب على الجميع، وليست هذه النصوص خاصة بعصر النبوة فحسب والقول بغير ذلك كذب وافتراء، وآية الحجاب التي وردت في سورة الأحزاب بينت علة الوجوب وهو عدم التعرض للأذى بسبب التبرج والسفور فهذه العلة لازمة.

إنكار المعلوم من الدين بالضرورة

يقول المفكر الإسلامي فضيلة الدكتور محمد عمارة– من علماء مصر-:
مع الاتجاه الغربي إلى ” عولمة” منظومة القيم المنحلة ”  التي تقنن لزواج الشواذ، والإباحية الجنسية، واعتبار النشاط الجنسي حقًا من حقوق الجسد، بصرف النظر عن الحلال والحرام الديني، وإباحة الحرية الجنسية للمراهقين والمراهقات، مع إعطاء الحق في تنظيم النسل والإجهاض للجميع… مع ظهور هذا الاتجاه الغربي،ومحاولة “عولمته” عبر وثائق يسمونها ” دولية” ظهر في بعض البلاد العربية ” كتاب” يؤلفون فقهًا “ينسبونه إلى الإسلام، كي يخدم هذا الانحلال.

إنكار تحريم الخمر:
ونجد من هؤلاء الكتاب من يكتب” إن الخمر في القرآن مأمور باجتنابها وليست محرمة”!! ويكرر هذا “الكلام” وينسي أو يتناسى الواحد منهم أن أمر القرآن باجتناب الخمر إنما يعني التحريم كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة آية: 90 خصوصًا وهي مقترنة بالميسر، والأحجار التي يعظمها الوثنيون، وموصوفة بأنها رجس، ومن عمل الشيطان، فهل ـ مع كل ذلك ـ يمكن لعاقل أن يقول إن الأمر الإلهي بالاجتناب هنا لا يعني التحريم؟!

-وهل عبادة الأوثان ليست محرمة؟

-وكذلك قول الزور؟

-وعبادةالطواغيت؟

وكلها قد أمر القرآن باجتنابها قال تعالى:( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) الحج آية: 30

وقال تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) النحل آية: 36، فهل الأمر بالاجتناب لا يفيد التحريم لعبادة الأوثان والطواغيت، وقول الزور، والخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وسائر أعمال الشيطان؟!

أم أن هذا “الفقه العجيب” قد صنع خصيصًا ليفتح الباب لعولمة الانحلال؟.

عقوبة اللواط:
ولا يكتفي هذا”الفقه المنحل ” بنفي تحريم الخمر، وإنما يذهب إلى فتح الأبواب للشذوذ الجنسي،بالقول “إن اللواط مجرد فعل مستهجن لم ينص القرآن ولانصت السنة” على عقوبة له”!!

وهو بذلك يكذب على سنة رسول الله، ، ويتجاهل الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما،والذي قال فيه الرسول : ” من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه” رواه مسلم ـ والنسائي والترمذي وابن ماجة ومالك والإمام أحمد.

شبهات حول وجود الحجاب

ولا يكتفي”فقهاء عولمة القيم الغربية المنحلة” بتحليل الخمر، ونفي العقوبة الدينية على اللواط،وإنما يذهبون إلى جعل التشريع القرآني والنبوي لحجاب النساء وستر العورات تشريعاً مؤقتا، وخاصًا بالمجتمع النبوي، وليس تشريعًا مُحْكَمًا ودائمًا ولازمًا وملزمًا،فيقولون إن الآية –59- من سورةالأحزاب قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءالْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَايُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) كانت علة الحجاب فيها تمييز النساء الحرائر عن الإماء، أثناء خروج النساء للتبرز خارج البيوت، لعدم وجود المراحيض في البيوت يومئذ وبما أن مجتمعاتنا لم تعد فيها جواري تتميز عنهن الحرائر، وأصبح في البيوت مراحيض فلا مبرر للحجاب في مجتمعاتنا المعاصرة .

وإذا كان من نكد الدنيا على العلم الإسلامي أن يضطر إلى مناقشة مثل هذا الكلام فإننا نتحمل هذا النكد ونقول :

الحجاب عصمة  للمرأة من التحرش والأذى

إن نص الآية القرآنية يعلل فريضة الحجاب والحشمة بأنها المانعة من وقوع الأذى بالنساء عندما يراهن غير المحارم وهذه علة لازمة ودائمة.. والإحصاءات في جرائم الاغتصاب تقول إن التبرج من الأسباب المغرية والمؤدية إلى الاغتصاب.. كما أن هذه الإحصاءات تقول إن أعلى نسبة لاغتصاب النساء إنما تتم في المجتمعات الغربية التي يشيع فيها التبرج.. فلا يزال وسيظل الحجاب والحشمة من موانع الأذى الذي يلحقه التبرج بالنساء، ولا علاقة للحجاب بوجود المراحيض خارج البيوت أو في داخلها .. فالتشريع خاص بالستر للزينة خارج المنزل، سواء أكان الخروج للمرحاض أم للمسجد أم إلى السوق .. اللهم إلا إذا كنا بإزاء فقه المراحيض دون سواه .

الحجاب داخل  البيت
ثم إن الإسلام يشرع الحجاب حتى داخل المنزل، إذا حضر مجلس النساء أو رآهن أحد من غير المحارم الذين حددهم القرآن على سبيل الحصر والإحصاء قال تعالى: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ” * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).النور30: 31
فالتشريع بوجوب ستر الزينة والخمار والحشمة فريضة قرآنية حتى داخل البيوت،ولا علاقة له بتميز الحرائر عن الإماء ولا بفقه المراحيض.

ويؤكد هذه الحقيقة حقيقة وجوب الحجاب حتى داخل البيوت إذا حضر غير المحارم، ما جاء في السنة النبوية عن المرأة الأنصارية التي ذهبت إلى رسول الله تقول: يا رسول الله إني أكون في بيتي علي حال لا أحب أن يراني عليه أحد، وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت آية سورة النور  ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  )..   سورة النور 27   فالتشريع هو للحجاب وستر عورات النساء، وتحقيق خصوصية الأنثى في جسدها وزينتها، والابتعاد بها عن المشاعية الحيوانية حتى في داخل البيوت ومع الأهل من غير المحارم الذين حصرهم وأحصاهم القرآن الكريم، ولا علاقة للمراحيض بعلة هذا التشريع القرآني، الذي بينته السنة النبوية، ومارسته الأمة على امتداد تاريخها، ولا تزال تمارسه، بل والذي تقبل عليه النساء الغربيات اللائي يكتشفن فيه حريتهن وكرامتهن عندما يتعرفن على شريعة الإسلام .

وإذا كانت هناك حاجة لمزيد من البراهين فإن حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما كان عن زي المرأة في المنزل فلقد دخلت عليه وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال لها: “يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا” وأشار إلى وجهه وكفيه رواه أبو داود .. فأسماء بنت أبي بكر قد دخلت على الرسول بالمنزل.. والحديث تشريع عام.. ولم يقل الرسول لها: يا أسماء عندما تذهبين إلى المرحاض فلا يري منك إلا الوجه والكفين، إنه تشريع لكل من وصلت إلى مرحلة النضج والبلوغ بصرف النظر عن الزمان والمكان .

الحجاب عام للحرائر والإماء

وأخيرا فمن الذي قال إن الحجاب وستر العورات هو امتياز خاص بالحرائر دون الإماء؟
إن الأحاديث النبوية ومنها حديث أسماء بنت أبي بكر تتحدث عن المرأة التي بلغت المحيض مطلق المرأة حرة كانت أم أمة .. والآيات القرآنية تتحدث عن نساء المؤمنين وليس عن الحرائر منهن فقط بل إن الحجاب وستر العورات لأنه طريق العفة والكرامة قد عرفته كل الشرائع السماوية وجميع الفطر السوية فنموذج المرأة في النصرانية هي مريم عليها السلام وهي محجبة ساترة لزينتها وهكذا صورها في الكنائس حتى الآن .
وكذلك صورة الراهبة في النصرانية، وحتى الشعوب الأوربية كانت ملتزمة للحشمة عندما كانت العفة قيمة من قيمها الإيمانية ولم تدخل عصر العري والانحلال إلا بعد انقلابها العلماني على الدين واللاهوت .

فنحن وفي الإسلام خاصة أمام نظام إسلامي وتشريع إلهي مفصل في العفة وعلاقتها بستر العورات عن غير المحارم وهو تشريع عام في كل مكان توجد فيه المرأة مطلق المرأة مع غير محرم ولم تعرف حياتنا الفكرية ربط الحجاب والحشمة بوجود المراحيض خارج البيوت إلا عند بعض الكتاب الذين ذهبوا على هذا الطريق إلى حد تحليل الخمر واللواط .
إنه فقه عولمة الانحلال الغربي.. وليس فقه الإسلام والمسلمين .