الحجاب شرع لصون المرأة عن أعين الرجال الأجانب، ففي ارتداء المرأة لحجابها صون لها ومزيد عناية بها. ولم نقف على دليل من الشرع يقضي بأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه امرأة حاسرة.

غاية ما وجدنا رواية ذكرها الطبراني في المعجم الأوسط عن أم سلمة رضي الله عنها، عن خديجة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله يا ابن عمي هل تستطيع إذا جاءك الذي يأتيك أن تخبرني به؟ فقال لي: رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم يا خديجة.

قالت خديجة: فجاءه جبريل ذات يوم وأنا عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خديجة هذا صاحبي الذي يأتيني قد جاء، فقلت: له قم فاجلس على فخذي الأيمن، فقام فجلس على فخذي الأيمن، فقلت له: هل تراه؟ قال: نعم، فقلت له: تحول، فاجلس على فخذي الأيسر فجلس، فقلت: هل تراه؟ قال: نعم، فقلت له: فتحول فاجلس في حجري، فجلس، فقلت له: هل تراه؟ قال: نعم، قالت خديجة: فتحسرت، وطرحت خماري، وقلت له: هل تراه؟ قال: لا، فقلت له: هذا والله ملك كريم، لا والله ما هذا شيطان.

قالت خديجة: فقلت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ذلك، كما أخبرني به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ورقة: حقاً يا خديجة حديثك. ولم نجد حكما عليه بصحة أو ضعف.
وعلى هذا يبقى الأمر على أصله، والأصل في الأشياء الإباحة إلا ما أتى الدليل على تحريمه.

والذي بينته السنة المطهرة هو أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو تماثيل أو صور، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ ». صحيح مسلم.

وجاء في صحيح البخاري أيضا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِى طَلْحَةَ – رضي الله عنهم – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ » . فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة الحاسرة في بيتها تمنع من دخول الملائكة، هذا واحدة والأخرى أن الشريعة قد أتت برفع الحرج، وإلزام المرأة بالحجاب في كل وقت فيه حرج عظيم، ينافي ما ترمي إليه الشريعة من يسر، وإنما الحجاب من أعين الأجانب دون غيرهم.

جاء في حاشية الراهوني على شرح الزرقاني:

وأن الشرع إنما قرر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدم دون سواهم من الملائكة، إذ لا يفارقه الحفظة الموكلون به في حال من الأحوال. أهـ

على أن المكلف عليه أن يتجنب كشف العورة المغلظة بدون حاجة، وذلك لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر، قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، فقال: الرجل يكون مع الرجل، قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل، قلت: والرجل يكون خالياً، قال: فالله أحق أن يستحيا منه.