قال عمر -رضي الله عنه- لامرأة لا تحب زوجها : [فإن كانت أحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب].
ومعنى هذا أن العشرة قد تغني عن الحب، ولكن المقصود بعدم الحب هو عدم وجود تلك العاطفة القلبية من أحد الزوجين لصاحبه، فتحل محلها العشرة والرحمة.
ولكن أن يمتلىء قلب أحد الطرفين من صاحبه بغضا وكرها فهنا يجب التفتيش عن الأسباب لإصلاحها، وإذا لم تصلح جاز للطرف الآخر أن يطلب إنهاء هذه الحياة.
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
على كل من الزوجين أن يصبر على صاحبه ويجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها كإنسان، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزاياها إلى جوار عيوبها. وفي الحديث : “لا يفرك -أي: لا يبغض- مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها غيره”.
وقال تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [سورة النساء:19].
وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته، أمر الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذرها أن تبيت وزوجها غاضب.
وفي الحديث : “ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا : رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان (متخاصمان)”. انتهى
طبيعة العلاقة بين الزوجين:
يقول الشيخ سيد قطب في تفسيره الظلال :
الناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الأخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين ؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة. ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارا للحياة والمعاش، وأنسا للأرواح والضمائر، واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء.
والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويرا موحيا، وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس : لتسكنوا إليها.. وجعل بينكم مودة ورحمة..
إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.. فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقا للآخر. ملبيا لحاجته الفطرية:نفسية وعقلية وجسدية. بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار؛ ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء، والمودة والرحمة، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد..
ومن آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم. إن في ذلك لآيات للعالمين. انتهى
و يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم :
إن الحديث عن الانفصال العاطفي بين الزوجين، أو يمكن تسميته مجازا “الطلاق العاطفي”، يتطلب معرفة منهج الإسلام في الزواج، فكثير من الناس يظن أن الزواج في الإسلام لا يقوم على العاطفة، وإنما ينظر الرجل إلى المرأة، أو لا ينظر إليها في بعض الأوساط ، فإن أعجبته ذهب إلى بيت أبيها ليطلب زواجها، ويتم الاتفاق على المهر والتجهيز ثم يكون البناء، وتبدأ عجلة الحياة الزوجية.
ومن المعلوم أن معرفة أي حكم يرجع فيه إلى كتاب الله، وسنة نبيه ﷺ، كمصدرين للأحكام الشرعية في الإسلام، بل وكمنهج حياة للمسلمين، لأن حصر فائدة القرآن والسنة في معرفة الحكم الشرعي ضرب من التقييد المرفوض.
وحين نستنطق القرآن الكريم في آيات الزواج يكاد ينطق بإقامة الحياة الزوجية على الحب والعاطفة، وعلى الاحترام المتبادل بين الزوجين، ليفضي كل منهما إلى الآخر بمشاعره وأحاسيسه ووجدانه في جو من النظافة النفسية، ولتتغذى الأرواح بكل الحب الذي يثاب عليه الزوجان.
ومن ذلك قول الله تعالى : “ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، فالقرآن يشيرإلى بناء الأسرة على السكن والمودة والرحمة، وكلها معان تدخل في دائرة العاطفة والحب.
وتكرر هذا المعنى في آية أخرى ، حيث قال الله تعالى : “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا”. فليس هناك ألفة بين اثنين، كألفة الزوجين.
ولذا جعلها الله تعالى آية من آياته التي يجب أن يتدبر فيها.
قال الإمام ابن كثير :
لو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو حيوان لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك، “إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”. انتهى
وقيل معنى المودة والرحمة : عطف قلوبهم بعضهم على بعض.
وقال ابن عباس : قال : المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
والعاطفة تأتي من خلال الارتياح النفسي لكل من الرجل والمرأة، ولذا أباح الشارع الحكيم النظر إلى المخطوبة قبل خطبتها، ويعلو شأن النظر في الشريعة حين يرفض الرسول ﷺ أن يتزوج رجل امرأة دون أن يراها ولا أن يتأكد من نفسه الأنس بها، وكأن هناك تصحيح لعادة مغلوطة، وهي الزواج دون دراسة و معرفة، فيخبر الرسول -ﷺ- أحد أصحابه : “انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما.
وذلك أن النظر أولى رسائل القبول بين الرجل والمرأة.
ويتأكد هذا المعنى في حديث النبي ﷺ الذي يرويه النسائي : “خير نسائكم التي إذا نظر إليها زوجها سرته…
النبي ﷺ القدوة وتعامله مع زوجاته:
-ولئن كان الحب لابد فيه من التعبير ، فقد كان الرسول ﷺ يظهر هذا الحب لأزواجه، ويظهر هذا في كثير من أحاديثه، فمن ذلك :
“يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام”.
و عن عائشة قالت أول سورة تعلمتها من القرآن طه فكنت إن قلت : (طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ) إلا قال -ﷺ- : لا شقيت يا عائش.
-بل يصرح الرسول -ﷺ- بحبه لنسائه على ملأ من الصحابة، فعن عمرو بن العاص قال : قيل : يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقال : من الرجال؟ قال : أبوها، قال : ثم من؟ قال : ثم أبو عبيدة”.
-ويلاحظ أن أول ما سئل النبي -ﷺ- عن أحب الناس إليه ، قال : عائشة، ثم لما أخبره عمرو -رضي الله عنه- أنه يقصد الرجال عدد رجالا من أصحابه.
-ولقد كان النبي -ﷺ- قدوة في إثراء مظاهر الحب بين الزوجين، فقد كان يلاعب عائشة، بل ويترك لها أحيانا لعبا تلعب بها، مراعاة لسنها، بل لما قام الأحباش في المسجد يلعبون وقفت عائشة رضي الله عنها خلفه لتشاهدهم ، فلما ملت استأذنت الرسول -ﷺ-، وفي ذلك مراعاة للزوجة الصغيرة.
-وكانت إذا شربت من الإناء، أمسكه ووضع فمه في موضع فمها وشرب.
-بل كان يمسك العظم الذي به اللحم بعد أن تأكل عائشة، فيضعه فمه في موضع فمها، وكان كثيرا ما ينام في حجرها.
-بل ثبت عنه ﷺ أنه كان يجري مسابقة جري بينه وبين عائشة أكثر من مرة، فسبقته أول مرة، ثم سبقها في مرة أخرى، فداعبها قائلا :هذه بتلك.
-وكان ﷺ ربما رأى ما يحدث بين أزواجه من مشاحنات، فيبتسم مما يفعلن، كما يحدث بين الضرائر.
-وكان -ﷺ- يهدي إليهن بعض الهدايا، ترقيقا لقلوبهن، وتطييبا لخاطرهن، فتظن كل منهن أن لها الصدارة في قلبه ﷺ.
فإن كان هذا شأن نبي الأمة ﷺ، مع ما كان عليه من أعباء الدعوة والجهاد في سبيل الله، والسعي لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وقيامه الليل ،فإن من الأولى أن يكون الأمر أكثر فسحة بين المسلمين، فقد أرشدهم الرسول -ﷺ- إلى منهج الحب بين الزوجين، وأعطاهم نماذج ليست للحصر، و لكن للاقتداء والزيادة.
وهذا يعني أن العاطفة لها شأن كبير في الحياة الزوجية في الإسلام، وأن العيش مع الانفصال العاطفي هو أشبه بالموات أو الفراق، ولئن كان الإنسان روحا وجسدا ، فإن انفصال الروح يأذن بانفصال الجسد، غير أن هذا لا يعني أن الحياة بين الزوجين مستحيلة، كما لا يعني عدم جواز المعاشرة، فقد أمر الإسلام الزوجين أن يصبر كل منهما على الآخر.
وأن ينظرا إلى وسائل العلاج التي تعيد الحب بينهما، وتقويه في حياتهما، ليهنئا بحياة سعيدة كما أرادها الإسلام.